جامعة الأزهر: التعليم ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في العالم الإسلامي
أكدّ د.سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر أهمية التعليم كعامل رئيس لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة في جميع مناحي الحياة، وذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي للتعليم المعاصر في العالم الإسلامي الذي عُقد في جامعة السلطان أحمد شاه مسعود الإسلامية بولاية بهانج بماليزيا تحت عنوان: «التعليم المعاصر أساس التنمية المستدامة في العالم الإسلامي.
وشهد المؤتمر حضور كبير ضمّ وزراء بهانج ووزير الشئون الإسلامية، وعددًا من كبار المسئولين، ورؤساء الجامعات من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لشئون الوافدين عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين.
واستهلّ الدكتور سلامة داود كلمته بالتأكيد على فضل العلم ومكانته السامية في الإسلام، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾(المجادلة: 11)، وشدّد على أنّ العلم والإيمان هما أساس الرفعة والتقدم، وأنّهما قرينان لا ينفكان.
ونقل رئيس جامعة الأزهر تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى جميع الحاضرين، مُعربًا عن خالص أمانيه للمؤتمر بالتوفيق والسداد.
كما نقل تحيات الجامع الأزهر الشريف، الذي يَسْنِدُ ظَهْرَهُ لنحو ألفٍ وأربعةٍ وثمانين عامًا مَضَتْ مِن عُمْرِ الزمن، وتضمّ جامعته في جنباتها سبعةَ عَشَرَ ألفِ عُضْوِ هيئةِ تدريسٍ، وأكثرَ من نصف مليون طالبٍ مصريٍّ يَدْرسُونَ في ثلاث وتسعين كليةً وثمانيةَ عَشَرَ معهدًا ملحقًا بها في جميع محافظات مصر، ناهيك عن ستينَ ألف طالبٍ وافدٍ يَدْرسُونَ في الأزهر جامعًا وجامعة ينتمون لنحو مائة وثلاثين دولةً من دول العالم.
وأكد التزام جامعة الأزهر بنشر العلم والمعرفة، وتعزيز القيم الإسلامية السمحة، مُشيرًا إلى أنّ الجامعة تُوَاصِلُ مسيرتها الحضاريَّة والإصلاحيَّة، مُتخذةً من القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشريفة منهجًا لها.
وشددّ على ضرورة تضافر الجهود من أجل تطوير التعليم في العالم الإسلامي بما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويُعزّز مكانة الأمة الإسلامية في العالم، مشددًا على أنّ التعليم هو مفتاح المستقبل، وأنّه مسئولية الجميع، حكومات وشعوبًا ومؤسسات، داعيًا إلى العمل الجاد من أجل بناء مجتمعات إسلامية مُتقدّمة مُزدهرة.
وأعرب رئيس جامعة الأزهر، في كلمته، عن خالص شكره وتقديره لجامعة السلطان أحمد شاه ببهانج بدولة ماليزيا؛ لدعوتها الكريمة للمشاركة في هذا المؤتمر المهم، وأشاد بماليزيا كبلدٍ كريمٍ رفع شعار الإسلام والعلم، وآمن بأن نهضة التعليم هي السبيل إلى نهضة البلاد وتقدمها، وشدّد على أنّ ماليزيا حقّقت نهضة شاملة صارت مضرب الأمثال، وسارت مسير الضحى في البلاد، حتى دعونا اليوم لنناقش هذا الموضوع المتميز وهو: «التعليم المعاصر أساس التنمية المستدامة في العالم الإسلامي.
وأكّد رئيس جامعة الأزهر أهمية انعقاد هذا المؤتمر، مُشيرًا إلى أنّ لا سبيل لرقي العالم الإسلامي وتقدمه ونهضته إلا سبيلٌ واحدٌ هو أن نُنْتِجَ المعرفةَ ونُضيفَ إليها ولا نعيشَ عالة على ما تُنْتِجُهُ العقولُ الأخرى، موضحًا أنه وإن خرجنا من هذا المؤتمر بتوصية: «ضرورة إنتاج المعرفة» فقد خرجنا بيد ملآنة بالخير كله.
وشدّد على أنّ التنمية المستدامة في مجال التعليم أساسُها بناء الإنسان المتعلم؛ لأن الإنسان المتعلم هو صانع التنمية، وهو الذي إذا صَلَحَ صَلَحَ كلُّ شيء، وإذا فسد فسد كل شيء.
ودعا د.سلامة داود إلى أن تكون عيونُنا مَعْقُودةً في تربية أجيالنا على أن يكونوا أفضلَ منا، مستشهدًا بقول العلامة الدكتور محمد أبو موسى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف -حفظه الله تعالى-: «إذا خَرَّجْنَا جِيلًا أقلَّ من مُستوانا فقد حَكَمْنَا على الزَّمَنِ بالتَّخَلُّفِ، وإذا خَرَّجْنَا جِيلًا في مستوانا فقد حَكَمْنَا على الزَّمَنِ بالتوقُّفِ؛ فلا مَفَرَّ مِن أنْ نُخَرِّجَ جِيلًا أفضلَ مِن مُستوانا.
واستعرض رئيس جامعة الأزهر الشريف، في كلمته، تجربته في إدارة الجامعة، وتركيزه على تعزيز العلم والبحث العلمي، مُشيرًا إلى أنّ الأزهر الشريف يُولي اهتمامًا كبيرًا بنشر المعرفة وتطويرها.
وأوضح أنّ من أهمّ مبادرات جامعة الأزهر تكوين مجالس علمية نشطة في مختلف الأقسام تُعنى بقراءة ودراسة العلوم المختلفة، وتُسهم في نشر ثقافة العلم بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مشيرًا إلى أنّ الجامعة تُشجّع على تكوين مجموعات بحثية تعمل على مشاريع علمية رائدة تُسهم في رفع مكانة الجامعة وتُعزّز مسيرتها العلميَّة.
