استضافة الدستور لمؤتمر قصيدة النثر خطوة مهمة لإثراء المشهد الثقافي المصري
نتفق أو نختلف حول قضية من قضايا الشأن الثقافي، هذا لا يعني أن نحمل بأيديولوجية ما نحاول أن نمررها بين طيات السطور، ونروج لقناعة مسبقة لهدم ما يحاول الآخر إقامته وترسيخه، وبذل العناء غير المبرر في البحث والتنقيب والتفتيش وراء النوايا بترصد يبدو واضحًا؛ إذ أنه يترك الأهم وينشغل بما هو دونه.
فأي واقعة تحمل فكرة ما، يجب أن تخضع للبحث عنها في ذاتها، ثم محاولة إيجاد أثرها على الآخر وعملها فيه، ثم العودة إلى انعكاسها وتأثيرها على أرض الواقع، ومن ثم تحليل نتائجها بعد أن ارتدت إلينا في صورة مبادرات أو فعاليات أو أفعال مادية ملموسة..
وهذا إن كان صالحًا في العموم، فأولى به أن يطبق على الشأن الثقافي؛ إذ أن الخلاف هنا حول القناعات بل والأشخاص يجب أن يصب في مصلحة الحراك والتفاعل الإيجابي لإثراء الحركة الثقافية المصرية والتي ولا شك تساهم في تأكيد الدور الرائد لبلد تشهد أحجاره قبل شخوصه لقيمة الكلمة وتأثيرها.
وفي الآونة الأخيرة لا يمكننا إنكار تلك النقلة النوعية المحمودة في الوسط الثقافي المصري والتي أحدثتها جريدة الدستور المصرية، أقول لا ينبغي لنا إنكارها؛ إذ أنها تمثلت في عدة خطوات مهمة أولها: صدور جريدة حرف وهي إحدى الإصدارات التي تمثل حراكًا، نحن في أمس الحاجة إليه، حتى وإن ضمت حرف -أحيانًا- رؤى مختلفة حول بعض القضايا والأشخاص، ولكنه ذلك الحراك الذي نقصده؛ إذ أنه يطرح الرأي والرأي الآخر، ويترك للقارىء حرية تكوين قناعاته؛ فيمنحه ذلك الاتساع في مدى أقواس التلقي.
ولم تكتف جريدة الدستور المصرية بذلك؛ بل من خلال إعلان رئيس مجلس إدارتها د. محمد الباز مبادرة "في محبة القراءة" وتوفير 10 كتب أسبوعيًا للقراء، ثم الإعلان عن استضافة مؤتمر قصيدة النثر، بعد اعتذار مكتبة الإسكندرية كما علمت مؤخرًا، وهنا لا تعليق لدي غير مساحات كثيرة من علامات التعجب!!
لكن في الأحوال جميعها، ما يعنينا هو موقف الدستور في تلك الحالة، والذي ولا شك يعد موقفا واعيًا؛ يعكس الاهتمام المتواتر بالثقافة، كما يرسخ لدور المثقف الإيجابي الذي يقدر قيمة الظرف الراهن، ويدرك أن التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وتكاد رائحتها تزكم الأنوف وتعكر الأجواء، لا سبيل لمواجهتها إلا بالعمل التفاعلي، وتضييق الهوة بين الثقافة ورجل الشارع الذي يشغله البحث وراء لقمة العيش عن الاهتمام بتشكيل وعيه، وتكوين قناعته في مختلف القضايا؛ إذ أنه وبعد يوم من العمل وقبل خلوده إلى نومه يذهب بحركة روتينية إلى مواقع التواصل الاجتماعي لدقائق معدودة، تلك التي قد تسوق إليه رؤى غائمة ملتبسة، غير كافية للوقوف على حقائق الأمور؛ إذ تحيل بينه وبين الاطلاع على ما يحدث حوله في أمور ثقافية واقتصادية واجتماعية بل وسياسية؛ فهذه النيران التي تضطرم أسفل الرماد الخامد، ويحاول الجانب الآخر الذي نعلمه جميعا أن يذكيها؛ لننشغل في صراعات جانبية ومعارك وهمية لا طائل من ورائها، لا سبيل لمجابهتها إلا بزيادة مساحات الوعي الثقافي، وإعادة الكلمة المقروءة إلى مكانتها، فإن لم ننتبه ونستشعر ثقل الأمانة الملقاة على أكتافنا يوم أن ارتضينا أن نمسك بالقلم لنتصدى إلى الأخطار التي تحيق بنا، قد يساهم ذلك في ارتدادنا ردة غير مأمونة العواقب، ولذا ليتنا نترك معاول الهدم التي تستهدف وتترصد لكل ما يقدم في الشأن الثقافي، ونقيم كل تجربة بموضوعية وتجرد بعد حصد ثمارها.