خالد داود: الإخوان لم يكن لديهم مانع من احتلال أمريكا مصر لإعادتهم إلى الحكم
قال الكاتب الصحفى والسياسى خالد داود إن ثورة ٣٠ يونيو كانت السبيل الوحيد لإنقاذ مصر من نظام «الإخوان»، الذى كان يهدد سلام واستقرار البلد وهويته، بل يهدد المنطقة بأكملها، من خلال إشعال الحرب الأهلية التى كان سيعقبها تقسيم البلد.
وأضاف «داود»، خلال الجزء الثانى من حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، فى برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أن «الإخوان» كانوا يضعون مصلحتهم فى المقام الأول وليس مصلحة الدولة، ولم يكن لديهم مانع من أن تحتل الولايات المتحدة مصر من أجل إعادتهم إلى الحكم.
وشدد على أن الجماعة سعت لـ«تفصيل» الدستور على هواها، وعملت على تهميش دور القوى المدنية فى صياغته، وأجرت حركة للمحافظين بشكل فاضح، لدرجة أنها عينت أحد المتهمين فى قضية مذبحة الأقصر محافظًا لها، إلى جانب رفضها التواصل مع القوات المسلحة فى ٣٠ يونيو؛ لرغبتها فى الوصول إلى السيناريو الحالى، وصناعة مظلومية جديدة لها.
■ كيف رأيت دستور ٢٠١٢؟ وكيف عملت جماعة الإخوان على إعداده لمصلحتها؟
- أولًا لا بد أن نتحدث عن الإعلان الدستورى لمحمد مرسى فى نوفمبر ٢٠١٢، لأنه كان إحدى النقاط الفارقة فى مسار ثورة ٢٥ يناير والفترة التى لحقتها.
وإصدار الإعلان الدستورى كان الدافع لإنشاء جبهة الإنقاذ الوطنى، لأنه كان إعلانًا صادمًا، وكان عبارة عن وثيقة تعطى لرئيس الجمهورية سلطات مطلقة، وهو رئيس من المفترض أنه سيبنى دولة ديمقراطية حديثة بعد ثورة كبيرة ونظيفة، فإذ به يعطى لنفسه سلطات مطلقة لم يتجرأ «مبارك» على منحها لنفسه.
وبالتالى كان هناك إحساس عارم بالخطر، وأحسسنا بأننا نسير فى طريق إنشاء ديكتاتورية جديدة باسم الدين بدل الديكتاتورية التى كانت موجودة أيام «مبارك» تحت مسمى الوطنية والحفاظ على الوطن، أو أيًا كان الشعار فى هذا الوقت.
وبالتالى تم تشكيل جبهة الإنقاذ، وكانت البداية لاتخاذ موقف موحد تجاه جماعة الإخوان وتجاه تعاملها مع دستور ٢٠١٢، وجدير بالذكر أنه عند تشكيل لجنة الـ١٠٠ لصياغة الدستور استغلت الجماعة الأغلبية التى كانت تتمتع بها فى البرلمان فى هذا الوقت للسيطرة عليها، وعمليًا كان هناك جهد دءوب من الجماعة لتهميش أى قوة مدنية عند صياغة الدستور.
وكان هناك جدل كبير داخل جبهة الإنقاذ حول الدعوات المطالبة بمقاطعة التصويت والانتخابات والاستفتاء على دستور الإخوان الذى صِيغ بشكل منفرد، وأثناء إعداد الدستور دعمنا المجموعة الموجودة من القوى المدنية داخل لجنة الـ١٠٠، على الأقل للحفاظ على الحد الأدنى من المواد المدنية.
وبعد الإعلان الدستورى لم يكن هناك أى تنسيق مع الإخوان، وكانت هناك حالة من الانقطاع، وكان تصرفهم يمثل خيانة لكل المبادئ والأهداف التى جاءت بها ثورة ٢٥ يناير، وبالتالى كان لا بد أن يكون هناك تغيير بعد الخطوة الخاصة بالإعلان الدستورى، وكذلك إعدادهم المنفرد للدستور.
