رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القاتل الصامت.. كيف يسرق إدمان السوشيال ميديا عمر المراهقين والأطفال؟

جريدة الدستور

حين كانت نورهان.م، 28 عامًا، في المرحلة الجامعية، كانت تستيقظ مبكرًا للذهاب إلى الجامعة لحضور المحاضرات كافة، طوال الطريق اعتادت على تصفح مواقع السوشيال ميديا ذهابًا وإيابًا من وإلى الجامعة، وحين تعود إلى السكن الجامعي تظل ساعات طويلة تتصفح.

تقول: «في أيام الأجازة كان الهاتف لا يفارقني مطلقًا طوال اليوم والليل والنهار أظل أتصفح مواقع السوشيال ميديا وتحديدًا فيس بوك، لا أتركه إلا في أوقات الصلاة، حتى في مواعيد تناول الطعام كنت أتناول بيد والأخرى بها الهاتف، وكان أصدقائي يخافون مني بسبب ذلك الإدمان».

 

نورهان: «أدمنت السوشيال ميديا وبدأت رحلة تعافي»

تضيف: «في إحدى المرات نست صديقتي في السكن عن تجديد اشتراك الإنترنت وكان الوقت متأخر لذلك انقطع، ووقتها قمت بمشاجرة قوية معاها وكان أصدقائنا في السكن يحاولون تهدئتي لأن الأمر في نظرهم لا يستحق بينما أنا وقتها كنت مثل المدمن الذي يبحث عن الجرعة بشكل جنوني».

انتقلت نورهان بعد التخرج إلى منزل عائلتها في الوادي الجديد، وهناك بدأت رحلة العلاج والتعافي، حيث وضعتها والدتها في حجرة منفصلة بعدما علمت بواقع الأمر وشدته وتأثيره لديها: «وضعوني في حجرة ومنعوا كل وسائل الإنترنت في المنزل لمدة شهر كامل بدون انقطاع لم استطيع التصفح أو التواصل عبر الإنترنت».

ما حدث لنورهان يعاني منه الكثير من الشباب خلال الفترة الماضية لا فارق بين طفل ومراهق، بسبب انتشار إدمان السوشيال ميديا والمكوث ساعات طويلة على الإنترنت بلا هدف، والذي لأجله بدأ بعض الأخصائيين النفسيين العمل على علاج إدمان السوشيال ميديا مثلما حققت «الدستور» في هذا الملف إذ اتضح أنه مرض العصر الذي يسرق أعمار الأطفال والمراهقين على حد سواء.

 

أخصائي طب نفسي يشرح أثار إدمان الإنترنت

يشرح الدكتور محمد يوسف، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، إدمان الشباب للسوشيال ميديا بتأكيده أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، والجانب السلبي يطغى على الإيجابي فيتأثيرها، موضحًا أنها أصبحت تمثل خطر جسيم على حياة الإنسان الشخصية والمهني، عند استخدامها بشكل مفرط.

يضيف: «المكوث على مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من 4 ساعات يندرج أسفل مرض إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، التي يجب وضعها فى الاعتبار لتجنب حدوث مشكلات ودخول الطفل أو الإنسان البالغ في صراعات نفسية، تؤدي بدورها إلى ظهور عدة مشكلات اجتماعية».

وعن أبرز أسباب إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يقول يوضح: «الشعور بالوحدة والفراغ مع وجود بعض الاضطرابات النفسية والشخصية التي بسببها يلجأ الإنسان إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بدون جدوى، ومن ثم ينتج الافراط في استخدامها إلى عدم القدرة على الاستغناء عنها».

يتابع: «إدمان مواقع التواصل ينتج عنه الكثير من الأضرار السلبية مثل اضطراب نمو الجهاز العصبي المركزي بين الأطفال والبالغين وكبار السن، وحينها لا بد من العمل على تحسين تنظيم الوقت للمستخدم فيمشاهدة مواقع التواصل الاجتماعي».

