رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات تنوء بحملها الجبال

بات واضحًا جدًا للعيان ما تقوم به إسرائيل لإبعاد مصر عن أداء دورها فى وقف الحرب الإسرائيلية البشعة، لأن الهدف الرئيسى هو تصفية القضية الفلسطينية وإتمام مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين، والحيلولة دون إتمام حل الدولتين، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية. وقد تعرضت مصر، مؤخرًا، لحملات مسعورة من الإعلام الصهيونى بشكل يفوق التصورات والخيال، بهدف إبعاد القاهرة عن القيام بدورها الوطنى فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى.

لقد واجهت مصر خلال الأحد عشر شهرًا الماضية تحديات كبيرة تنوء بحملها الجبال، ومن نعم الله استطاعت، وما زالت، تواجه الكثير والكثير من أجل القضية الفلسطينية، ومنع انهيار المنطقة العربية. وكما خاضت مصر الحرب الشعواء على الإرهاب نيابة عن العالم، تخوض حاليًا حربًا ضروسًا نيابة عن الأمة العربية فى منع تصفية القضية الفلسطينية، وتتحمل البلاد الكثير من المصاعب بفضل تماسك الجبهة الداخلية واصطفافها حول القيادة السياسية فى هذه المعركة الشرسة، فليس الهدف هو تصفية فلسطين فقط، إنما هو مخطط واسع للقضاء على الأمة العربية، ولذلك تأتى كل هذه الضغوط على مصر.

الدور الكبير الذى تلعبه مصر، حاليًا، يعد حائط الصد المنيع فى شرذمة الأمة العربية، ولا أكون مبالغًا فى القول إذا قلت إن هناك ضرورة ملحة حاليًا لاصطفاف الدول العربية مع مصر فيما يحدث بدلًا من الخراب الشديد الذى ينتظر الجميع، وليس من المقبول أو المعقول أن تغرد كل دولة عربية بعيدًا عن الدور المصرى.

إن عملية توريط مصر فى هذه المسألة، بجانب التحرشات الصهيونية المستمرة، تستدعى ضرورة ألا تقف الأمة العربية متفرجة، فمصر الحريصة على الأمن القومى العربى، تستحق عدم التخلى عنها فى ظل هذه الظروف الراهنة وبالغة الحساسية، لمشاركة القاهرة وحكمتها فى منع انهيار المنطقة، لأن الخراب عندما يحل لا يميز بين دولة أو أخرى. والمعروف أن التحرشات الصهيونية لا تأتى من فراغ، وإنما لوقوف مصر حائط صد منيعًا فى التصدى لمنع تصفية القضية الفلسطينية، ولدورها العظيم فى الحفاظ على الأمن القومى العربى.

الدبلوماسية الرشيدة التى تتبعها مصر، رغم كل التحرشات البشعة التى تقوم بها تل أبيب، ورغم نشر الأكاذيب والتضليل الإعلامى الكبير، تتسم بالكياسة والفطنة من أجل منع تصفية القضية الفلسطينية، ووقف التصدى بكل حزم وحسم لعمليات التهجير القسرى للفلسطينيين، إضافة إلى الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى، ووقف دخول المنطقة فى فوضى عارمة.

لقد نجحت مصر بموقفها الرشيد والثابت فى أن تكشف المخططات الصهيونية- الأمريكية، وتمت تعرية الموقف الدولى المتخاذل الذى كشف عن وجهه القبيح أمام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى ضرب الشرعية الدولية والمواثيق والأعراف.

ولذلك فإن الرؤية المصرية القائمة على تفعيل الشرعية الدولية، والاتفاق على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، هى الأساس ولا حل سواها وهو موقف ثابت لا يتغير أو يتبدل، وقطعت مصر فى هذا الشأن الكثير والكثير من المفاوضات.

وستظل على موقفها الثابت رغم كل التحرشات التى تقوم بها إسرائيل أو أمريكا أو بعض دول المجتمع الدولى المتضامن مع الصهيونية.

وباتت إسرائيل أمام موقفين لا ثالث لهما، وهما رأى عام داخل الشعب الإسرائيلى ضد حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، وهو ما تمثل فى الكثير من المظاهرات.

والثانى رأى عام لدى شعوب العالم بأن إسرائيل عصابة مجرمة ارتكبت الكثير من الجرائم فى حق شعب أعزل، فقتلت وذبحت ومنعت الغذاء والدواء عن الناجين من هذا الشعب، ولذلك لم يعد أمام إسرائيل إلا أن تستجيب لمفاوضات وقف الحرب.

وستظل مصر على موقفها الثابت ولن يتغير، وهو المتمثل فى حل الدولتين والجلوس على طاولة المفاوضات لإنقاذ المنطقة من المصير المشئوم، وهذا ما يجب أن تعيه الولايات المتحدة لأن مصالحها هى الأخرى ينالها التأثير بشكل واضح وظاهر.