وأذكر أنه كان هناك تسريب صوتى لياسر برهامى، أحد قيادات الحركة السلفية، يقول فيه إن هذا الدستور يضمن لنا قمع الحريات العامة ويضمن قيام الدولة الدينية فى مصر، دون أى مراعاة للتنويعات الموجودة فى المجتمع.
وبالتالى كان هذا تأكيدًا باستغلال الجماعة للدستور للوصول إلى نموذج الدولة الدينية التى كانت تريد أن تصل إليها، وبالتالى حدث جدل كبير بعد انسحاب ممثلى الجبهة الوطنية وجبهة الإنقاذ من مجموعة الـ١٠٠ لإعداد الدستور، وكان هناك جدل حول المشاركة فى التصويت على هذا الدستور، والشارع كان متحررًا فى هذا الوقت بشكل كبير، وبعض قيادات جبهة الإنقاذ، ومنهم الدكتور البرادعى، كان يرى أنه لا بد من مقاطعة التصويت على الدستور، لأن ما بنى على باطل فهو باطل، وهذا يعطى شرعية للإخوان، وكان هناك ضغط كبير من الشارع للنزول، وأن نقول «لا» لجماعة الإخوان، وكنا فى نهايات ديسمبر ٢٠١٢.
وكان الإحساس العام بأنه لا بد من المشاركة والتصويت بلا، وكانت هناك حالة من الغضب الشعبى تجاه ما يدور وتجاه تصرفات الجماعة، وكنت أقول لممثلى الإخوان إن الدستور ليس وثيقة يجب أن تكتب بأغلبية ٥٠ +١، وخرجت وشاركت فى أحد البرامج الحوارية مع المتحدث باسم الإخوان، وقلت له إن الـ٥٠+١ لا تجوز فى إصدار دستور لدولة بحجم مصر، فرد علىّ قائلًا: «لما تكسبوا إنتوا الانتخابات اكتبوا الدستور زى ما إنتو عايزين».
واستهانت الجماعة بكل القيم والمنطق، كأن الدستور شىء يمكن أن يتغير كل سنة أو ٤ سنوات، على عكس ما هو مفترض أن يكون وثيقة حاكمة لبلد شهد ثورة مثل يناير، ورغم هذا الوقت كانت النتيجة ٦٠٪ «نعم» أمام ٤٠٪ «لا»، وكانت رسالة قوية للجماعة فى وقت قليل بأن هناك رفضًا للواقع الحالى، والدستور على الأقل لا بد أن يخرج بإجماع واسع لأنه يمس مختلف الفئات فى المجتمع، ولكن الإخوان لديهم منطق ضيق جدًا، وفهمهم للديمقراطية خاطئ.
وللأسف هذه هى الطريقة التى كان الإخوان يستخدمونها فى الحكم والسياسة، وبعد تمرير الدستور بهذه الطريقة كان ممثلو الدول الغربية يجرون مقابلات مع القوى الوطنية وممثلى الإخوان.
■ ما مضمون هذه المقابلات؟
- كان ممثلو الدول الغربية يحاولون إقناع القوى الوطنية بالانتقال للخطوة التالية والانتهاء من الدستور، وكان هناك وعد غامض من الدول الغربية بأن المواد غير المرغوب فيها فى الدستور سيتم إلغاؤها بعد تشكيل البرلمان، وكان من المفترض أن يتم الاتفاق على مسار انتخابات البرلمان والرئاسة، لكن كان كل هم الدول الغربية هو «خلينا فى القادم سيبك من اللى عدى».
وممثل الاتحاد الأوروبى كان يحدثنى شخصيًا، وكان يبدو أن الاتحاد يشارك الإخوان فى الحكم، واكتشفت ذلك من احتكاكى المباشر مع ممثليه بحكم عملى متحدثًا لجبهة الإنقاذ وتحدثى اللغة الإنجليزية، وكان السفير الإيطالى فى مصر نشيطًا فى جمع ممثلى الإخوان مع جبهة الإنقاذ وتكوين محاور للنقاش، وكانت هناك صفقات يرتبها الإخوان لكى نشارك فى انتخابات البرلمان مقابل مقاعد، مثلما كان يحدث فى عهد «مبارك».