وفقًا لأخصائي الطب النفسي، فقد أصبح علاج إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يساعد على تقليل حجم الأضرار النفسية التي يقع بها مدمن التصفح، والعلاج النفسي هو مفتاح علاج إدمانها واستخدامها المفرط دون جدوى.

ويختتم: «قد تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على النواقل العربية والهرمونات التي تغفرزها خلايا المخ، لتصل به إلى لذة التعامل والتشويق وملء فراغ وقته، ومن ثم تجد الأسرة صعوبة في السيطرة على المريض وتلجأ إلى إرساله في المصحات النفسية لمنع عنه الإنترنت لفترة أو حتى الأماكن الهادئة المهيئة بلا إنترنت».

بسمة: «إدمان السوشيال ميديا أضاع مستقبلي»

نفس الأمر عانت منه بسمة خلال فترة الثانوية العامة، إذ كانت تقضي ساعات طويلة على هاتفها المحمول، تتحدث مع أصدقائها وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي دون فاصل، تقول: «كانت والدتي تنادي عليّ ولا أشعر وحين يتحدث معي أحد لا أجيبه إلا بعد تكرار النداء أكثر من مرة».

تصف بسمة ما حدث لها بأنها كانت «مسحوبة» عن العالم بأكمله لا تريد التحدث مع أحد سوى عبر الشاشات فقط: «كانت تمر ساعات طويلة عليّ وأنا لا أفعل شيء سوى التصفح عبر الإنترنت والهاتف حتى ضاعت مني السنة الثانية من الثانوية العامة».

كان ذلك الأمر عاملًا مهمًا في حياة بسمة وقتها أدركت أن السوشيال ميديا تضيع مستقبلها: «اتصل أبي بأحد مصحات الإدمان وحين سألهم عن إدمان الإنترنت لم تكن الفكرة منتشرة بشكل كبير، لذلك أخبره بأن هناك طبيب منتدب يأتي يوم واحد في الأسبوع كي يلتقي بتلك الحالات».

هناك العديد من التطبيقات التي تساعد في التخلص من إدمان السوشيال ميديا منها: «Freedom، Stay Focused، Forest، Moment، Offtime» تساعد تلك التطبيقات على تقييد استخدام الإنترنت لفترة معينة، والتشجيع على أنشطة مختلفة، وتتبع مقدار الوقت الذي يقضيه الفرد على الهاتف، وإنشاء وقت للهدوء».

جمال فرويز: «إدمان السوشيال ميديا يدمر الحياة»

الدكتور جمال محمد فرويز، استشاري الطب النفسي والمخ والأعصاب وأمراض وعلاج الإدمان، يقول إن إدمان الإنترنت لا يقل خطورة عن إدمان الكحوليات أو المواد المخدرة، حيث يؤثر على خلايا المخ والانتباه، وتستهدف السوشيال ميديا توفير عنصريّ اللذة والتشويق لجذب الإنسان بكل مراحله العمرية للمكوث أكبر فترة دون جدوى.

يضيف: «يصبح الفرد مدمنًا لمواقع التواصل الاجتماعي حين يفقد تركيزه ويهمل عمله وواجباته ومهامه اليومية، فالطفل قد يلجأ أفراد أسرته إلى إعطائه الهاتف ليمكث عليه دون حدوث شغب أو بكاء وهذا ما يجعل الطفل لا يستغنى عن الهاتف المليء بتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة فيما بعد».

ويوضح: «يمكن السيطرة على المريض دون اللجوء إلى المصحات العلاجية المتخصصة في علاج هذا النوع من الإدمان، من خلال منعه عن مشاهدة مواقع التواصل الاجتماعي من 5 – 15 يومًا، والمريض وقتها سيعاني من اضطرابات في النوم والأكل».

كما سيعاني من ضغط وتنتابه حالة شديدة من التوتر والعصبية الغير مسبوقة  حيث أن محتوي مواقع التواصل الاجتماعي يؤثر بشكل كبير على للمواقل العصبية، الاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي يجعل الإنسان يعاني من الكثير من المشاكل.

