رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كورسك.. "فتيل" الحرب العالمية الثالثة

منصات دفاع جوي
منصات دفاع جوي

ليست كل الحروب خيارات الشعوب، ولكنها كثيرًا ما تفرض ضريبتها على بلدانٍ وأممٍ لم تخطُ نحوها، فلم تعد مقتصرة على حدود بلدين متنازعين، وإنما تمتد شظاياها إلى بقاعٍ بعيدة عن بؤر الصراع مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يُعد احتمالًا بعيدًا أن يشهد العالم حربًا عالمية ثالثة تلوح في الأفق بفعل الصراع الروسي الأوكراني الممتد لأكثر من عامين منذ اندلاع الحرب بينهما في فبراير 2022.

ومنذ السادس من أغسطس الماضي، ارتفع سقف المواجهة بين موسكو وكييف، عقب اقتحام أوكرانيا الحدود الروسية والتوغل في مدينة كورسك، الذي وُصِف بالهجوم الأكبر على روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، ليأتي الرد الروسي بهجومٍ واسع النطاق على منشآت الطاقة في حوالي 15 مدينة أوكرانية.

وعلى الرغم من إعلان روسيا عن استعادة 10 قرى من القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الهجوم على الحدود الروسية حقق النتائج المتوقعة وأبطأ تقدم موسكو في شرق أوكرانيا.

وباقتحام "كورسك" غادرت الحرب الروسية الأوكرانية الركون إلى التحذيرات الشفهية، لتبدأ فصلًا جديدًا من التصعيد الأخطر منذ بدء الحرب، في ظل إصرار زيلينسكي على تجاوز خطوط بوتين الحمراء واستهداف العمق الروسي بضوءٍ أخضر من الولايات المتحدة والغرب.

الضوء الأخضر لأوكرانيا

"لا يمكن وقف الهجمات الروسية إلا بضرب المطارات العسكرية وقواعدها"، جاء ذلك على لسان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، داعيًا الدول الغربية وحلفاء كييف إلى تجاهل الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتزويد بلاده بمزيد من السلاح والعتاد دون تأخير.

وفي سبتمبر الجاري، قال الرئيس الأوكراني، في كلمته من قاعدة رامشتاين بألمانيا: "على الحلفاء اتخاذ قرارات قوية بشأن الضربات بعيدة المدى ضد روسيا".

وقال زيلينسكي، في تغريدة سابقة عبر صفحته الرسمية بمنصة X: "نعمل كل يوم على اتخاذ قرارات أقوى لدعم دفاعنا، خاصة فيما يتصل بالقرارات ذات الصلة بالضربات بعيدة المدى، وكان هذا موضوعًا رئيسيًا في مناقشتي مع شركائنا خلال اجتماع قاعدة رامشتاين في ألمانيا".

وأضاف: "لا يمكن وقف الهجمات إلا بطريقة واحدة، من خلال ضرب المطارات العسكرية الروسية وقواعدها والخدمات اللوجستية.. ويتعين علينا أن نحقق هذا".

وفي 2 سبتمبر الجاري، دعا وزير الخارجية الأوكراني السابق دميترو كوليبا، إلى رفع القيود المفروضة على بلاده وضرب أي أهداف عسكرية مشروعة على الأراضي الروسية، مشيرًا إلى أن بلاده مُجبرة على القتال بأيادٍ مُكبَّلة؛ لعدم الحصول على إذن بشَّن ضربات في عمق روسيا.

غضب روسي

أثارت مساعي أوكرانيا المستميتة للحصول على موافقة الغرب بضربات بعيدة المدى في روسيا، غضب موسكو، وفي آخر تحذيرٍ لها أكدت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تدرك أن الغرب قد اتخذ قرارًا بشأن السماح لأوكرانيا بضرب عمق روسيا، مشددة على ضرورة استخدام وسائل أخرى بدلًا من التحذيرات الشفهية.

وقالت "الخارجية الروسية"، اليوم السبت: "موسكو على علم بأن الغرب قد اتخذ قرارًا بشأن ما إذا كان سيُسمَح لأوكرانيا بشن ضربات داخل العمق الروسي".

وأضافت: "نظرًا لأن التحذيرات اللفظية للغرب ضد التصعيد لم تنجح، فعلى موسكو أن تستخدم وسائل أخرى".

من جهته، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، إن موسكو لديها بالفعل أسس رسمية لاستخدام أسلحة نووية منذ توغل أوكرانيا في منطقة كورسك، إلا أنها آثرت عدم القيام بذلك حتى الآن.

