مصطفى نصر يروى حكاية "رقية" مع عيد الأضحى
كشف الكاتب الروائي الكبير مصطفي نصر، جانب من ذكرياته عن عيد الأضحي، تحديدا حكاية جارته رقية، التي لقت حتفها إثر التدافع للحصول علي لحمة العيد.
حكاية "تركية" وبناتها
يستهل نصر حديث ذكرياته مشيرا إلى أنه عمري ما سكنت في حارة عبد اللاه شحاتة – التي يسمونها الحارة الواسعة– سكنتها جدتي لأمي، وعندما ماتت أمي فجأة بداية عام 1955، عشنا مع جدتي حتى تزوج أبي عام 56.
كنا نجلس على درحات مسجد الحارة العريضة، نتابع سكان المنطقة حول المسجد، حيث تسكن امرأة من شدة جمالها– أطلقوا عليها اسم "تركية"، لدى تركية ثلاث بنات جميلات مثلها، الكبيرة بيضاء مائلة للإمتلاء والثانية رقية سمراء أكثر طولا وعرضا، والصغيرة جاءها خاطب من الحارة، اشترط عليها أن تلزم بيتها ولا تقف في الحارة مثل أمها وأختيها، والظاهر إنه أقسم عليها، فقد التزمت، واكتفت بمشاركة أمها وأختيها في الشجار والحديث من خلال نافذة شقتها المواجهة لبيت أمها.
وقفتُ في البيت المجاور لبيتهن منتظرا صديقي، فشاهدت بائع فاكهة يقترب منه ابنة البنت الكبيرة، فدفعها البائع في عنف، ومن سوء بخته، شاهدته خالتها رقية- فأسرعت نحو العربة، أحس البائع بما ستفعله، فاستحلفها بالله، لكنها ردت عليه ردا لا أستطيع ذكره ولا كتابته، وأمسكت العربة من يديها وقلبتها في الحارة، فانشغل البائع في جمع بضاعته ورقية مازالت تسبه وتلعنه.
ويوضح نصر عن حكاية عيد الأضحي ورقية: البنت الكبيرة متزوجة وعندها أطفال، والصغيرة تزوجت وأنجبت ولم تتبق سوى رقية، هي شديدة الجمال، لكن من يجرؤ ويتزوجها، فالحارة تحكي حكاية طريفة عن أخيهن الذي يشاركهن السكن في البيت، فقد جاءه راغب في الزواج من رقية، فنصحه بالبعد عنها لأنه لن يقدر عليها.
لكن المعجزة حدثت وجاء غريب– أعجب بجمالها ورغب في الزواج منها– يوم الزفاف، اصطحبني صديقي- الذي يسكن البيت المواجه لبيتهن- إلى قهوة الحاج عبده بشارع إيزيس، حيث أعدت القهوة جلسة العريس وقتها كان العريس لا يحضر لحفل زفافه إلا في آخر الليلة، يختار بيتا لصديق له أو قريب ويقضي الليلة عنده، أو يختار قهوة يدعو فيها أصحابه، وما أن يصل لمكان حفل الزفاف، حتى تزفه العوالم وينقط الراقصة ويأخذ عروسه وينتهي الحفل.
رقية تلقي مصرعها في عيد الأضحي
ليلتها طلب صديقي إتنين شاي، ونصحني بأن أنتهي من شربه بسرعة ليطلب غيرهما، وكلما رأى الساقي يقترب منه يصيح به: "هات أتنين سحلب، هات أتنين كاكاو، وشقيق العريس يتابعنا في اهتمام، فهو الذي سيدفع ثمن كل هذه الطلبات".
ذهبت رقية يوم وقفة عيد الأضحى مع كثيرات من سكان الحارة إلى الخشابين في منطقة باب سدرة، فتجار الخشب هناك أغنياء ويذبحون عجول كثيرة يوزعونها على المحتاجين. تجار الخشب هناك يشترون البيوت القديمة، ويضعون الأبواب والأعمدة الخشبية أمام محلاتهم، ولكي يحمونها من السرقة، يدقونها بمسامير كبيرة- عشرة سم.
في ذلك اليوم تزاحم الكثيرون الراغبون في لحم العيد، رجال ونساء وأطفال، تدافعوا في عنف، من كثرتهم خلعوا الأبواب القديمة والأعمدة الخشبية المعلقة أمام الدكاكين من أماكنها، فوقعت عليهم، وماتوا، ماتت رقية في هذا اليوم قبل أن تحصل على لحم العيد.