مجدى نصار: الذات الشاعرة تتجسد بصور مختلفة فى القصيدة النثرية
تحدث الناقد مجدي نصار عن تجليات الذات الشاعرة في قصيدة النثر، وذلك خلال فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر قصيدة النثر المصرية، والمنعقدة في رحاب مؤسسة الدستور الصحفية.
تجليات الذات الشاعرة في قصيدة النثر
واستهل نصار حديثه مشيرا إلي تجسد الذات الشاعرة بصور مختلفة داخل القصيدة النثرية، لتشكل الثنائية المعروفة: ثنائية الذات والعالم (الذات والموضوع/ الذات والآخر/ الخاص والعام) فيصبح للذات دور فاعل في العالم وليس منفعلا كما كان يحدث في الشعر القديم، وتحقق التجربة فرادتها بحضور الذات الشاعرة كرد فعل على العالم، وليس كمجرد شاهد على هذا العالم.
وأوضح مجدي نصار: كما يصبح الشعر علاقة بين الذات والعالم من خلال تجربة شعورية تمثلها الصور (الشعرية). ولقد تمَثَّل حضور الذات الشاعرة في القصيدة – عبر تاريخ الشعر الطويل – في صور ثلاث: الأولى شخصية تتمركز فيها الذات الشاعرة داخل دائرة محيطها العالم، والثانية شخصانية تحل فيها الذات بديلا عن العالم، والثالثة لا-شخصية تتلاشى فيها الذات في العالم. ويتضح من توصيفات الصور الثلاث أن الحضور (الشخصي) للذات قد يتسق مع الشعرية الحديثة أكثر من الحضورين الأخريين: الشخصاني واللا- شخصي، لأن الشاعر في التجربة الشخصانية يتعامل وكأنه الإله القديم أو الكاهن القديم، وفي اللا-شخصية ينفي ذاته بحس صوفي فلا يسمح– غالبا– لذات المتلقي أن تُعايش التجربة الشعرية بصدق تام أو تتماهى معها. بينما الحضور الشخصي للذات– كما نرى– سيجعل التجربة واسعة لتشمل أكبر عدد من المتلقين وتنتج عددا لا نهائيا من الدلالات وتسمح للمتلقي بأن يسحب التجربة الشعرية على تجربته الحياتية.
ولفت نصار إلي: تؤكد (الذات الشخصية) على حضورها بوجودها في مقابل العالم وفي مقابل الآخر، ليمثل العالم أو الآخر إثباتا لوجودها، كما أنها (الذات الشخصية) تتيح للشاعر صناعة الشعر الإنساني – الذي يراود اليومي والمعيشي – بلغته البسيطة الهادفة، وغرضه الذي يستكشف شعرية العالم، وتتعامل مع الزمن الموضوعي (الواقعي) لا مع الزمن الأسطوري، كما تنتصر للذاكرة البصرية على الذاكرة الذهنية، تحتفي بالتفاصيل المعيشية الصغيرة وتُمجِّدها، تعايش الواقع ولا تقف على هامشه، تنتج الحقيقة الشعرية بصيغتها الأصلية الخالصة والتي هي حقيقة مغايرة للحقيقة الموضوعية، تتخلى عن الراوي الخارجي لحساب الراوي المتكلم فيقترب المتلقي من التجربة أكثر، تتخلى عن الغموض والتغميض المتعمد للنص والذي حين يتعمَّده الشاعر يملأ النص بشفرات لا يفهمها سواه فتسهم هذه الشفرات في تنفير المتلقي وتُشعره بغربته أمام النص وقد تدلل أيضا على افتقاد الشاعر للرؤية.
واختتم مجدي نصار مؤكدا: تستعرض التجربة الشخصية العالم كما هو في الواقع مقابل العالم كما تتمناه الذات الشاعرة، تهتم بالتفاصيل والجزئيات والمفردات اليومية والواقعية ولا تتعالى عليها، تؤكد فردانية القصيدة النابعة من فردانية التجربة وتحقق بذلك غرضين هامين ومناسبين للحداثة الشعرية: الأول أن تصلح لتكون تجربة الكل وليست تجربة الشاعر وحده، والثاني أن تخرج بقصيدة النثر من أحد سجونها الحالية وهو تكرار التجربة العامة التي يطغى فيها الموضوع على حضور الذات الشاعرة فيفقد الشعر أهم سماته وهي تعبيره عن تجربة فردية تخلق مسافة جمالية واسعة مع المتلقي.