رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدعم الحقيقى لوزير التعليم

ما بين كتابة هذه السطور ونشرها، تكون نتيجة الثانوية العامة قد أُعلنت. أو على الأقل، ظهرت مؤشراتها. هو الموسم الجماهيرى الأهم فى البيوت المصرية وفى وسائل الإعلام كذلك. وزير التعليم يكون حينئذٍ هو نجم الشباك، والذى ينتظر الجميع ظهوره فى تصريح أو مداخلة أو حتى بيان. وبعد النتيجة، يقل الاهتمام به، وتنتقل كشافات الأضواء إلى وزير التعليم العالى لمتابعة أخبار التنسيق فى الجامعات والمعاهد.

وزير التربية والتعليم الجديد محمد عبداللطيف قد دخل بالفعل للروتين التقليدى للوزراء. روتين اعتاد عليه المصريون منذ أن استقر النظام التعليمى بصورته الحالية. توارت قصص شهاداته الدراسية التى حصل عليها من الخارج. والحقيقة أنه تلقى دعمًا هائلًا من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، والذى كان شجاعًا فى الخوض فى الموضوع.. ولم ينكر أن شهاداته غير موثقة بالفعل من المجلس الأعلى للجامعات. وبرر مدبولى ذلك على طريقته الخاصة. كثيرون قالوا إن مدبولى مضطر لذلك وربما يبرر خطأ إجرائيًا شارك فيه هو بنفسه، أو من مساعديه، بعدم التدقيق جيدًا أو التثبت من خلفية الوزير وتاريخه التعليمى. وأن الحل السياسى المناسب هو التعامل مع القضية بهدوء، حتى تنتهى الحملات الدعائية ضد الوزير، ثم يكون مصيره المحتوم بخروجه فى أقرب حركة تغيير وزارى محدود.

أنا أعتقد أن هذا التصور لم يكن هو الصواب. وزير التعليم باقٍ فى منصبه، بل مستقر كذلك. هناك رهان على نجاحه.. ومن يرى فيه ما لا تعرفه النسبة الغالبة من الرأى العام، وأن لديه أفكارًا مهمة لتطوير العملية التعليمية، وهو قادر على تنفيذها بأرض الواقع.

والأسبوع الماضى، كانت رئاسة الجمهورية هى السبّاقة فى نزع صفة الدكتور من وزير التربية والتعليم. فصدر بيان المتحدث الرئاسى عقب استقبال السيد الرئيس، الوزير، ومدير الأكاديمية العسكرية المصرية، دون وصفه بأنه دكتور.

وفى الأيام التالية، قلدت صفحة المتحدث الرسمى لمجلس الوزراء الأمر نفسه، ووصل الحال ببيانات وزارة التعليم لتمضى بنفس الطريق. ظهر أول بيان بهذا الشكل يوم ٢٨ يوليو، خلال زيارة الوزير عبداللطيف محافظة البحيرة، فى حين وصف البيان المحافظة بالدكتورة جاكلين عازر.

هذه خطوات مهمة وتصحيحية، ومن شأنها أن تقلل الضغوط على الوزير والحكومة كلها.

وكنت ضمن الذين قلّبوا فى خلفيات وزراء سابقين للتعليم فى أعقاب ثورة يوليو. وتوقفت عند البكباشى كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة ثورة يوليو، والذى شغل عدة مناصب وزارية، بل تولى رئاسة مجلس الوزراء لفترة، ولكن فيما يتعلق بحقيبة التعليم، فإنه قد شغلها لفترة ليست بالقصيرة. وعندما حدثت الوحدة مع سوريا تم اختياره كوزير للتربية والتعليم فى القطرين. وأدى الرجل بنجاح معقول، بل يُحسب له أنه كان وراء ظهور نقابة المعلمين واستقرار أوضاعها قياسًا بباقى النقابات المهنية الأخرى.

