رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تحقق فى نقص الأدوية داخل مصر: "أين وصلت الأزمة"؟ (ملف)

ادوية
ادوية

تعاني سميرة ياسر، 17 عامًا، من مرض الضغط المنخفض منذ سنوات عديدة، إذ كانت تتناول لأجله دواء “كوراسور” وهو عبارة عن نقاط وأقراص تساعدها على تنشيط عضلة القلب وتوسيع الأوعية والقصبة الهوائية ودونه تشعر بالدوار نتيجة الانخفاض الشديد في ضغط الدم لديها.

منذ فترة ولا تجد سميرة هذا الدواء، بحثت في أغلب الصيدليات كافة عنه دون جدوى، فعادت إلى الطبيب الخاص بها، والذي كتب لها بديلا آخر إلا أنها لم تجده أيضًا وظلت متحملة مضاعفات عدم تناول الدواء لفترة طويلة بسبب عدم توافره هو والبديل الخاص به.

سميرة: «شهران لا أجد فيهما الدواء الخاص بالضغط»

تقول: «الطبيب لم يكتب بديلا ثالثا وأصر أن العلاج لا بد أن يكون بين الدوائين، وحين يئسنا من توافرهما طلب مني الطبيب تناول القهوة يوميًا حتى تعمل على رفع الضغط إلى أن تنحل أزمة نقص الدواء في مصر، إلا أنها بالتأكيد لا تعطيني نفس التأثير».

مرّ شهران وسميرة تبحث عن الدواء دون جدوى، مؤكدة أن حالتها تزداد سوءًا نتيجة عدم تناول الدواء والاعتماد على القهوة التي لا تعطي نفس التأثير على ضغطها المنخفض مثل الدواء الذي كتبه لها الطبيب.

تعاني سميرة وكثير من المصريين في الوقت الحالي من نقص الأدوية باختلافها سواء الأمراض المزمنة أو المضادات الحيوية، إذ أعلنت شعبة الدواء أن هناك 1000 نوع دوائي ناقص في السوق بسبب أزمة الاستيراد. «الدستور» حققت في الملف التالي بأزمة الأدوية ومدى عمقها والحلول المتاحة.

في مطلع الشهر الجارى أعلنت شعبة الأدوية بالغرف التجارية أن الأدوية الناقصة تصل إلى 1000 نوع تقريبًا تتعلق بمضادات حيوية وأدوية السكر وأدوية الضغط، وتضم السوق المصرية 14 ألف نوع من الأدوية، بينها 4 آلاف نوع هي الأكثر شيوعًا، يتصدرها الألف نوع التي تواجه نقصًا حادًا في الأسواق.

شعبة الأدوية: "أزمة الاستيراد هى السبب فى نقص الأدوية"

فيما أوضح الدكتور على عوف، رئيس شعبة  الأدوية بالغرفة التجارية، أن هيئة الدواء تبذل قصارى جهدها للتصدى لتلك الأزمة ودعم القطاع، حتى لا تتفاقم في السوق المحلي المصري خلال الفترة القادمة.

وأشار إلى أن المواد الخام الفعالة التي تستخدم في صناعة الأدوية الطبية لا يوجد بها نقص شديد، ولكن الأزمة حدثت بسبب أن الأدوية المعروفة بالاسم العلمي متوافرة بالسوق المحلي ولكن بالاسم التجاري وهو يعاني من النقص الآن.

وقال: "يوجد نظام  لتداول الأدوية في مصر، حيث يتم تداول الأدوية بالقطاع الحكومي بالاسم العلمي، بينما القطاع الخاص من المستشفيات والصيدليات بالاسم التجاري، الذي يعاني من النقص الشديد، لذلك يتم الاعتماد على البدائل".

وتابع: "يوجد بالفعل نواقص في بعض أنواع الأدوية، ولكن هيئة الدواء تعمل على توفيرها وتوفير البدائل في صيدلية الإسعاف، حتى لا يتلاعب في أسعار الدواء استغلالًا لحال المواطن المريض، ورغبة منها في كبح نشاط السوق السوداء".

واختتم: "ومن الجهود التي تقوم بها الهيئة هي متابعة توافر الدواء، وضبط بعض حالات الغش في الدواء التي يتم الترويج عنها، وكذلك ضبط الأسعار".

