رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل روحية من أساقفة الأقباط بمناسبة عيد القيامة

عيد القيامة المجيد
عيد القيامة المجيد

وجه عدد من الاقباط والأساقفة رساله للعيد القيامة المجيد، وذلك بالتزامن مع احتفالات الكنائس بعيد القيامة المجيد الذي تحتفل به الكنائس اليوم، إذ قال الأنبا تكلا، مطران دشنا، رسالته قائلًا: علمتنا القيامة التمسك بمجموعة من المبادئ والفضائل واليوم نتحدث عن درس جديد تعلمناه من القيامة.

الأبدية

 الاهتمام بالأبدية هو درس من دروس القيامة، فالرب خلقنا فى الدنيا كفترة إعداد لهذه الأبدية.. فالحياة الدنيا ليست هى الحياة الحقيقية وإنما الحياة الحقيقية هى فى الأبدية تلك الحياة التى بلا حزن ولا دموع ولا مرض ولا مشاكل ولا متاعب ولا تجارب أو حروب.. حياة ملؤها السلام والفرح.. حياة لا تنتهى أبدًا.. دائمة بلا نهاية.

أما حياة الدنيا فهى مليئة بالمشاكل والمتاعب والضيقات والأمراض والأحزان، هى حياة تنتهىب الموت، لذلك تنصحنا الكنيسة فى كل قداس قائلة "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم لأن العالم يزول وكل شهوته معه أما من يصنع مشيئة الله فهذا يثبت إلى الأبد".

وتابع: كان الناس مهتمين بالحياة الدنيا ولا يثقون أن هناك حياة أبدية، إلى أن قام المسيح من الأموات ورأوا الحياة التى بعد الموت والتى لا يوجد بعدها موت. (حتى الأموات الذين قاموا ماتوا مرة أخرى).

فشعروا أن الحياة الدنيا لا قيمة لها.. فماذا قد خسره المسيح بموته على الصليب.. لقد قام بقوة ومجد عظيم لا يقدر أحد أن يمسكه أو يؤذيه.. هو جسد روحانى غير خاضع للمادة ولا لقوانينها.. فهو يستطيع أن يدخل والأبواب مغلقة ويخرج من القبر وهو مغلق وعلى بابه حجر كبير.. ويستطيع أن يصعد إلى السماء ضد قوانين الجاذبية الأرضية.

ببركة قيامة الرب من بين الأموات الرب قادر أن يقيمنا معه ويمنحنا هذه الحياة الأبدية

إذ قال الربان فيلبس عيسي ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بمصر رسالته قائلًا: مع فجر يوم الأحد، أحد الحياة الجديدة والرجاء الحي والولادة الثانية، ونحن في فلك هذا العالم والعواصف الهوجاء تشتد بنا يومًا بعد يوم، مياه عبرت إلى أنفسنا وأغرقتنا أثقال الحياة، الرجاء انقطع، تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا. حروب وأخبار حروب، زلازل، أمراض، مجاعات، غلاء، أوبئة،   نزاعات وانقسامات وتحديات إيمانية رهيبة.

نعم نذكر مع الزلزلة العظيمة ودحرجة الحجر والقبر الفارغ كلام الرب لتلاميذه وأقواله الثابتة التي لا تتغير وهو بعد في الجليل جليل الأمم، كل ما يجري في وسطنا ومن حولنا، الصلب والألم والموت والقيامة.  

لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، لَكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي ٱلْجَلِيلِ قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ.

كيف تحول  الموت إلى حياة وقيامة اليأس إلى رجاء والضعف إلى قوة والفشل إلى نصرة والألم إلى شفاء والظلمة الى نور. 

هو ذا الرب القائم  من بين الأموات الجالسين في ظلال الموت أعاد الرجاء الحي وولدنا ولادة ثانية جديدة لحياة جديدة بدم العهد الكريم لنصنع مشيئته الصالحة المرضية الكاملة، ونعي غاية رسالتنا السامية. 

وَإِلَهُ ٱلسَّلَامِ ٱلَّذِي أَقَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ رَاعِيَ ٱلْخِرَافِ ٱلْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ ٱلْعَهْدِ ٱلْأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلًا فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ. آمِينَ.

نولد ثانية ولادة من فوق، ولادة روحية لنصبح أبناء الحياة الجديدة، ولم يعد للموت سلطان علينا فنور الرب نور العالم  أشرق في فلكنا القديم الذي تآكل وشاخ فأصبح علية مقدسة يجتمع فيها أولاد الملك العظيم.

هم أحباء وأسياد وأصحاب السلطان الروحي الذي يغلب المرض والعجز والجهل، ويستطيع أن يواجه بقوة عظيمة شراسة الحياة العتيقة والإنسان القديم لأن ملك الملوك صاحب المملكة السمائية قام وانتصر وغلب  ومنح الرجاء الحي.  

لذلك أصبحوا شهود أقوياء للعالم أجمع، حملوا البشارة بالحياة والرجاء والقيامة.

 هَلُمَّ انْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ. فِعْلَهُ الْمُرْهِبَ نَحْوَ بَنِي آدَمَ! 

 حَوَّلَ الْبَحْرَ إِلَى يَبَسٍ، الْجَاعِلَ أَنْفُسَنَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ أَرْجُلَنَا إِلَى الزَّلَلِ. 

موته وقيامته كانا بسبب محبته الأبدية ورحمته الكثيرة. 

مات القدوس البار لأجل حياة الجميع، وقام منتصرًا ليقمنا معه وصعد إلى السماء ليصعدنا ويجلسنا معه. 