ويبقى التساؤل: هل تتكرر تجربة نجاح مشابهة مع الوزير عبداللطيف بعد حالة التشكيك فى شهاداته؟

كمال الدين حسين كان وزير ثورة، فى فترة انتقالية، والظروف مختلفة تمامًا. وكانت الرقابة جاثمة فوق رءوس وأقلام الجميع. الرقيب كان مقيمًا وبشكل يومى فى صحفنا. أما الآن فإن الوضع قد تغير كثيرًا. الصحافة فى وضع أفضل إلى حد كبير، وحتى لو حدث نوع من التقصير أو المجاملة للحكومة، أو فى قضية بعينها، فإن وسائل التواصل الاجتماعى وكذلك وسائل الإعلام الأجنبية، لن ترحم.

«فى المقابل، من الممكن مساعدة وزير التربية والتعليم وإنجاح تجربته، وبناء شعبيته بالفعل. يكون ذلك بالعمل على دعمه فى اختراق المشاكل المزمنة التى عجز عنها وزراء التعليم السابقون. رئيس الوزراء فى معرض دفاعه عن الوزير قال إن عبداللطيف شرح له حين التقاه، قبيل تكليفه بحقيبة التعليم أنه يستطيع حل مشكلة عجز الفصول بطريقة غير تقليدية، بتشغيل المدارس القائمة بطريقة معينة، وكذلك التعامل مع مشكلة المعلمين، والتحرك فى موضوع المراكز الموازية والدروس الخصوصية». 

يفصلنا شهران تقريبًا عن العام الدراسى الجديد. ولعل الوزير عبداللطيف تكون لديه حلول عملية بالفعل، فيما يتعلق بالتعامل مع عجز الفصول، قياسًا بعدد الطلاب. ولكن ظنى أن المشكلة الأهم هى فى الفصول المغلقة بسبب عدم وجود مدرسين بالقدر الكافى. لو استطاع وزير التعليم أن يخترق هذه الأزمة فسأعترف بأنه أفضل وزراء التعليم الذين عرفتهم مصر. بل يأتى فى مرتبة تالية مباشرة للدكتور طه حسين!

المعلومات الموثقة والبيانات الرسمية حول عجز المدرسين غزيرة جدًا.. وتفصيلية. بيانات مصدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التعليم ونقابة المعلمين ولجنة التعليم بمجلس النواب والمراكز البحثية المتخصصة. ولا أريد أن أزيد هنا أرقامًا جديدة، ولكننى أنبه لأمرين، الأول هو أن نسب العجز تتزايد مع إحالة نحو ٤٠ ألف معلم للمعاش سنويًا. وهذا الرقم واجهت به السيد وزير التعليم السابق الدكتور رضا حجازى ذات مرة، فقال لى إن الرقم أقل من ذلك بعض الشىء. فى نفس الوقت لا توجد تعيينات جديدة سنويًا. وزارة التعليم أُجبرت على الالتزام بوقف التعيينات الجديدة وعدم تكليف خريجى كليات التربية. وهذا قرار سار لنحو عقدين تقريبًا. ومسابقة الـ٣٠ ألف معلم بطيئة جدًا، وقد تمت لمرة واحدة ثم توقفت رغم أن هناك قرارًا رئاسيًا بتعيين ١٥٠ ألف معلم على خمس سنوات.

الأمر الثانى الذى أنوه له هو أن هناك تقليدًا مستقرًا فى جميع المدارس الحكومية، وامتد التقليد، أو العدوى، للمدارس الخاصة، بأن طلاب الصف الثالث الثانوى لا يذهبون للمدارس طوال العام. مكانهم الطبيعى فى السناتر الخاصة!. وفى السنوات الأخيرة امتدت العدوى للمرحلة الإعدادية. هى قضية مسكوت عنها، ولا أعلم لماذا لا تأخذ اهتمامًا معقولًا من الصحف؟!

لو أرادت الحكومة إنجاح وزير التربية والتعليم فعليها مساعدته بشأن إعادة الطلاب إلى مدارسهم، وفتح الفصول المغلقة، واختراق قضية عجز المعلمين.. بتعيين مدرسين جدد بشكل سنوى، وإعادة الاعتبار لكليات التربية.