رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استثمارات بمليارات الدولارات.. مكاسب تعديل "فيتش" نظرتها لتصنيف مصر السيادى

استثمار
استثمار

أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أمس الجمعة، عن تعديل نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر السيادي من "مستقرة" إلى "إيجابية"، مدعومة بتراجع مخاطر التمويل الخارجي على المدى القريب؛ بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة، وصفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات.

وقال خبراء اقتصاديون ومصرفيون، لـ"الدستور"، إن تعديل "فيتش" العالمية نظرتها المستقبلية للتصنيف الائئتماني لمصر قرار جيد، مشيرين إلى أنه كان متوقعًا بعد الإصلاحات الهيكلية التي تمت مؤخرًا من قبل الحكومة والجهاز المصري ممثلًا في البنك المركزي. 

عودة الثقة فى الاقتصاد المصرى 

وأشار الخبراء إلى أن تقرير "فيتش" في مجمله إيجابي، ومؤشر جيد لعودة الثقة في الاقتصاد المصري، وجاء في التوقيت المناسب، لافتين إلى أن رفع التصنيف سيفتح شهية المستثمرين وصناديق الاستثمار العالمية لضخ مزيد من الاستثمارات المباشرة في السوق المصرية.

ولفت الخبراء إلى أن مشروع "رأس الحكمة" وفر سيولة دولارية ضخمة، نحو 35 مليار دولار لمصر، بالإضافة إلى التعهدات المالية الأخرى من الشركاء الدوليين بقيمة 25 مليار دولار "8 مليارات دولار من الاتحاد الأوربي ومثلها من صندوق النقد، بالإضافة 6 مليارات دولار من البنك الدولي"، تغطي احتياجات مصر الدولارية حتى نهاية عام 2027.

جذب الاستثمارات الأجنبية 

قالأحمد أنور سعدة، المحلل الاقتصادي، إن صفقة "رأس الحكمة"، وقيمتها 35 مليار دولار، كانت بمثابة نواة لإعادة النظر في أداء الاقتصاد المصري لدى مؤسسات التصنيف وبيوت الاستثمار العالمية.

وقال إن تغيير المؤسسات الدولية نظرتها للاقتصاد المصري، مثل "فيتش"، جاء نتيجة للتحسن المتلاحق في الأداء، ودخول استثمارات مباشرة جديدة في عدة قطاعات، منها: الصناعات النسجية والطاقة والأجهزة الكهربائية، بالإضافة إلى تراجع العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي من مستوى 29 مليار دولارخلال يناير من العام الجاري إلى 4 مليارات دولار فقط في مارس، فضلا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي.

ونوه "سعدة" بأن تلك العوامل ستسهم أيضًا في انخفاض تكلفة الاقتراض، وبالتزامن مع بدء البنك المركزي في تثبيت سعر الفائدة على الاقتراض في أذون الخزانة، وفقًا لآخر عطاء والذى تم استيفاؤه بالكامل، فضلاً عن اتجاهه لخفض الفائدة خلال المرحلة المقبلة، بما يعنى تعافي الاقتصاد الوطني.

وشدد على ضروة الاهتمام بالاستثمار المباشر، والبحث عن مصادر متنوعة لتوفير السيولة الدولارية، مع استمرار انتهاج سياسة مرونة سعر صرف الدولار، تلاشيًا لهجرة عكسية للأموال الساخنة من مصر.
 وذهب إلى ضرورة الاهتمام بالصناعة والسيطرة على الديون الداخلية التي تمثل التحدى الحقيقي أمام الدولة حاليًا، وهو ما يحتاج إلى حكمة في اتخاذ القرارات لخفضها، بما لا يمثل ضغطا على المواطن.

خطوة جيدة وإيجابية 

وفي ذات السياق، قال الدكتور أحمد السيد، الخبير الاقتصادي، إن إعلان "فيتش" تعديل النظرة لتصنيف مصر الائتماني إلى "إيجابي" خطوة شديدة الأهمية، وتعني أنه في أغلب الأحوال هناك فرص متزايدة لرفع تصنيف مصر الائتماني في المراجعة القادمة، وهذا هو الإعلان الثاني لتحسن تصنيف مصر الائتماني، بعد تعديل "موديز" النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى "إيجابية"، متوقعًا  أن تعدل "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني لمصر للأفضل قريبًا.

ولفت إلى أن مثل تلك الخطوات من مؤسسات التصنيف الدولية بشأن مصر، والنظرة الإيجابية، خطوة ستنعكس على تقليل المخاطر المتعلقة بالديون المصرية في الخارج، وهو ما سيساعد على استعادة ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصري، ومن ثم عودة الاستثمارات الأجنبية، وخفض تكلفة التأمين على الديون، وبالتالي تخفيض تكلفة الاقتراض من الخارج، وهو أمر مهم لكل من الحكومة والقطاع الخاص.

وأوضح أن تقرير "فيتش" يتضمن العديد من النقاط الإيجابية بشأن الاقتصاد المصري، منها خاصة توقع ارتفاع الاحتياطي الأجنبي مدعومًا بتدفقات مشروع "رأس الحكمة" إلى 49 مليار دولار خلال العام المالي الحالي، وإلى نحو 52 مليار دولار في العام المالي القادم، وهذا أمر جيد لضبط سعر الصرف بشكل أكبر، وكذلك التعامل مع ضغوط أعباء الدين الخارجي خلال العامين القادمين.

كما أشار تقرير "فيتش" إلى أن تدفقات مشروع "رأس الحكمة" ستساعد على تقليل عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي، بالرغم من الضغوط التضخمية وتأثيرات التوترات الإقليمية على إيرادات السياحة وقناة السويس.