وأذكر أنه تم عقد اجتماع مع الإخوان بحضور الدكتور البرادعى و«الكتاتنى»، وتم الحديث عن تنظيم انتخابات برلمانية نزيهة وحرة وفقًا لجدول زمنى متفق عليه، وهذا الاجتماع حدث فى أواخر فبراير ٢٠١٣.
والصدمة الكبيرة أنه بعد يوم أو اثنين من هذا الاجتماع، مرر مجلس الشورى قانون الانتخابات البرلمانية، رغم كل الوعود التى وعد بها سعد الكتاتنى، ورأيت أن النتيجة كانت محسومة سلفًا، ووقتها «البرادعى» قال إن هذه نهاية المفاوضات مع جماعة الإخوان، وكنا فى نهاية فبراير وبداية مارس ٢٠١٣، وحدثت القطيعة النهائية مع الجماعة مع تكرارهم الخدع والمكائد، فكانوا يصدرون لنا انطباعًا بالتوافق ثم يخدعوننا بعد ذلك.
ولو تتذكر الدعوة التى أطلقتها القوات المسلحة للمّ الشمل، وصدرت لجميع الأطراف لكى نتحاور حول المستقبل غير الواضح، ورغم إعلان جبهة الإنقاذ عن استعدادها للجلوس والتشاور والتحاور تحت مظلة القوات المسلحة، فجأة رفض الإخوان الاجتماع، وقلنا «جت من عندهم»، وهذا رسخ قناعتنا بعدم التواصل بأى شكل مع الجماعة.
وتقريبًا كانت هناك حالة من الجمود فى الفترة من مارس حتى ظهور حركة «تمرد» فى نهاية أبريل، ومضى شهر ونصف الشهر من الركود وحالة عدم الثقة والتخوف الدائم من المطالبة بتدخل القوات المسلحة، فيكون التدخل فى شكل انقلاب عسكرى، وكانت هذه رسالة تصدر باستمرار من ممثلى الدول الغربية والاتحاد الأوروبى.
وتلقت جبهة الإنقاذ عددًا من الرسائل من الدول الغربية وممثلى الأمم المتحدة والدول الأوروبية عن كيفية دعمها تدخل القوات المسلحة، وقالوا كيف تدعمون تدخل القوات المسلحة لتغيير النظام والرئيس الذى أتى عن طريق الصندوق؟!
وكنا نشرح لهم وجهة نظرنا بأن الإخوان أتوا عن طريق الصندوق، ولكنهم انقلبوا عليه وعلى المبادئ، وهدفنا من النشاط الذى ننفذه ضد الإخوان استعادة أهداف ثورة ٢٥ يناير.
■ هل كانت فكرة إزاحة النظام موجودة؟
- فكرة إزاحة النظام كانت مطروحة، ولكن التساؤل: كيف سيتم ذلك؟ وكان هذا موجودًا فى نقاشاتنا، وتزايد الكلام وقتها حول أنه لا يوجد حل سوى تدخل القوات المسلحة لأن البلد على شفا حرب أهلية والإخوان كانوا يرتكبون الخطأ الأحمق فى سياسة التمكين واستبعاد أى كفاءات من الممكن أن تكون موجودة.
وخرجت حركة تعيين المحافظين بشكل فاضح، بأن عيّن الإخوان المسئول عن مذبحة الأقصر محافظًا لها، ووقتها قاطعت «توماس كوك»، أكبر شركة للسياحة فى أمريكا، مصر؛ لأن الناس لم تصدق ما يحدث، وكانت هناك حالة ترقب بأن هناك شيئًا سيحدث.
■ كيف تعاملتم مع حركة «تمرد»؟
- جبهة الإنقاذ تعاملت مع حركة «تمرد»، كانوا شبابًا، وكانت الجبهة مكونة من شيوخ العمل السياسى، وكانت هناك حالة من التخوف والتساؤل «يعنى إيه التوقيع على استمارة؟ وكيف تكون سبيلًا للتغيير؟».
وقال أحد أعضاء الجبهة إنهم سيعلنون عن دعمهم «تمرد» بهدف جمع مليون توقيع، وإذا لم تنجح فهذا سيتسبب فى إحراج الجبهة، وسيتسبب لها فى مشكلات، وكانت هذه بداية حتى استجاب الشارع لها بطريقة فاقت كل التوقعات.
