"التراث الخفي" يكشف أقدم وأول قصة حب في التاريخ
في كتابة المعنون "التراث الخفي .. الأسطورة السومرية والرواية الخليجية للسيرة الهلالية"، يكشف الشاعر والباحث فتحي عبد السميع، تفاصيل قصة أقدم وأول حب في التاريخ.
بداية يأتي كتاب "التراث الخفي.. الأسطورة السومرية والرواية الخليجية للسيرة الهلالية"، حسب تعبير المؤلف يأتي استكمالا لما ذهب إليه في كتابه "وجوه شهريار..الحكاء والحكاء الآخر"، والذي تناول فيه "رواية اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، وقدم قراءة لها في ضوء التراث المسيحي، وكشف عن الشخصيات المسيحية التي تختفي خلف شخصيات الرواية، مثل شخصية المسيح عليه السلام التي تختفي شخصية سعيد مهران، وشخصية يهوذا الإسخريوطي التي تختفي خلف شخصية الصحفي رؤوف علوان، وشخصية مريم المجدلية التي تختفي خلف شخصية نور الداعرة، وشخصية بطرس الرسول التي تختفي خلف جمل وعبارات معينة.
يكشف عبد السميع أقدم قصص الحب في التاريخ، بالإشارة إلى عصور ما قبل الكتابة، وهي تلك المرتبطة بأشهر الحكايات الانسانية المقدسة وهي: حكاية إنانا ودوموزي، تلك الحكاية التي تعرضت لمحاولات الطمس؛ بسبب التغيرات السياسية والدينية في بلاد الرافدين، وصولا إلى طمسهت تماما مع انتهاء حضارة العراق القديم، ثم عودتها إلى الظهور بفضل علم الأثار، ودخولها الثقافة العربية بقوة من خلال حركة شعرية ظهرت في القرن العشرين وهي حركة الشعراء التموزيين.
تعتبر "حكاية إنانا" من أقدم قصص الحب في التاريخ، ولم يكن تموز وإنانا وجهين مثاليين ونموذجيين سماويين لنساء سومر ورجالها، فحسب، بل كان أيضا رمزين إلهيين للعملية الجسدية التي تهب السعادة والمتعة، وكان سكان سومر يتوجهون بالدعاء إلى إنانا بوصفها الإلهة "التي تفتح أرحام النساء".
يرى عبد السميع أن حكاية إنانا تنقسم إلى قسمين رئيسيين، الأول ممتلىء بالبهجة والسعادة، ويدور حول حكاية عشق عنيف تكللت بالزواج المقدس.
أما القسم الآخر فهو حزين جدا؛ لأنه يعالح أحداث موت العاشق تنوز، ونزوله إلى العالم السفلي، ويلفت عبد السميع الى غياب نص يحتوى على الحكاية بشكل، ألا أن هناك العديد من قصائد "الزواج المثدس وأناشييدة" كشفت عنها الجهود الأثرية، وتصل إلى 12 قصيدة تمثل أقدم قصائد الحب في التاريخ القديم وأعذبه، وهي ما تزال الى يومنا مختفظة بعذوبتها وجمالها.
يشيرعبد السميع إلى أن القصائد تدور حول مراحل أو أوجه من الحياة التي يعيشها تموز وإنانا أثناء الزاج المقدس وبعده، وهناك قصيده تشير إلى تعرض تموز للموت على يد أعداء خارج اسوار المدينة، لكن إنانا أنقذته، ويمكن أن تكون هذه الحادثة هي السبب في حبهما ثم زواجهما، وفي قصيدة أخرى نجد إشارة تدل على أن إنانا كانت إلهة بينما لم يكن تموز كذلك، وهو مايدعم القول بأن تموز كان بشرا ولكنه تأله.
مقتطف من إحدى القصائد المتعلقة بـ"إنانا وتموز".
من الأعلى العظيم تاقت إلى الأسفل العظيم.
من الأعلى العظيم تاقت الربة إلى الأسفل العظيم.
من الأعلى العظيم تاقت إنانا إلى الأسفل العظيم.
هجرت سيدتي السماء وتركت الأرض.
إنانا هجرت السماء وتركت الأرض.
إلى العالم الأسفل قد هبطت.
تركت الملك والسلطان.
إلى العالم الأسفل قد هبطت.
شدَّت إلى وسطها ألواح الأقدار القدس السبع،
وبقية الأقدار المقدَّسة جعلتها إلى يدها.
[…]
وعلى رأسها وضعت الشوغارا تاج السهول،
فمن محياها يشع الألَق والبهاء،
وبيدها قبضت على الصولجان اللازوردي،
وجيدها قد زُيِّنت بعقد أحجار كريمة،
وعلى صدرها ثبتت جواهر متلألئة،
وكفها قد رُصعت بخاتم ذهبي،
وجسدها وشَّحت بأثواب السيادة والسلطان،
ومسحت وجهها بالزيت والطيوب.
ثم مشت إنانا في طريقها للعالم الأسفل،
وإلى جانبها مشى ننشوبور رسولها،
فقالت له إنانا المقدسة:
أنت يا مصدر عوني الدائم،
يا رسولي ذا الكلمات الطيبة،
وناقل كلماتي الحقة،
إني لهابطة إلى العالم الأسفل،
فإذا ما بلغت العالم الأسفل
املأ السماء صراخًا من أجلي،
وفي حرم المجمع ابكِ عليَّ،
وفي بيت الآلهة اركض هنا وهناك من أجلي.
ألَا فلتكفهر عيناك ويعبس فمك من أجلي.