رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الوطنى وثقافة الاختلاف

الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أبريل عام ٢٠٢٢، يعد بمثابة منصة ديمقراطية حقيقية. وقد نجح الحوار الوطنى فيما لم تنجح فيه الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة حاليًا، التى يزيد عددها على ١٠٦ أحزاب!. الحوار الوطنى المستمر حتى الآن يؤدى دورًا وطنيًا فى الجمهورية الجديدة لم يكن أحد على الإطلاق يتوقع له هذا النجاح الذى حققه، خاصة أنه استطاع أن يجمّع كل الفرقاء والمختلفين، وحقق معادلة أكثر من رائعة وهى ثقافة الاختلاف.

فى النهاية يتم التوافق على قرار تنتج عنه مخرجات ومحددات سياسية واقتصادية واجتماعية قابلة للتنفيذ لخدمة الوطن والمواطن. الحقيقة أننا فى مصر على مدار عقود طويلة قد فشلنا فى تحقيق ثقافة الاختلاف، إلا أن الحوار الوطنى نجح فى هذه المهمة، ما يدل دلالة قاطعة على تحقيق الديمقراطية التى يحلم بها المواطن. ورغم أن الأحزاب السياسية الكثيرة فى مصر كان من الممكن أن تؤدى هذا الدور فإنها للأسف الشديد فشلت فيه فشلًا ذريعًا. وهذا يستدعى إعادة التفكير فى أداء هذه الأحزاب وطريقة عملها وتفعيل دورها طبقًا لنص المادة الخامسة من الدستور.

الحقيقة أننا ما زلنا نعانى شديد المعاناة من أزمة خطيرة تتمثل فى ثقافة الاختلاف وقد يأتى يوم فى مصر الحديثة ونجد لها حلًا، كما ظهرت بشائرها فى الحوار الوطنى. هذه الأزمة تترك غالبًا آثارًا فادحة شديدة التدمير للمجتمع، رغم أن الاختلاف هو نتاج تفكير وجهد لكل صاحب فكر أو رأى، وبالتالى لا يمكن أن تتطابق وجهة نظر فلان مع رأى علان، والأنفع للمجتمع هو الذى يؤخذ به.. وقد يكون هذا الاختلاف فيه المنفعة الحقيقية للبشر والوطن.

ما زلنا فى مصر لا نعرف ثقافة الاختلاف، وغالبًا ما يتم التقسيم على أساس معسكرين؛ الأول ضد الثانى، وكل طرف يكيل للآخر الاتهامات ويكيل له بهتانًا وظلمًا كل العيوب، وأحيانًا الاتهام بالعمالة والخيانة وكل ما فيه إعلان للحرب، سواء كانت كلامية أو فعلية من تدبير مكايد ومقالب وخلافه.. ولأن ثقافة الاختلاف غير موجودة، نجد كل طرف ينعت الآخر بأنه الشيطان الأكبر، ويعيش الطرفان فى حالة حرب لا مثيل لها!

ثقافة الاختلاف نظرية ترفضها تمامًا المؤسسات الديكتاتورية التى ليس بها إلا الفرد، الذى وصل إلى حد التأليه. فهو المفكر والفيلسوف وحامى الحمى والراعى، وهو الذى يفكر، وهو الذى يطعم ويسقى، والويل كل الويل لمن يعترض، ومصيره سيكون التشريد والنفى وإذاقته كل صنوف التعذيب المعروفة وغير المتعارف عليها! «ثقافة الاختلاف» كلمتان ممنوعتان لدى الكثيرين، ولذلك وجدنا المشروع الوطنى الموضوع بعد ثورة ٣٠ يونيو عالج الأمر بالحوار الوطنى.

ورغم أن الديمقراطية الحقيقية أساسها مبنى على ثقافة الاختلاف؛ فإن هناك نعرة ما زالت تسيطر على مفاهيم الحياة، ونجد فى المدرسة والأسرة الواحدة والحزب السياسى حالة انقسام شديدة والسر هو عدم الاعتراف بثقافة الاختلاف، فى حين أن الأديان السماوية نفسها اختلف حولها البشر، وإلا ما رأينا كفارًا ومؤمنين، وآن الأوان لأن ندرب أنفسنا على الاختلاف المبنى على احترام كل طرف للآخر، فلا يجوز مثلًا أن تجمع المختلفين مناسبة ويتعارك هؤلاء المختلفون لمجرد أن المختلف هذا يريد أن يكون عليه إجماع، ففكرة المائة فى المائة زمن ولى ولن يعود بعد ذلك.. من حق الناس أن يختلفوا بضوابط دون تدبير المكائد ودون إلصاق التهم الجزافية.. فهل نفعل؟!

ولذلك أتمنى على الحوار الوطنى أن يستمر فى أداء مهامه، لأنه أثبت بالدليل القاطع أنه الوحيد القادر على أن يعرف ثقافة الاختلاف ويبلورها بشكل ديمقراطى صحيح ١٠٠٪، وتخرج فى النهاية محددات لخدمة الوطن والمواطن.. ورغم أن هذا كان يجب أن يكون دور الأحزاب السياسية؛ فإنها ما زالت بعافية، وتحتاج إلى أن تتعلم مما حدث فى الحوار الوطنى. هل تغير الأحزاب من طريقة أدائها وتقوم بتنشيط فعالياتها وتعرف ثقافة الاختلاف أم أن نترك الأمر للحوار الوطنى القادر على ذلك؟.. الأيام المقبلة كفيلة بمعرفة النتائج.