رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحيا الإرادة السياسية

هل كان أحد يتصور أن يأتى اليوم الذى تتم فيه مناقشة وتعديل الحبس الاحتياطى؟.. هل كان أحد يتوقع فى يوم من الأيام أن يحدث تعديل فى قانون الإجراءات الجنائية، الذى صدر منذ ما يزيد على ٧٠ عامًا؟.. فى الواقع إن هذا كان حلمًا بعيد المنال، لكن لا نتعجب فى مصر الجديدة التى تخطو خطوات واسعة نحو التقدم والحداثة، فقد تمت مناقشة ذلك وبات قاب قوسين من التنفيذ.

هذا الأمر، وزيادة عليه أمور كثيرة وقضايا شائكة، لم يكن أحد ليجرؤ على مناقشتها أو الحديث بشأنها.. لذلك نجد أن الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مطلع عام ٢٠٢٢ كان بمثابة استكمال لتأسيس وبناء مؤسسات الدولة. الحقيقة من خلال فتح كل القضايا الشائكة والملفات المسكوت عنها رأينا الإرادة السياسية القوية، التى تحرك المياه الراكدة فى مثل هذه الأمور بشكل أكثر من رائع، وتمثل ذلك فى المخرجات الكثيرة بعد المناقشات الواسعة داخل الحوار الوطنى، وآخرها قضية الحبس الاحتياطى، وهى قضية بالغة الأهمية والتعقيد، لأنها جزء أساسى من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى مصر، ومن غير المقبول أن يظل مواطن داخل الحبس لمدد طويلة دون محاكمة؛ لذلك كان حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على القول بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، استجابة لمناقشات الحوار الوطنى، التى تميزت بالتعدد والتخصص.

وأعرب الرئيس عن أن توصيات الحوار الوطنى نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

كما أكد أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه العدالة الناجزة.

وفى الواقع فإن قضية الحبس الاحتياطى شغلت حيزًا كبيرًا من جلسات الحوار الوطنى الذى شهدته مصر مؤخرًا، والتى خرجت بتوصيات مهمة فى هذا الشأن، ومنها خفض مدة الحبس الاحتياطى، باعتباره إجراءً احترازيًا لمصلحة التحقيق، وضرورة وجود بدائل له، كنظام المراقبة الإلكترونية، ووجود تعويضات أدبية ومادية ومعنوية لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ.

وكذلك ضبط التدابير المصاحبة والمنع من السفر والتصرف فى الأموال، بأن تكون مرتبطة بمدة محددة، وأن تصدر بقرار من جهة قضائية.

كما أن إحالة الرئيس السيسى التوصيات للحكومة تمثل انفراجة كبيرة فى هذا الملف، بالتزامن مع مناقشة البرلمان مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ومن المتوقع إنهاء هذا الملف فى أكتوبر المقبل مع بدء دور الانعقاد البرلمانى الجديد.

وستتقدم الحكومة بتشريعات أو تعديلات تشريعية إلى مجلس النواب، الذى سيقوم بدوره بمناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ومن ضمنه المواد الخاصة بالحبس الاحتياطى.

كما أن استجابة الرئيس لتوصيات الحوار الوطنى تؤكد اهتمام الرئيس بالحوار الوطنى وقناعته بأن ما يتم من جلسات نقاشية ليس مكلمة، لكنه يعبر بشكل جيد عن آراء المواطنين فى جميع القضايا وعن رؤية الأحزاب السياسية والقوى الوطنية.

تأتى إحالة رئيس الجمهورية توصيات الحوار الوطنى للحكومة، بعد أيام من عقد مجلس النواب اجتماعًا، لمناقشة تعديلات شاملة على قانون «الإجراءات الجنائية» فى البلاد، بحضور الوزراء المعنيين ورؤساء وممثلى الأحزاب السياسية وعدد من الشخصيات العامة.

ويأتى ذلك كله فى إطار الحفاظ على حقوق الإنسان باعتباره متسقًا مع أحكام الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وجميع المواثيق الدولية ذات الصلة بهذا الملف، ويحقق الضمانات الدستورية لممارسة الحقوق والحريات العامة.

وهذا يستهدف المصلحة العليا للبلاد، ومراعاة مصلحة الوطن والمواطن فى المقام الأول.

ولذلك فإن توصيات الحبس الاحتياطى وتعديل قانون الإجراءات الجنائية يعكس رؤية لاستراتيجية تسعى إلى تحقيق التوازن بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد؛ لذلك لاقت هذه القضية ترحيبًا واسعًا واستحسانًا بالغًا، محليًا وعالميًا، ما يدفع المرء إلى الهتاف تحيا الإرادة السياسية العظيمة.