كانت هناك حالة من الحراك فى الشارع، والناس كانت توقّع الاستمارة، وكنت أقف فى الشارع وأوزّع الاستمارات بميدان التحرير على الناس، لأنها تتضمن مطلبًا بسيطًا وهو التمرد على حكم الرئيس الذى يهدد بالحرب الأهلية والذى أوصلنا للدمار الاقتصادى، وليس المطلوب أكثر من التوقيع برقم البطاقة فقط، وبطريقة سلمية.
■ كيف تحولت الفكرة من جمع توقيعات لـ«تمرد» للنزول فى ٣٠ يونيو؟
- الشباب الموجودون فى حركة «تمرد» أخذوا دعمًا من كل الجهات السياسية، وكل مقرات الأحزاب كانت تتيح المجال للحركة، والكثير من الشباب من أعضائها كانوا قريبين لكل الحركات السياسية، وكان هذا الشعور بداية الدعوة لـ٣٠ يونيو وخروج الناس.
وكنا متفقين على أنه لا يوجد أى وسيلة أخرى لضمان سلامة مصر واستمرارها كبلد سوى بالتخلص من جماعة الإخوان، وكنت أرى مصر دولة مثل دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، مثلها مثل التشيك ورومانيا وبولندا، التى شهدت تعديلات سياسية بعد انهيار الاتحاد حتى استقرت، وفكرة وجود رئيس منتخب بأداء سيئ لا يؤدى طموحات الشعب كان أمرًا محبطًا.
■ هل حاولت بعض الدوائر الغربية إجهاض ٣٠ يونيو؟
- جبهة الإنقاذ تلقت اتصالات من السفارة الأمريكية بالقاهرة، وقالت خلالها إن تنحى «مرسى» سيكون خطرًا على مسار الديمقراطية، وإحدى المكالمات التى تلقيتها جاء فيها أن هذا التحرك غير مقبول، والسفيرة الأمريكية نفسها أدلت بتصريحات اعتبرت تدخلًا مباشرًا فى الحكم المصرى، وقالت لن نسمح بإزاحة حكم «مرسى» وتدخل القوات المسلحة.
وعمرو موسى اجتمع مع خيرت الشاطر، وسرّب أيمن نور تفاصيل الاجتماع، والجبهة كانت قد اتخذت قرارًا بعدم التواصل بأى شكل من الأشكال مع الإخوان، وكانت هناك حالة عدم رضا عن عمرو موسى.
والرسالة الأهم التى تلقيناها أن الأمريكان لن يسمحوا بإزاحة محمد مرسى، وكان اعتماد الإخوان الكبير على أن الأمريكان سيوفرون الغطاء الذى لن يسمح بإزاحة «مرسى»، وتحذيراتهم كانت شديدة الوضوح فى هذا الصدد.
وفى اعتصام رابعة قال أحد المتحدثين «الآن يقترب الأسطول السادس الأمريكى من الشواطئ المصرية»، وقوبل التصريح بالتكبير، وللأسف الشديد لم يكن هذا تجاوزًا للخطوط الحمراء فقط، ولكنه كان تدخلًا فى الشأن الداخلى وفى الاضطرابات الداخلية، وهم كانوا يريدون الاستعانة بالأمريكان حتى لو احتلوا مصر من أجل إعادتهم للحكم، وهذا أكد لى ضرورة اتخاذ خطوة ٣٠ يونيو حتى وإن لم تكن هناك ضمانات كافية، فالإخوان تسببوا فى حالة فوضى وجعلوا الناس تفقد الثقة، والناس كانت لديها مطالب ومن حقها أن تشعر بالأمن وتجد رغيف العيش.
■ كيف أدارت جبهة الإنقاذ مشهد ٣٠ يونيو؟
- حددنا كل أشكال الاحتجاج، والبرادعى وعمرو موسى وكل القيادات كانوا موجودين، وبدأ التحرك من مسجد مصطفى محمود لميدان التحرير، وكانت الصورة أقرب ليوم ٢٥ يناير، وأتذكر كوبرى قصر النيل وعليه حشود عارمة، بما ينفى وجهة نظر خيرت الشاطر بأنها مجرد مليونية عادية.
