رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الشهاوى يخوضُ تجربةَ عشقٍ لها ملامحُ مختلفة فى "أتحدثُ باسمكِ ككمان"

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي

في كتابه الشعري الأحدث، "أتحدثُ باسمكِ ككمان"، يغادرُ الشاعر أحمد الشهاوي عوالمه ليخوضَ تجربةَ عشقٍ لها ملامحُ مختلفة، منفصلة عما سبق له من كُتبٍ شعرية أو نثرية، فتجربته هذه المرَّة تقتربُ من الأرضِي والحِسِّي والدُّنيوي بشكلٍ حميمٍ من دُون أن يجرِّد الأنثى، حيثُ نراهُ في هذا الكتاب الشِّعري يحيلها إلى كائنٍ أرضيٍّ، فنشمُّ في لُغتهِ الرَّوائحَ، ونرى الأماكنَ، ونحسُّ بالمشاعر حيَّةً تسيرُ فوق الأرض، فالعشق ليس مقصُودًا لذاته بقدر ما صارَ تعبيرًا عن رُقي الجسد ورغباته وطريقًا إلى رفعة الرُّوح البشرية.

أحمد الشهاوي يخوضُ تجربةَ عشقٍ لها ملامحُ مختلفة في "أتحدثُ باسمكِ ككمان"

وجوهر الحُب كما يراهُ الشَّاعر جعله ينسجُ علاقاتٍ لغويةً جديدةً لا تتنافرُ بل تتصلُ بسلاسةٍ تفاجئُ مُتلقِّيها بما تحملُهُ من مجازاتٍ وصُورٍ فنية واستخداماتٍ لغوية، تؤكِّد انتصارَ الحُب، وأنَّ النفسَ لا تحتاجُ سوى الحُبِّ كي تصلَ، لأنه إرادةُ الخير للمحبوب، إذْ هو قيمةٌ مطلقةٌ ثابتةٌ لا تقبلُ الاختلافَ والتغييرَ وليست نسبيةً، لأنهُ إيثارٌ غيرُ مشرُوطٍ بين اثنين صارَا حرْفًا مشددًا في اللغةِ. وفي هذا الديوان لا يُبارحُ حديثُ الحُب خيالَ الشَّاعر مثل أسلافه من الشُّعراء.

يعُودُ الشَّاعرُ أحمد الشهاوي في كتابه الشِّعْرِي "أتحدَّثُ باسمِكِ كَكَمان" إلى الإيقاع– الذي هو أكبرُ من الوزنِ؛ حيث إنّه يشملُ البنية العروضية والبنية الصوتية والتركيبية- مُستخدمًا إيقاعاتٍ شعريةٍ تتناسبُ مع حالة الحُبِّ التي تحملُ الكتابَ؛ ليخلقَ فضاءَ الجمال؛ وإيقاع هذا الكتاب الشعري هو تتابعٌ وتواترٌ ما بين حالتي الصمت والكلام،، يستجيب للتجربة ودائم التجدد طوال الوقت، وهو حرٌّ ورحبٌ..

إذْ تُؤكِّدُ النصوصُ أنَّ الكتابةَ الأبقى والأنقى والأصفى والمختلفة هي التي يكُونُ كاتبُها عاليًا في مقامِ العِشق، الذي هو أعلى المراتب وأرقاها وأفضلُها، ويكونُ العِشقُ فيها هو شِدَّةُ الشَّوقِ إلى الاتِّحاد، بوصفه أعمُّ من المحبَّةِ، فليس كلُّ عاشق مُحِبٌّ، وليس كلُّ مُحبٍّ عاشقًا كما يرى سلاطينُ الوَجْدِ.

ويستخدمُ أحمد الشهاوي عناصرَ ومفرداتٍ ولغاتٍ وعلاقاتٍ جديدةٍ في العشقِ، تأتي جميعُها على قَدْر المعشُوق، إذْ يؤمنُ الشَّاعرُ بأنَّ القصيدةَ تساوي أو تعادلُ المرأةَ بوصفها كائنًا تامًّا مُكتملًا، ولا تُعبِّرُ فقط عمَّا هو حِسِّيٌّ، بل تذهبُ إلى الرُّوحي وتُعوِّل عليه بالأساس، إذْ هو مِفتاحُ الأسرار في التجربةِ العشقيةِ المُقدَّسةِ، إذْ تصيرُ المرأةُ كُلَّ الأشياءِ وأصْلَها، وهي البلدُ الذي "يحمِلُ كُلَّ الأسْماء".

في هذا الكتابِ الشِّعريِّ يستخدمُ أحمد الشهاوي تقنياتٍ جماليةً مُتعدِّدةً، وأساليبَ مُختلفةً محمُولةً على لُغةِ القلبِ أولًا، والإرثِ العربيِّ، والتصوُّف والأساطير والتراث الدِّينيِّ، حيثُ يحتفي الكتاب باللغة من خلالِ الإشاراتِ والعلاماتِ والرمُوز بحيثُ يراهُ من يتلقَّاهُ حلقةَ وصْلٍ مع الغَزَلِ العربيِّ ولكن بلغةٍ حديثة، لامرأة حديثةٍ أيضًا، لكنْ لا يغيبُ عنها تراثُ العِشْقِ العربيِّ، ففي الكتابِ نقرأ- بفيضٍ- مَتْنَ الحُبِّ.

وقد استخدم الشَّاعرُ أحمد الشهاوي آلةَ الكمان جُزْءًا مُهمًّا ورئيسًا من عنوان كتابه الشعري، لأنه يدركُ أنَّ الكمان كآلةٍ وتريةٍ أساسية ولا يمكنُ الاستغناء عنها أو تبديلها، وهي مُعادِلٌ للمحبوب الذي لا يتحوَّلُ ولا يتغيَّرُ بل يزدادُ تعبيرُهُ عن الحُبِّ بوصفه كالكمانِ الأحنّ والأرَقّ والمُعبِّر وله السيادةُ والسُّلطةُ الرُّوحيةُ، كما أنَّ جسدَ الكمانِ في انسيابيته مُماثلٌ لجسدِ المحبُوبِ ظَهْرًا وبطنًا وكلاهما يفيضُ بموسيقى نادرةٍ إذا أحْسَنَ العاشِقُ/ العازِفُ العزْفَ والَّلعِبَ بطريقةٍ مُحِبَّةٍ وعارِفةٍ.