وأضاف، في كلمةٍ له اليوم السبت: "بوسعنا تدمير العاصمة الأوكرانية كييف بأسلحة غير نووية، ردًا على استخدام أوكرانيا لصواريخ غربية بعيدة المدى".

وأكد ميدفيديف أنه يمكن لروسيا أن تستخدم بدلًا من النووي أسلحة تكنولوجية متطورة جديدة يمكنها أن تحوّل كييف إلى "كتلة منصهرة عملاقة".

وفي تصريحاتٍ سابقة، قال الرئيس بوتين إن دول "الناتو" لا تناقش الآن فقط إمكانية استخدام كييف للأسلحة الغربية بعيدة المدى، بل في الواقع، تقرر ما إذا كانت ستشارك بشكل مباشر في الصراع الأوكراني.

وأضاف بوتين أن المشاركة المباشرة للدول الغربية في الصراع الأوكراني ستغير جوهره، وستضطر روسيا لاتخاذ قرارات بناءً على التهديدات التي تواجهها بهذه الطريقة.

وردًا على ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن بيان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول عواقب استخدام الأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي "واضح للغاية، ولا لبس فيه، ولا شك في أنه وصل إلى المخاطبين به".

زيارة مخيبة للآمال

وعلى الرغم من مطالب زلينيسكي المتكررة للحصول على الضوء الأخضر لاستهداف العمق الروسي، إلا أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره البريطاني ديفيد لامي، إلى كييف، خيَّبت آمال أوكرانيا في ذلك.

وقالت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية إن أوكرانيا تضغط بقوة من أجل إسقاط حظر الأسلحة، بحجة أنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها، لكن حلفاء كييف قلقون بشأن تجاوز الخطوط الحمراء للكرملين وتصعيد الحرب.

وفي السياق، ذكرت وكالة "رويترز" أن وزيري خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا كشفا، خلال زيارتهما الأخيرة إلى كييف، عن دعمٍ جديد إلى أوكرانيا، ولكن لم يتم تحقيق تقدم بشأن السماح بضربات بعيدة المدى داخل روسيا، وهو ما تسعى إليه أوكرانيا بشدة.

وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المناقشات في هذا الأمر قد تستمر لبضعة أسابيع أخرى، وهي ملاحظة تُخيب آمال الأوكرانيين الذين يأملون في أن يتخلص الغرب بسرعة من مخاوف التصعيد.

وأشارت "رويترز" إلى مخاوف واشنطن وبعض العواصم الأوروبية من أن رفع القيود المفروضة على الهجمات بعيدة المدى قد يستفز روسيا نحو صراعٍ مباشر مع الغرب، في نفس الوقت الذي يعترف فيه بأن أوكرانيا بحاجة إلى المزيد من المساعدة إذا كانت تريد تحويل الحرب لصالحها.

صواريخ إيرانية إلى روسيا

وبينما تسعى أوكرانيا للحصول على إذن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتوجيه ضربات بعيدة المدى تستهدف العمق الروسي، تواجه موسكو تحذيراتٍ أوروبية بشأن تزويدها بصواريخ باليستية من إيران.

وكشف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عن أن روسيا تلقت صواريخ باليستية من إيران، مُرجحة أن موسكو تستخدمها في حربها مع أوكرانيا في غضون أسابيع.

وفي مؤتمرٍ صحفي مشترك مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، خلال زيارتهما الأخيرة إلى العاصمة الأوكرانية كييف، قال "بلينكن": "نحن نمرّ بأوقاتٍ صعبة، مع استمرار روسيا في توسيع هجماتها على المدن الأوكرانية، والآن، بوتين يسعى لتعزيز عدوانه من خلال الحصول على صواريخ باليستية إيرانية".

وتعليقًا على ذلك، قال مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الاتحاد حذَّر إيران مرارًا وتكرارًا من نقل الصواريخ الباليستية لروسيا، موضحًا أن الرد على ذلك سيكون سريعًا وبالتنسيق مع الشركاء.

وصرِّح بوريل، في بيانٍ له أمس الجمعة: "نقل الصواريخ يُشكِّل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي وتصعيدًا كبيرًا وملموسًا"، مضيفًا: "سنرد بسرعة وبشكل مُنسَّق مع الشركاء على تزويد إيران روسيا بصواريخ باليستية".

وقال مصدر دبلوماسي، أمس، إن وزارة الخارجية الفرنسية استدعت القائم بالأعمال الإيراني على خلفية ما تردد بشأن نقل طهران صواريخ باليستية إلى روسيا.