في العام 2020 أجريت دراسة بالولايات المتحدة الأمريكية، على 6500 شاب أعمارهمتتراوح بين 12 و15 عامًا، خلصت إلى وجود ارتباط بين قضاء ثلاث ساعات يوميًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبين زيادة احتمال التعرض لمشكلات الصحة العقلية.

 

أميرة: «ابني كان مدمن وعالجته»

عانت أميرة مع ابنها 15 عامًا، بسبب إدمانه للسوشيال ميديا ومكوثه ساعات طويلة أمام الهاتف وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي والحديث مع أصدقائه طوال اليوم، حتى أنه كان لا يذاكر دروسه وبدأ يؤثر الأمر على دراسته وامتحاناته.

تقول: «ظل ابني على هذا الحال لا يوجد أي شيء يستطيع إلهائه عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وقت زيارة الأقارب يجلس معانا وفي يده الهاتف لأكثر من 18 ساعة في اليوم ويسهر عليه طوال الليل».

تخلصت أميرة من الأمر حين نصحها استشاري نفسي بأن تبحث له عن مشروع ينفذه حتى يلهيه عن المكوث على الإنترنت طوال تلك المدة، وبالفعل انشأت له مشروع صغير «Coffee Corner» يعمل أمامه في أجازة الصيف بالقرب من المنزل.

تقول: «وجدته أحب الأمر للغاية، بسبب تحقيقه مكسب من عمله، أتعلم أسلوب التجارة وأتلهي عن الإنترنت وكسب فلوس، وأصبح يذاكر دروسه بشكل أكبر عن الأيام التي كان يقضي معظمها على الإنترنت».

وتناولت دراسة أخرى أيضًا بيانات أكثر من 12 ألف مراهق في إنجلترا تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عامًا، وتوصل الباحثون إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ثلاث مرات يوميًا ينبئ بضعف الصحة العقلية للمراهقين.

 

استشاري أسري: «نستطيع علاج إدمان الإنترنت بتلك الطرق»

الدكتور أحمد علام، استشار العلاقات الأسرية والاجتماعية، يوضح أن التحكم في إدمان الكبار للسوشيال ميديا والإنترنت يعد أصعب من الأطفال، فلا بد من أن يكون قرار الإقلاع نابع من الشخص نفسه بأن يرى أن الإنترنت يسحب منه وقت طويل مفيد يمكن استغلاله.

يقول: «إدمان السوشيال ميديا لا يتوقف على الصغار ولكن الكبار أيضًا لا سيما في مراحل المراهقة لأن الاستخدام الطويل في تلك الفترات يولد إدمان»، مبينًا أن نسب الإدمان عالميًا تصل إلى 65% بينما ترتفع في الدول العربية لتصل إلى 75 - 80% من الأشخاص البالغين مدنيين للإنترنت.

ويوضح أن هناك أضرار عديدة لإدمان السوشيال ميديا منها العزلة والانطوائية والعدوانية وفقدان الثقةوالتنمر والعنف والاعتداء في حال مشاهدة محتوى عنيف أو الألعاب الإلكترونية العنيفة، وهناك أضرار أخرى مثل فقد التواصل بين الأسرة وتأخر سن الزواج لأن الشباب أصبح عنده بدائل ويمكن أن يسبب الطلاق ومشكلات أسرةي أخرى.

وبين أن هناك أضرار صحية مثل ضعف النظر والسمع ومشاكل في العمود الفقري، وفقدان المواهب لأن الشخص يمكن أن يكون لديه مواهب فنية أو ثقافية لكن الإنترنت يسيطر على تفكيرهم.

وعن الحلول، يشير إلى |أن المراهق صعب السيطرة عليه بالأوامر لكن يمكن مشاركته في ممارسة رياضة أو نشاط جماعي للعائلة بدون هواتف، أو ممارسة هوايات يحبها أو الخروج والقراءة بشكل جماعي لأن المراهقين يمارسون العند تجاه الأوامر المباشرة».