أشار رئيس الجامعة إلى أنّ من أبرز هذه المشاريع «موسوعة جامعة الأزهر في الحديث النبوي الشريف» التي يُشارك فيها نخبة من كبار علماء الحديث من داخل الجامعة وخارجها، وتهدف إلى إخراج عشرة آلاف حديثٍ صحيحٍ متنًا وسندًا، مشيرا إلى أن اللجنة أنجزت حتى الآن ما يزيد عن سبعة آلاف حديث، واستدركت على جميع طبعات صحيح الإمام البخاري ما يزيد عن مئة وخمسين استدراكًا.
وأضاف أنّ من هذا العمل الموسوعي الذي تنهض به اللجان ولا ينهض به فرد واحد موسوعة: (أسرار تنوع القراءات في القرآن الكريم)، وأن كلية القرآن الكريم بجامعة الأزهر نوقشت فيها نحو عشرين رسالة دكتوراه في هذا المشروع، والآن يجري تنقيح هذه الرسائل العشرين واختصارها وتهذيبها والعمل على إخراجها لتكون أول موسوعة تتناول جميع القراءات القرآنية بالتحليل الشامل.
وأكّد أنّ جامعة الأزهر لم تقتصر في اهتماماتها على العلوم العربيَّة والشرعيَّة، بل حرصت على الجمع بينها وبين العلوم العمليَّة، مثل: الطِّب، والصيدلة، والهندسة، والزراعة، والتجارة، وضرب مثالًا على ذلك بتجربة جامعة الأزهر في تدريس مادة الفقه الإسلامي لطلاب كليات الطب، حيث تمّت طباعة المادة بطابع الطب، ممّا أدّى إلى ظهور فقه جديد بطعم الطب، يُعالج القضايا المهمة التي يتعرض لها الطبيب، ملفتًا إلى أنّ الجامعة تُطبّق هذا النهج أيضًا في كليات أخرى، مثل: كلية التجارة؛ حيث تمّت طباعة مادة الفقه الإسلامي بطابع التجارة.
وبين رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف لا يعيش على التغني بأمجاد الماضي، بل يضيف إليه جديدًا كل يوم، ويواصل مسيرته التطويرية والتجديدية، مُشيرًا إلى بعض الإنجازات الحديثة؛ مثل: إنشاء «مرصد الأزهر» لرصد الفكر المتطرف، وانتشار «الرواق الأزهري» في جميع أنحاء مصر، وهو تعليم غير نظامي يقوم على تحفيظ القرآن الكريم للصغار والكبار وتدريس العلوم العربية والشرعية، وأكثر من 40 عالمًا في جامعة الأزهر هم في قائمة أفضل 2% من علماء العالم الأكثر تأثيرًا في جميع المجالات العلمية وفقًا لتقرير ستانفورد الأمريكي.
مُشدّدًا على أنّ الأزهر يُؤدّي دورًا محوريًّا في نشر العلم والمعرفة وتعزيز القيم الإسلامية السمحة، مستشهدًا بكلمة لفضيلة الشيخ محمد الغزالي قال فيها: «إن الأزهر مصنع الأدوية لعلل الأمة، فإذا غُشَّتِ الأدويةُ التي يُصْدِرُها المصنع فإن العلل ستبقى مضاعفة»؛ ولذا كانت العناية بالأزهر الشريف من العناية بالدِّين.
واختتم رئيس جامعة الأزهر الشريف كلمته بإطلالة سريعة على أسس تربية العالم والمتعلم في الحضارة الإسلامية، مؤكّدًا على أنّ بناء كلّ منهما بناءً قويًّا هو السبيل لتحقيق التنمية المستدامة في التعليم، موضحًا أنّ تربية الأجيال على علوّ الهمة وتنشئتهم على حبّ العلم والبحث هما أساسان رئيسان للنجاح، لافتًا إلى بعض الأمثلة من التاريخ الإسلامي التي تُجسّد هذه الأسس؛ مثل قول المبرّد لمن يريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه: "هل ركبت البحر؟" وقول الشاعر:
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي
مشدّدًا على ضرورة التخلّص من التعصّب والانفتاح على الأفكار الجديدة، مُشيرًا إلى قول المبرّد: «وليس لقِدَمِ العَهْدِ يُفَضَّلُ القائلُ، ولا لِحِدْثانِ عَهْدٍ يُهْتَضَمُ المُصِيب، ولكنْ يُعْطَى كُلٌّ ما يستحق.
وأكّد رئيس الجامعة أهمية تميّز العالم في باب أو فن معين، مُشيرًا إلى قول علماء الإسلام: «مَنْ لَزِمَ شيئًا عُرِفَ به»، داعيًا إلى البحث عن الثغور العلمية والغوص في الأعماق وعدم الاكتفاء بالوقوف على السطح، مُشيرًا إلى قول العرب: «تحت الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الصَّرِيحُ»، منبهًا إلى أنّ القرب من الله تعالى والبعد عن الغواية أساسان آخران لنجاح العالم والمتعلم، مُشيرًا إلى قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾(البقرة: 282)، وأهمية طول صحبة العلماء وملازمتهم ومجالستهم، مُشيرًا إلى قول العرب: «العيش كله في الجليس الممتع.
وحذر رئيس جامعة الأزهر من الملل؛ فإنَّ الملل من شر ما يَذْهَبُ بالعلم؛، داعيًا إلى الإنفاق من العلم وعدم كتمانه، مُشيرًا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.