رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إدارة المخاوف

تحديات المجتمعات النامية أنها تكاد إذا ما واجهت مصدر خوف واحدًا أضحت وكأنها تواجه مخاوف متعددة مربكة لقرارات الإدارة كلها، فى حين أن العالم المتقدم غالبًا إذا ما واجه مخاوف فإنه يتعامل مع عواملها ومسبباتها، بمنهجية مقننة تستوعبها على التوالى، وعلى هذا ترتيب مواجهة المخاوف غالبًا ما يُبلور سياسات التصدى لها فى نسق موحد ومتناغم مع اتجاهات وتطورات المخاوف ذاتها.

التخطيط وبناء الاستراتيجيات فى ظل الاستقرار والأمان، يُمكن المخطط ويمنحه مساحة أوسع لاستكمال عناصره وتكامل مقوماته. ولكن المجتمعات كثيرًا ما تتعرض لمخاوف طارئة تُهدد كياناتها وتؤثر على استقرارها، وقد تُفقد الإدارة مكنتها لاتخاذ القرار الصائب.

مثير للاهتمام تفجير البياجر وأجهزة الاتصال، وموت المئات وإصابة الألف فى ثوانى معدودة، ولعلها مشاهد لم تكن معهودة، وتستحق التوقف مليًا للفهم والمراجعة. أضحى تحويل الأجهزة العادية إلى أسلحة أمرًا ممكنًا، فى صورة تحمل مخاوف مركبة فى إدارتها زمانًا ومكانًا، قد لا تستوعبها الإدارة بقدراتها الحالية.

أصبح يمكن إعادة استخدام الأجهزة الإلكترونية المزودة ببطاريات لأغراض تُثير مخاوف الناس، وبالتالى كل ما هو جديد يمكن إفساده باستخدامه لأغراض ليس التى صُنع من أجلها.عملية «الهروب الحرارى» فى تصور تلقائى يؤكد أنه إذا زادت درجة الحرارة عن الحد الآمن فعندها تبدأ سلسلة من التفاعلات الكيميائية المعقدة داخل البطارية قد لا تستغرق جزءًا من الثانية ليبدأ الاحتراق أو الانفجار الذى لا يمكن منعه بأى وسيلة.

معطى مخاوف السيارات الكهربائية، واحتمالية انفجار بطارياتها، مصدر قلق، فى حين أنها أقل عرضة للحريق مقارنة بالسيارات العادية التى تعمل بمشتقات النفط. يتفق خبراء الأمان الرقمى على أن الأجهزة الإلكترونية كالهواتف النقالة، والأجهزة اللوحية، وحتى السجائر الإلكترونية الأكثر  انتشارًا بين فئة الشباب والشابات معرضة لأخطاء مصنعية قد تُسبب ارتفاعًا فى درجات حرارتها، قد تؤدى إلى انفجارات تُحدث إصابات وحروقًا لمستخدميها. المخاوف تتزايد من أخطار الأجهزة الإلكترونية ذات القدرات العالية والاستخدامات المتعددة المتصلة بالإنترنت والمنتشرة فى أيدى الناس، وفى المنازل، وفى وسائل النقل والمواصلات، ويمكنها جمع معلومات تفصيلية عن حياة وسلوك الناس قد توازى أخطارها بالتجسس أو سرقة البيانات خطر الانفجارات.

 مخاوف «القرصنة بالهمس»

قد تتسع دائرة تهديدها، فمن حيث لا يعلم مستخدم الجهاز يمكن تفعيل هاتفه أو جهازه الذكى باستخدام أصوات لا يمكن للأذن البشرية أن تسمعها وإصدار أوامر إليها بتنفيذ مهام محددة قد تكون مدمرة، والذى بدوره يرفع من سقف تحديات الأمن السيبرانى فى توفير أمان الفضاء السيبرانى وضبط استخدامه.               
مخاوف أكبر يُثيرها سلوك إسرائيل تتجاوز تفجير أجهزة اتصال وبياجر حزب الله فى لبنان، تُوشك أن تُحدث تغيرًا جذريًا فى النظم الدفاعية والأمنية الدولية، فقد لا يكون الأمر هينًا ضرب صناعة الطائرات فى مقتل، ونهاية الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر واستخدام الواى فاى على الطائرات.

تزامن تفجير ٣٠٠٠ جهاز دفعة واحدة يُظهر قدرات تقنية متقدمة ولا شك فى ذلك، لكنه يحمل تداعيات خطيرة جدًا تتعدى جغرافية المنطقة العربية والشرق الأوسط بمجمله لتشمل العالم بأسره، فنقاط التفتيش فى المطارات ترفع من حساسية أجهزتها لتمنع حمل ما قد يُشكل خطرًا حتى السوائل، وشركات الطيران كانت تمنع الصعود إلى الطائرات ببعض الهواتف والأجهزة بسبب تقارير تُشير إلى ارتفاع درجة حرارة بطارياتها. لكن اليوم! وبعد هذا التفجير المختلف، فهل يطمئن الناس عند السفر فى المطارات؟، وهل ستستمر شركات الطيران فى استقبال الهواتف والأجهزة الإلكترونية مع الركاب وفى حقائب الأمتعة دون قلق؟

... يبدو أن القلق يتعمق وحجم المخاوف يتزايد، ومحيط الإرهاب يتسع، فإرسال إشارة قد يُزامن تفجير مطارات وطائرات، ومنشآت حيوية بأعداد لا حصر لها فى أماكن شتى. لا جدال ستواجه استراتيجيات الحرب ونظم الدفاع مخاوف إرسال إشارة متزامنة لتفجير بطاريات الهواتف والأجهزة الإلكترونية فى الدول الأكثر تقدمًا، فما هى فاعلة؟!

رئيس مركز المعرفة العربية للاستشارات