وفى ٢٥ يناير لم يشارك المؤيدون لـ«مبارك» فى المظاهرات، ولكن فى ٣٠ يونيو كانت هناك حالة إجماع من الشباب والرجال والسيدات والمسلمين والمسيحيين.
وحالة الإجماع والاتفاق هذه كانت لافتة وتؤكد صحة القرار الذى اتخذناه، وكان يومًا مشهودًا.
وفى يوم ١ يوليو نظمنا اجتماعًا لتقييم الموقف، ووقتها «البرادعى» تسلم رسالة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تطالبه باستمرار التلاحم لحماية الوطن، ودعوة للتواصل والنظر فى ترتيبات الأيام المقبلة، وكان هذا بداية الاتصالات والترتيبات، ولنفى فكرة وجود نية انقلاب كانت القوات المسلحة تتواصل مع «الكتاتنى» أيضًا.
وتواصل القوات المسلحة مع «الكتاتنى» كان دلالة على أنه حتى لو تم عزل «مرسى» فهذا لا يعنى شن حملة شرسة للقضاء على الإخوان ولا حزب «الحرية والعدالة».
والقوات المسلحة مثلما تواصلت مع جبهة الإنقاذ تواصلت مع «تمرد»، وتواصلت أيضًا مع حزب «النور»، وحزب «الحرية والعدالة» الذى كان يمثل جزءًا من المشهد حتى اللحظة الأخيرة.
والإخوان كانت تضع مصلحة الجماعة قبل مصلحة الدولة المصرية، وأنا كسياسى معارض للنظام، لكن فى النهاية لدىّ خطوط حمراء معينة حتى إذا كنت غير راضٍ عن شىء معين أو سياسة معينة يتبعها النظام، هناك نقاط تتعلق بالحفاظ على وحدة البلد، على سبيل المثال تجنب حدوث حرب أهلية، ولا يكون هناك إضرار بأمن وسلامة مصر فيما يتعلق بحدودها، هناك أمور معينة نجعل الأولوية فيها لمصلحة البلد قبل المصلحة الشخصية، لكن الإخوان دائمًا ما كانوا ينظرون للجماعة على أنها كيان فوق الدولة، الأساس لدى الإخوان هو الجماعة وكيفية حمايتها.
والإخوان أضاعوا فرصة التواصل مع القوات المسلحة لأنهم كانوا يريدون الوصول إلى هذا السيناريو، وهو صناعة مظلومية جديدة ومحاولة جذب الناس للتعامل معهم كما هو معروف فى تاريخهم.
ومن بين المواقف التى دائمًا ما أتذكرها فى ٣٠ يونيو، هو أنه كانت لدىّ مقابلة فى إحدى القنوات التليفزيونية العربية مع مفتى جماعة الإخوان، وهو عبدالرحمن البر، وكنت أحدثه بشأن الإنذار الذى توجهه القوات المسلحة إلى الإخوان، فوجدته يقول لى إن هذا الإنذار ليس لنا وإنما لكم أنتم، فأقول له «إزاى يا فندم، دى البلد كلها والدبابات فى الشارع، إنت بتتكلم فى إيه؟!».
وكانت هناك حالة من الإنكار لدى الجماعة حتى اللحظة الأخيرة فيما يتعلق برد فعلهم على رفض الشعب لهم، وتعبير الشعب عن هذا الرفض فى ثورة ٣٠ يونيو.
ومفتى الجماعة كانت لديه حالة إنكار للواقع حتى اللحظات الأخيرة، كما كان هناك العديد من الفرص كان من الممكن أن يستغلها الإخوان لولا ثقتهم الزائدة بأنفسهم، وفى كلام خيرت الشاطر بأن ٣٠ يونيو مجرد مليونية وأن الأمريكان مع الإخوان.
■ كيف تم الاعتداء عليك من الإخوان؟
- الدكتور محمد البرادعى كان يبذل قصارى جهده محاولًا تجنب ما أسماه «العشرية السوداء»، وهى سيناريو الدخول فى العنف والإرهاب، وإذا كانت هناك طرق لحل المشاكل بسلمية، فيجب اللجوء إلى طرق بديلة.