 

أهم سمات القيامة

أما كريم كمال، كاتب وباحث في الشأن المسيحي، فقال إن أهم سمات القيامة هي الفرح لذلك تبدا رحلة القيامة بعد جمعة ختام الصوم حينما يدخل السيد المسيح الي مدينة أورشليم واستقبل الجموع السيد المسيح هاتفين: "هوشعنا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب".  

لقد كان دخول المسيح أورشليم تتمة لإحدى نبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا القائلة: "ابتهجي جدًا يا صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك وديع وراكب على جحش ابن أتان".

ثم تبدا رحلة الآلام بصلوات البصخة المقدسة من اثنين البصخة وثلاثاء البصخة وأربعاء أيوب حيث نسبر لحظة بلحظة مع خطوات آلام السيد المسيح من خلال صلوات عميقة بالحان حزينة تتوشح فيها الكنائس بالون الأسود حتي نصل في رحلة القيامة وانتظر الفرح إلي خميس العهد.

 تحتفل الكنيسة بهذا العيد وسط آلام السيد المسيح المخلصة ليفدي البشرية كأحد أعياد ثلاث: عيد الشعانين (بداية أسبوع الآلام) - خميس العهد (منصف الأسبوع) وبداية العد التنازلي لعيد القيامة.

أما من جهة طقس قبلة يهوذا، فقد رتبت الكنيسة ألا تكون هناك قبلة داخل الكنيسة، وهو طقس يُمارس داخل الكنيسة فقط، وإن كان الأقباط قد مارسوه لزمن طويل خارج الكنيسة فى المنزل والعمل حين كانوا أغلبية مسيحية، ولكنه الآن فى داخل الكنيسة كوسيلة إيضاح وتذكرة ومحاولة للحياة داخل الحدث نفسه، حيث يستمر ذلك من ليلة الأربعاء وهو اليوم الذى تآمر فيه يهوذا مع اليهود على المسيح، وحتى ليلة عيد القيامة، حيث انتصر المسيح على الموت.

يعلّق البعض ويقول ها هوذا السيد المسيح قد قام وانتصر على الخيانة والخونة، وهذا حق، ولكن الأحرى بالتأمل والتعجب أن السيد المسيح  جاء فى الأساس ليخلص الجميع  بمن فيهم يهوذا نفسه، فإذا بالأخير يخونه فيفقد خلاصه ويقتنى له عقوبة وهلاكًا أبديًا.

ويقول معلم الأجيال قداسة البابا شنوده الثالث عن خميس العهد وخيانة يهوذا الاسخريوطي: يرى الآباء أنه اشترك فى الفصح، وليس فى سر الإفخارستيا. وهذا واضح من قول السيد المسيح عن مسلمه \"هو واحد من الإثنى عشر. الذى يغمس معى فى الصحفة\" (مر 20:14). وعبارة \"يغمس فى الصحفة\" تتفق مع الفصح، وليس مع التناول من الحسد والدم، الذى فيه كسر السيد المسيح  خبزة وأعطى، وذاق من الكأس وأعطى (1كو23:11-25). وفى إنجيل يوحنا \"فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطى. فبعد اللقمة دخله الشيطان.. فذاك لما أخذ اللقمة، خرج للوقت وكان ليلًا (يو 26:13-30). وطبعًا فى سر التناول، لا يغمس لقمة، وإنما كان هذا فى الفصح.. ومع أن يهوذا لو كان قد تناول من الجسد والدم، كان يتناول بدون استحقاق، غير مميز جسد الرب، ويتناول دينونة لنفسه (1كو27:11-29). إلا أن الآباء يقولون إنه إشترك فى الفصح فقط، وخرج ليكمل جريمته. وأعطى الرب عهده للأحد عشر ثم تاتي الجمعة العظيمة والتي تستمر فيها الصلوات من السادسة صباحا الي السادسة مساء وتختم بالدفن وانتظار القيامة.

 ثم تاتي أفراح القيامة حيث قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام" (لو 24: 5، 6).

إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا.

لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ 1: 7).

في القيامة حياه وفراح حيث نفرح ويستمر هذا الفرح خمسين يوما عقب الاحتفال بعيد القيامة المجيد حيث ترنم الكنيسة بألحان الفرح ابتهاجا بالانتصار علي الموت وبالحياة الأبدية من أفراح القيامة نستخلص رسالة المحبة والسلام والفرح التي أتي من أجلها السيد المسيح.

 وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشري بالقيامة العامة

والقيامة أعطت المسيحيين رجاءً في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم ايضا نفرح بالقيامة مع الصدّيقين الذين كانوا يترقّبون هذا الحدث منذ فجر الخليقة، “نفرح مع العذراء مريم التي أَنْسَتْها القيامة كل ما عانته من آلام وأحزان لمشاهدة ابنها يعاني العذاب.. نفرح مع النسوة حاملات الطيب القديسات اللواتي سبقن الصبح.. نفرح مع الرسل القديسين الذين ذاقوا مرارة الخذلان، واعتقدوا أن رحيل المسيح هو إلى غير رجعة.

إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني على الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة على أسماعنا في كل قداس قول الرسول: "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه.

ونحن نحتفل بعيد القيامة المجيد وأعياد الربيع نتضرع إلي الله أن يحفظ مصر العزيزة وقائدنا المحبوب الرئيس عبدالفتاح السيسي وجيش وشرطة مصر البواسل وجميع المسئولين وكل شعبها كما نصلي أن يعم السلام والأمان وأن تنتهي الحروب في كل أرجاء العالم.