سارة: «كل أدوية الأطفال ناقصة»

نفس المعاناة تعيشها سارة خالد، 28 عامًا، لديها طفلة 3 أعوام، اعتادت على إعطائها دواء «كنتفير» خافض للحرارة حين تعلو درجة حرارتها: «خلال الأسبوع الماضي ارتفعت درجة حرارتها بشدة ولم أجد خافض الحرارة الذي اعتادت عليه في كل الصيدليات».

تضيف: «كل الصيدليات أخبرتني أنه يعاني من نقص في السوق، حاولت استبداله ببروفين كمسكن وخافض للحرارة إلا إنني لم أجده أيضًا بسبب نقصه في السوق، واعتمدت سيتال الوحيد المتوفر إلا أنه لا يخفض الحرارة مثل كنتفير».

وتوضح أنها عقب تلك الواقعة دخلت في دوامة من الأدوية الناقصة، منها بخاخات أنف الأطفال التي تحتاجها لأطفالها في سنهم الصغيرة حين يصابون بالجيوب الأنفية أو أدوار البرد في الصيف لكونها تفتح القصبة الهوائية إلا إنها لا تجدها بسبب أن كلها مستوردة.

إيمان: «لا أستطيع النوم من الألم بسبب نقص الأدوية»

طالت الأزمة كبار السن أيضًا، إذ تعاني إيمان إبراهيم، 58 عامًا، من التهاب في مفصل الفك الصدغي، وكانت تخضع لجلسات علاج طبيعي لتخفيف الألم، حتى كتب لها الطبيب دواء«تربتيزول» الذي يخفف من حدة الألم العضلي والتوتر، إلا إنها لا تجده.

تقول: «كتبه الطبيب حتى أتناوله وقتما تأتي نوبة الألم الشديدة في الفك، التي بسببها لا أستطيع النوم أو تناول الطعام، إلا أنه يعاني من النقص الشديد في أغلب الصيدليات ولا يوجد لها بديل لكونه أحد أدوية الاكتئاب المستوردة».

وتضيف: «حتى المراهم الباسطة للعضلات تعاني من الاختفاء منها مرهم موف الشهير كتبه الطبيب أيضًا لاستعماله على الفك وقت نوبة الألم ولا أجده واعتمد على بدائل أخرى ليست بنفس الفاعلية».

بلغ حجم مبيعات الأدوية في مصر خلال الربع الأول من العام الحالي 40 مليار جنيه، مقارنة بنحو 29.3 مليار في الفترة نفسها من 2023، و26.8 مليار في ذات الفترة من 2022، وفق شعبة الأدوية التي تتوقع بلوغ المبيعات نحو 200 مليار جنيه بنهاية العام الحالي، مقارنة بنحو 146.6 مليار في 2023 بزيادة 35%.

صيادلة يوضحون أبرز الأدوية الناقصة فى الأسواق

تحدثنا مع عدد من الصيادلة عن الأزمة، منهم أبانوب ملاك، دكتور صيدلي، قال: "نقص الدواء بالسوق المحلية أصبح أزمة كبيرة، بسبب أزمة استيراد المواد الخام الفعالة من الخارج".

وتابع: "تكبد العديد من شركات الدواء خسائر فادحة نتيجة حجز الشحنات المستوردة من الخارج في الموانئ؛ مما أدى إلى تلف بعض مواد الخام خلال فترة الحجز، وبعد أن تم الإفراج عن الشحنات بدأت الشركات فرز التالف من الدواء للتخلص منه والصالح لاستخدامه في التصنيع".

وأوضح: "قامت شركات الدواء بإدخال المواد الفعالة الصالحة التي تم الإفراج عنها لتصنيع الأدوية، طالبت هيئة الدواء رفع الأسعار لتعويض الخسائر، إلا أن الهيئة رفضت خوفًا على المواطنين، لذلك امتنعت بعض الشركات عن تصنيع أنواع من الأدوية مطلوبة في السوق مما أحدث أزمة".