وبعد تقديم استقالتى من جبهة الإنقاذ بحوالى شهرين، وكنت وقتها أقود سيارتى فى الشارع، وكنت قد نسيت بأن ذلك اليوم هو يوم الجمعة، وهو يوم مظاهرات تقليدى للإخوان، وحينما كنت أقود على طريق كورنيش المعادى، كانت هناك اشتباكات عند مستشفى قصر العينى، فجاءت قوات الأمن المركزى وقالت لى «ادخل فى الشارع من الجنب»، وللأسف لم تكن النصيحة جيدة، لأنه بمجرد أن دخلت وجدت مظاهرة أو تجمعًا للإخوان مكونًا من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ شخص ويحملون صورة «مرسى» والشعار الشهير الخاص بـ«رابعة»، ووجدتهم قد جاءوا فى وجهى، حينها شعرت بأن الموضوع لن يمر بسلام، وأثناء مرور أحدهم بجوار سيارتى، أشار إلىّ وقال «هذا خالد داود المتحدث باسم جبهة الإنقاذ»، وكانت هذه نقطة البداية ليتم الهجوم علىّ بالطوب من كل مكان.
وحاولت الركض بسيارتى، وسرت فى شارع قصر العينى فى اتجاه معاكس وخرجت على كوبرى أبوالريش، فكان من سوء حظى أن كوبرى أبوالريش كان واقفًا. وبالتالى لحقوا بى على الكوبرى وتمكنوا منى، فما كان منهم إلا أن كسروا الزجاج من كل ناحية، ثم فوجئت بشاب لا أتذكر سوى يده التى كانت تضربنى بمطواة مرتين على الجهة اليسرى من وجهى، ثم بعد ذلك تعرضت لحفلة من الضرب، ومن ستر الله أننى كنت قد ربطت حزام السيارة، لأنهم حاولوا جرجرتى إلى خارج السيارة، والضرب كان يأتينى من كل ناحية، والغريب أننى كنت وقتها أقول لنفسى «عندما يرون الدم خارجًا من كل مكان فى جسدى سوف يهدأون»، لكن للأسف كانوا يتعاملون بغلٍ شديد، فبالنسبة لهم قد فقدوا خزائن مصر التى كانوا يحلمون بها طيلة الوقت، وكنت أنا الشخص الممثل لجبهة الإنقاذ، لقد كنت مهددًا من الميليشيات الإخوانية، ورأيتهم فى أول يوم لعمل البرلمان، ورأيتهم فى ٥ ديسمبر اليوم الأسوأ على الإطلاق، وهو يوم فض اعتصام الشباب أمام الاتحادية، كما شاهدتهم يوم الاعتداء علىّ فى ٤ أكتوبر، وكان هذا اليوم هو الأصعب على الإطلاق بالنسبة لى، فقد طعننى أحدهم بمطواة، وآخر مسك يدى من طرف «الشباك»، وهو ما تسبب فى قطع أوتار يدى، ومن ثم حدث لى عجز فى ٣ من أصابع يدى، وكان يومًا من الأيام القاسية جدًا علىّ.
ومصر التى أحلم بها هى مصر التى نمارس فيها الخلاف السياسى دون عنف ودون دماء، وكان ذلك أحد المخاطر الرئيسية فى طريقة عمل الجماعة، حيث يقولون إنهم يؤمنون بالعمل السلمى والديمقراطية، لكن الحقيقة هى اعتمادهم على العنف وتبريره، وهو ما يعتبر جزءًا أصيلًا من طريقة تفكير وعمل الجماعة.
■ هل كانت 30 يونيو لازمة؟
- كانت ٣٠ يونيو لازمة وضرورة، ومهما حدث من تطورات فقد كانت السبيل الوحيد لإنقاذ مصر، الثورة ضد نظام الإخوان كانت ضرورية لأنه كان يهدد سلام واستقرار البلد وهويته، وكذلك المنطقة بأكملها، لأن الحرب الأهلية كان سيعقبها تقسيم للبلد، لكننا فى النهاية وصلنا لوطن آمن ومستقر قد تكون به أشياء كثيرة بها اختلافات، لكننا قادرون على الحديث والاختلاف.