رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هالة حليم ترصد العلاقة الشائكة بين "الكولونيالية والكوزموبوليتانية" في كتابات "فورستر"

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

في كتابها والصادر في نسخته العربية عن المركز القومي للترجمة، تحت عنوان “الكوزموبوليتانية السكندرية”، بترجمة للشاعر عبد المقصود عبد الكريم، تفكك الباحثة هالة حليم، سردية التنوع الذي تمتعت به الإسكندرية حتى منتصف القرن العشرين، طارحة نماذج لهذه السرديات التي تطرح رؤية جديدة حول الكولونيالية.

 

ومن بين هذه النماذج التي ترصدها “حليم”، تجربة الكاتب البريطاني إي أم فورستر، والذي عاش في الإسكندرية في الفترة من 1916 وحتى 1923.

 

هنا محض شرق زائف

 

تقول هالة حليم إنه حين وصل فورستر إلى الإسكندرية قرب نهاية عام 1915 للعمل في الصليب الأحمر باحثا عن أخبار الجنود الجرحى أو المفقودين في العمليات، كان يعاني من انقطاع الكتابة. وبينما كان روائيا معترفا به، فإنه كان يجاهد في كتابة رواية غير مكتملة عن الهند، البلد التي سوف يستخدمها معيارا تقاس عليه تجربته المصرية حيث يعينها محاكاة ساخرة للهند. فلم يمر وقت على وصوله إلا وهو يكتب إلى صديقه الهندي، سيد روس مسعود، أن مصر تبدو “أدنى بكثير من الهند”، وسكانها “من طين متحرك”، وهو شعور تبلور بعد ستة شهور، في رسالة للمراسل نفسه حيث يصرح: “هنا محض شرق زائف، أنني أغلق عيني عنه متعمدا، خشية أن يفسد متعتي بالشرق الحقيقي”.

 

وتستطرد “حليم”: إلا أن “فورستر” سيكون غريبا مقيما، لا رحالة، “فعلى الرغم من تأكيداته الأولية على العينين المغلقتين أمام كل شيء، لم يكن اختلاطه بقليل مع هذا المجتمع المختلط” وسوف يرحل من إقامته المصرية بمجموعة من النصوص. تتراوح تلك النصوص بين جنس الدليل “الإسكندرية: تاريخ ودليل”، والذي نشر في الإسكندرية عام 1922. ودراسته “فاروس وفارييون” طبعت في مصر وبريطانيا ابتداء من 1916، وذلك بخلاف نصوص عدة مرتبطة بمصر لم تنشر بعد.

 

هكذا رأي فورستر تراث الإسكندرية

 

وتلفت “حليم” إلى أن: نصوص فورستر تتصدى بنتائج مختلفة وأحيانا شديدة التباين لوضع مصر، بوصفها شبه مستعمرة بريطانية، وتحديدا لتراث الإسكندرية في تلك النصوص للعلاقة بين هذه المسائل في ضوء حقيقة أنها شبه معاصرة في حالات عديدة. فكما توضح التواريخ السالفة، كتب فورستر معظم نصوصه المصرية بين 1916 و1923، وبينما قد نعزو تباين المواقف إلى تطور على مدى سبع سنوات، فإن النصوص تناقض ذلك، في “ملاحظات عن مصر”، النص المناهض للاستعمار بشكل أكثر صراحة، على الرغم من نشره بعد الكثير من دراسات فورستر ومقالاته المصرية التي طبعت مفردة، كتب قبل نشره لكتابه “الإسكندرية: تاريخ ودليل” بعامين، وقبل مجموعة “فاروس وفارييون” بثلاثة أعوام، وتتجلى في النصين الأخيرين، في رأيي نماذج من بيئة للتأريخ الكولونيالي.

 

وتتابع “حليم”: ما يحفز مناقشتي لكتابي فورستر “الإسكندرية: تاريخ ودليل” و“فاروس وفارييون”، وهما نصان معياريان للكوزموبوليتانية السكندرية، أن التاريخ الكولونيالي الذي ينمان عنه لم يحظ عموما باهتمام نقدي، فحتى الآن، إذا لاحظ النقاد أي مثال لتواطؤ فورستر مع الاستعمار، فإنهم ينحون إلي التغاضي عنه بربطه بالموقف المناهض للاستعمار في “ممر إلى الهند”، وقد ركز عليه نقد فورستر الذي يستقي نظرية ما بعد الكولونيالية بما يربو على استبعاد نصوصه المصرية، أو في “ملاحظات عن مصر”، إلا أن الأمر لا يتعلق بقراءة النصوص المصرية لفورستر من خلال بعضها بعضا ووضع كل منها مقابل الآخر فحسب، وإنما أسعى بالأحرى  إلى إبراز المكانة الانتقائية المشحونة أيديولوجيا لكوزموبوليتانية الإسكندرية في بعض نصوص الكتاب، والتواطؤ الفاعل في استقبالها. وفي الاضطلاع بذلك، أضع في الصدارة مسألة الجنس الأدبي في علاقته باعتماد النصوص وفق معيارية ذات مركزية أوروبية. ولطالما ركزت القراءات النقدية للإسكندرية علي القسم الأول “التاريخ” مستبعدة “الدليل” من ناحية، لصفة المؤلف كروائي معياري، إذ تعتبر كتابة الدليل جنسا أدني من كتابة التاريخ، فقراءات هذا النص اهتمت غالبا بتفسير كيف كانت الإسكندرية ممر المؤلف إلي الهند.

 

وثمة سبب آخر وهو التصور الراسخ بأن واقع المكان وماديته لا يمكن إطلاقا أن يتحديا السلطة الأدبية لفورستر. مع التركيز علي القسم الأول، بالإضافة إلى ذلك مالت معظم هذه القراءات ــ مع استقطاب إضافي للتأثير المزعوم لشعر كفافي ــ إلى قبول قسم التاريخ بحذافيره. وفي رأيي أن كون الكاتب نفسه كتب تعليقا تاريخيا علي “ملاحظات عن مصر”، قبل نشر الإسكندرية بفترة قصيرة ــ يكاد يكون متعارضا كلية مع ما جاء في الدليل ينبغي أن يدفعنا لطرح تراكم المحددات للأجناس الأدبية والعلاقة الشائكة بين الكولونيالية والكوزموبوليتانية في كتابات فورستر المصرية.