وفي السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن حزمة جديدة من العقوبات على إيران ردًا على تسليم طهران لروسيا صواريخ باليستية، فيما قالت حكومات فرنسا وألمانيا وبريطانيا في بيانٍ مشترك، إن "هذا العمل تصعيد من إيران وروسيا، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي".

من جهتها، نفت وزارة الخارجية الإيرانية هذا الأمر، مؤكدة أن ما وصفته بـ"الادعاء المتكرر" له دوافع سياسية لدول غربية.

وأكدت الخارجية الإيرانية أنها لم تكن جزءًا من الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مشيرة إلى أنها تدعم الحل السياسي والمحادثات الثنائية لإنهائه.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن بلاده لم تسلم روسيا صواريخ باليستية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تصرفت بناءً على معلومات استخباراتية خاطئة.

بدوره، أوضح المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا، حقيقة حصول بلاده على صواريخ باليستية من إيران، مؤكدًا أن روسيا لم تحصل على أي أسلحة إيرانية، وإنما التقارير بشأن ذلك مجرد حملة غربية بنوايا سيئة.

أسلحة كيميائية سامة 

واستمرارًا لتبادل الاتهامات بين طرفي الصراع، اتهم المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا، القوات الأوكرانية باستخدام مواد كيميائية في مناطق القتال بالحرب الروسية الأوكرانية، وذلك بدعمٍ من الدول الغربية.

وقال المندوب الروسي بالأمم المتحدة، في كلمةٍ له، مساء أمس، إن الجيش الأوكراني يستخدم المواد السامة في هجماته داخل كورسك، مشيرًا إلى أن أوكرانيا تنتهك التزاماتها بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية. 

وأكد المندوب الروسي أن كييف تستخدم مواد كيميائية خطيرة ذات آثار مدمرة على البيئة في مناطق المعارك، مضيفًا: "لدينا أدلة على استخدام أوكرانيا أسلحة كيميائية سامة في هجماتها ضد أماكن مدنية".

تغيير العقيدة النووية الروسية

وأثار الصراع الروسي الأوكراني مخاوف بشأن ما إذا كانت روسيا قادرة على نشر أسلحة نووية، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، إن هناك نية واضحة لإجراء تغييرات على العقيدة النووية، مضيفًا أن القرار "مرتبط بمسار التصعيد لخصومنا الغربيين" فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا.

وأضاف ريابكوف، في تصريحاتٍ سابقة: "كما قلنا مرارًا وتكرارًا من قبل، فإن العمل يسير في مرحلة متقدمة، وهناك نية واضحة لإدخال تعديلات على العقيدة النووية بناءً على تحليل تطور الصراعات الأخيرة، بما في ذلك بالطبع كل ما يتعلق بمسار التصعيد لخصومنا الغربيين فيما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة".

ووفقًا لـ"رويترز"، فإن العقيدة النووية الحالية لعام 2020 تنص على أن روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية في حالة وقوع هجوم نووي من قبل عدو أو هجوم تقليدي يهدد وجود الدولة، لكن ريابكوف لم يذكر موعد العقيدة النووية المُحدَّثة.

دعم أمريكي لأوكرانيا

وفي إطار الدعم الأمريكي المستمر لأوكرانيا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن تقديم حزمة جديدة من المساعدات اللازمة لأوكرانيا، تضم 325 مليون دولار للمساعدة في إصلاح شبكة الطاقة والكهرباء، و290 مليون دولار للمساعدة في توفير خدمات حيوية مثل مياه الشرب والغذاء والدواء، وتمويل إضافي بقيمة 102 مليون دولار لنزع الألغام التي خلفتها الحرب.

كما أعلن بلينكن عن تقديم 50 مليار دولار من أصول روسيا المجمدة لدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا والدفاع عنها، بالإضافة إلى إنشاء أول مرفق من نوعه لإعادة التأمين ضد مخاطر الحرب بقيمة 350 مليون دولار، بهدف تسهيل الاستثمار حتى مع استمرار الحرب.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية باتريك رايدر، إن مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا خصَّصت أكثر من 100 مليار دولار كمساعدات أمنية حيوية للدفاع الأوكراني، منذ أبريل 2022.

يأتي ذلك فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، عن تقديم الولايات المتحدة الأمريكية حزمة جديدة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بقيمة 250 مليون دولار، بالإضافة إلى تقديم مزيدٍ من الأسلحة بعيدة المدى ومنظومات الدفاع الجوي لأوكرانيا.