رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما الذى ينتظره العالم من مؤتمر الإفتاء العالمى 2024؟

انطلاقًا من الدور الريادي والحضاري والشرعي لجمهورية مصر العربية وقيادتها السياسية، وإدراكًا لخطورة ما يجري في الساحة العالمية والافتراضية من تطورات متسارعة أصبحت هي سمة الحياة العامة والخاصة، وتعبيرًا عن الأمل في غدٍ أفضل لجميع شعوب العالم، يأتي انعقاد المؤتمر التاسع للإفتاء تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» لعام 2024م والذي ينعقد من خلال دار الإفتاء المصرية بمظلة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، وتحت رعاية السيد عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.
ولا شك أن موضوع المؤتمر وفعالياته في هذا العام يتسم بالأهمية القصوى؛ نظرًا لما يمر به عالمنا اليوم من صور خطيرة من اختفاء البعد القيمي الأخلاقي الإنساني من حياة الإنسان المعاصر وأسلوب معيشته وسلوكه اليومي، وذلك على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي، بل وتعدت هذه الظاهرة إلى أنها أصبحت من سمات وضروريات العمل السياسي والاقتصادي والثقافي لبعض مجتمعات العالم المعاصر وأنظمته، فأزمة عالمنا اليوم بكل ما فيه من سرعة وتطورات يومية لا تتوقف، هي أزمة أخلاقية في المقام الأول، ويتفرع عنها بعد ذلك جميع المظاهر السلبية على كافة المستويات.
فعند البحث والتدقيق لا نجد مشكلة أو خللًا أو نزاعًا أو صراعًا وسفكًا للدماء، أو تجاوزًا للقانون والأعراف الدولية، أو غياب التعايش بين الأعراق والأجناس على المستوى الشخصي أو الجماعي والدولي، أو انتهاكًا لحياة وخصوصية الإنسان إلا وأسبابه المباشرة وغير المباشرة هي اختفاء البعد الأخلاقي القيمي من حياة الناس، ما أنتج لنا في عالم اليوم المآسي والمظالم وسفك الدماء وظلام المستقبل أمام قطاعات كبيرة من الجنس البشري في حياتنا المعاصرة.
ومن المقرر أن شريعة الإسلام بما احتوت عليه من منهج رباني قادرة على ضبط هذا المجال الإنساني وتقديم المرجعية الأخلاقية الحاكمة، متعاونة في ذلك مع المرجعيات الإيجابية الثقافية والفكرية الحضارية التي أنتجتها المجتمعات المتمدنة، ولذلك تتجه أنظارنا ومعنا العالم كله إلى هذا المؤتمر الهام في هذه الظروف العالمية الدقيقة، والذي تدفعنا للقول إننا نعقد الآمال على هذا المؤتمر وفعالياته ومناقشاته وورش عمله وإصدارته إلى أن يكون بداية انطلاق نحو صحوة أخلاقية كبرى مؤثرة في عالمنا اليوم، من خلال عرض المرجعية الأخلاقية الإسلامية بأصولها وفروعها كمنهج حياة للفرد والمجتمع المسلم وغير المسلم، فقد أعلن  نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن محور رسالته المكلف بها من ربه عز وجل فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصل شريعته إكمال ما يحتاجه البشر من مكارم الأخلاق في نفوسهم.
فدائرة الحياة تبدأ بالقيم والأخلاق وتنتهي بها، فتدور في فلكها، ولا تنفك عنها في أي لحظة من اللحظات، أو على أي مستوى من المستويات.
والناظر في الكتاب والسنة يجد منظومة متكاملة من المبادئ الكلية الحاكمة لقيم وأخلاق الإنسان، ولا يقتصر عملها فقط على الشخص المسلم أو مجتمعات المسلمين؛ بل تتسع لتشمل جميع أفراد الجنس البشري كله وصور حياته، ولذلك نحن نرى أن مناقشات وجهود السادة العلماء المشاركين في هذا المؤتمر، وبعد ذلك توصياتهم يمكنها أن تتبلور في عدة إجراءات نظرية وعملية وأطروحات فكرية تهدف إلى إحياء المنظومة الأخلاقية على المستويات الفردية والأسرية، والمجتمعية، من خلال إحياء المنهج التربوي لغرس القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية، واحترام مبادئ العدل والرحمة والتسامح والتعاون والرفق والأخوة الإنسانية واحترام الخصوصية، وتصحيح مفهوم الحرية، والعمل على نشر ذلك الاتجاه الإحيائي للأخلاق، وتفعيل النموذج القرآني للقيم الحاكمة للسلوك الإنساني ونشرها من خلال وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتأكيد على الاهتمام بالطفل في هذا الجانب بحيث يتم تكوينه العقلي والنفسي والروحي وفقًا لمنظومة أخلاقية قيمية يراعى فيها البعد الإيماني.
وعلى مستوى المجال الدولي والسياسي والعلاقة بين شعوب العالم، ندعو إلى تفعيل النموذج القيمي الإسلامي القائم على العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، وصيانة دمه وماله وعرضه، والنظر إلى تكريم الله عز وجل له، والتحذير من الإفساد في الأرض ونشر صور الطغيان وغطرسة القوة والهمجية، وسفك الدماء وتشريد الضعفاء، ومصادرة حق الناس في الحياة، وجميع مظاهر الهيمنة والسيطرة، والاعتداء على سيادة الدول، فرب العالمين سبحانه يقول في نص عام جامع يمثل دستور حياة للبشر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
وكذلك من آليات العمل في هذا المجال التعاون البناء مع المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مجال القيم والأخلاق، بحيث يصبح سلوكًا عامًا ومرجعية موحدة للمجتمعات، من خلال تفعيل القيم في مجال السياسة العالمية والاقتصاد والثقافة والعادات والأعراف المجتمعية، ومحاربة مظاهر الشذوذ والانحراف التي يمكن أن تغير مسار الجنس البشري كله وتقضي على وجوده.
ولا شك أن مصر وقيادتها السياسية المتمثلة في فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي قد قدمت في هذا الباب الكثير من الجهود الإيجابية وأصدق الأدلة على ذلك مسيرة مؤتمرات الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء عبر السنوات الماضية، وما قدمته من الإنجازات العلمية والعملية في مجال المحافظة على القيم والأخلاق والتعاون الإنساني.