وأشار إلى أن نقص الدواء ليس في مصر فقط ولكن العالم كله يعاني منه بسبب الأزمات الاقتصادية، فهناك نقص في بعض الأدوية الضرورية التي تعالج الأمراض العصيبة، التي تحتكرها ألمانيا وتمنع تصديرها في بعض الأحيان للدول.

وبين: "نقص الدواء في السوق المحلية يؤدي إلى ظهور سوق موازية غير قانونية له تبيع الأدوية بأسعار مضاعفة، لتحقيق مكاسب كبيرة، مثل دواء "الازوميك" الذي يبلغ سعره 2500 جنيه بينما يتم بيعه بالسوق السوداء بأكثر من 7 آلاف جنيه".

وأوضح أن النقص طال أدوية السكر مثل "ميكستارد"، وأدوية للهرمونات والغدة، وكذلك بعض أدوية الأورام والأمراض الخطرة: "لا بد من توطين صناعة الأدوية المحلية، ودعم القطاع للقضاء على السوق السوداء، وكي يكون هناك مرونة في التسعير من قبل شركات الدواء".

بينما أكد محمد علاوة، دكتور صيدلي، أن وجود رقابة قوية على سوق الدواء يمكنه وقف استغلال وجشع التجار محتكري أنواع معينة، مبينًا أن السوق السوداء للدواء ظهرت نتيجة حالة التعطش الكبيرة التي تقوم بها بعض شركات الدواء للسوق المحلية ومن ثم تقديمها بأسعار مضاعفة".

وتابع: "قطاع الدواء يواجه تحديات كبيرة في التسعير مما قد يؤدي إلى نقص كبير في الدواء ويزيد من معاناة المريض، فلا بد من دعم هيئة الدواء للشركات المصانع المنتجة للأدوية بمصر حتى نقلل كميات الاستيراد من الخارج إلى أن يتم توفير العملة".

نهى: «أدوية النزيف مختفية منذ شهر»

نهى عويس، 29 عامًا، تعاني أيضًا من أزمة نقص واختفاء الأدوية في الصيدليات، بسبب إصابتها في بعض الأحيان بنزيف حاد في أوقات الدورة الشهرية، لا يوقفه سوى دواء «كابرون» إلا أنه مختفي أيضًا.

تقول: «مطلع الشهر الجاري أصابني نزيف وقت الدورة الشهرية، وتفاجأت باختفاء الدواء، وكنت أبحث عنه في كل مكان إلا أن الصيادلة أخبروني أنه مستورد لذلك مختفي في السوق ولا يوجد له بديل إلى الآن».

اضطرت نهى إلى تعويض ما تنزفه من دماء بالتغذية الجيدة، وفي نفس الوقت عدم الخروج من المنزل لمدة قاربت 10 أيام، بسبب كثرة الدماء التي كانت تنزفها بشكل يومي وتمكنها من عدم الخروج».

جولة فى الصيدليات تكشف: «اختفاء أدوية المضادات الحيوية والأمراض المزمنة»

وللتأكد من تلك النواقص قمنا بجولة في 10 صدليات في نطاق القاهرة والجيزة وتحديدًا في مناطق 15 مايو وحلوان والدقي، كان على رأسها «الأوجمنتين» والذي يعد أحد أهم وأشهر المضادات الحيوية المستوردة إلا أنه كان مختفيا في ثلاثة صيدليات.

كذلك أدوية البرد والإنفلونزا الشهيرة كانت تعاني من النقص الشديد في الصيدليات، وأرجع صيدلي الأمر إلى الاستيراد مبينًا أن الأدوية المستوردة فقط هي الناقصة ببدائلها أما المحلية متوفرة لكنها ليست بنفس الكفاءة والفاعلية.

كذلك بخاخات الأطفال وأدوية الضغط التي علمنا أسماءها من الحالات التي تحدثنا معها، وجدنا أنها مختفية في الصيدليات وبعضها لا يوجد له بدائل، وإذ توافر البديل يكون محليا وليس مستوردا.

الأزمة تنتهى خلال 3 أشهر

بدوره، كشف الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء لشئون التنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، أن أزمة تسعير ونقص الأدوية ستنتهي خلال 3 أشهر على أقصى تقدير، مشيرًا إلى الاهتمام الكبير بهذا الملف الذي يمس حياة المواطنين بشكل أساسي ويومي.