رأس الحكمة كلمة السر 

وقال إن إتمام صفقات استثمارية جديدة حتى لو كانت بحجم أقل، وبدء تنفيذ مشروع "رأس الحكمة"، سيؤدي إلى تدفقات جديدة بخلاف الـ35 مليار دولار التي تم الاتفاق عليها وتسلمتها مصر بالفعل، وكذلك استمرار عودة المستثمرين، ما سيعزز بشكل كبير من استقرار الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، بشرط بدء العمل بشكل سريع لتعزيز موارد مصر الدولارية من قطاعات التصدير والسياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي، وهو ما سيقلل من حدة تأثير الاقتصاد المصري بالأزمات العالمية والإقليمية، ويساعد على زيادة فرص النمو والتشغيل وبالتالي شعور المواطن العادي بتأثير الإصلاحات الاقتصادية التي يتم تطبيقها.

وعن تأثير ذلك على البورصة، أشار "السيد" إلى أن البورصة لا تتأثر سلبًا أو إيجابًا كثيرًا بالتصنيف الائتماني، مدللا على ذلك بتسجيلها ارتفاعات قياسية خلال 2023 وبداية 2024 بالرغم من التخفيضات التي تمت على التصنيف الائتماني خلال تلك الفترة؛ وذلك يرجع بشكل كبير إلى عدم عودة المستثمرين الأجانب إلى السوق المصرية بشكل كامل بعد، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهد لتهيئة الأوضاع الاقتصادية لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب بشكل أكبر.

تقارير إيجابية أخرى قريبًا 

وقال الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، إن تغيير "فيتش" نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لمصر إلى "إيجابية"، جاء بعد مجهود كبير من الإصلاحات الهيكلية في السياسات النقدية والمالية، متوقعًا أن تنتهج مؤسسات التصنيف الائتماني الأخرى نفس الطريق والنهج، وإصدار تقارير إيجابية بشأن الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة.

ونوه بأن قرار "فيتش" شهادة ثقة جديدة في الاقتصاد المصري ويفتح شهية المستثمرين  للتواجد في مصر، بشرط استمرار سياسة الدولة في تذليل العقبات وحل جميع التعقيدات والبيروقراطية أمام المستثمرين، مع اتخاذ سياسات نقدية أكثر تشديدًا، وبدء زيادة الإنتاج والاعتماد على زيادة الموارد الذاتية للعملة الأجنبية، مثل تحويلات المصريين العاملين بالخارج والسياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة إيرادات قناة السويس وزيادة الصادرات المصرية.

عودة الاستثمارات 

وقال الدكتور محمد سعد الدين، نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، إن تقرير "فيتش" يمثل خطوة جيدة لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصري، ويؤكد أنه في الطريق الصحيح، ويؤدي إلى زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر بعد دخول شراكات جديدة مع دول الخليج، متوقعًا الإعلان عن صفقات استثمارية كبيرة خلال الأيام القليلة المقبلة.

وذكر أن أن مشروع تطوير رأس الحكمة أكبر استثمار ناجح في المنطقة العربية، موضحًا أن مصر ستحصل على 35 مليار دولار، بالإضافة إلى عوائد اقتصادية أخرى تقدر بنفس القيمة، حيث إنه من المتوقع أن يتم ضخ استثمارات تصل إلى 200 مليار دولار  في الاقتصاد المصري بعد الانتهاء من تطوير المدينة بالكامل، بجانب إتاحة مليون فرصة عمل للشباب، وجذب من 8-10 ملايين سائح، وتشغيل الشركات والمصانع المصرية بما يؤدي لعهد جديد من الاستثمارات المستقبلية.

وتوقع نائب رئيس اتحاد المستثمرين جذب مصر شراكات استثمارية جديدة من دول السعودية وقطر والكويت خلال الفترة المقبلة، بعد الدخول في شراكات استثمارية كبرى، والتي ستحقق طفرة كبيرة في الاقتصاد المصري بعد ضخ استثمارات مباشرة تؤدي إلى نمو كبير، وتوفير ملايين فرص العمل، وتحويل مصر إلى أكبر مركز عالمي في مجال السياحة والضيافة والترفيه بعد الانتهاء من تطوير مدينة رأس الحكمة.

وفي ذات السياق، قال الدكتور عبدالمنعم السيد، الخبير الاقتصادي، إن قرار "فيتش" يعيد الثقة في الاقتصاد المصري ويؤدي إلى عودة الاستثمارات المباشرة، حيث تعد هذه المؤشرات من أهم العوامل التي يستند إليها المستثمرون والصناديق السيادية عند اتخاذ قرار الاستثمار في أي دولة، ما يُساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية في مصر خلال الفترة القريبة، بالإضافة إلى تقليل تكلفة الديون على الدولة.

وأوضح "السيد" أن رفع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني برفع نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية، مع تأكيد الوكالة تصنيف مصر عند "B"، يرجع لعدة أسباب، تتمثل في انخفاض مخاطر التمويل الخارجي على المدى القريب بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة ومشروع "رأس الحكمة" مع الإمارات، وزيادة الحصيلة الدولارية، خاصة بعد زيادة تحويلات العاملين المصريين بالخارج بعد اتباع سياسات نقدية مرنة ألغت السوق الموازية للعملات الأجنبية في مصر.

وأشار إلى أن السبب الثاني يكمن في ارتفاع الاحتياطي النقدي لمصر ليتجاوز 40 مليار دولار؛ نظرًا لانخفاض عجز الموازنة الكلي في السنة المالية الجارية 2023-2024 إلى 3.95% من توقعات سابقة عند 7.7%، بعد تحصيل 12 مليار دولار لصالح الخزانة العامة من مشروع "رأس الحكمة"، ما ساعد على تحسين المؤشرات المالية للاقتصاد المصري، كما رفعت الحكومة توقعاتها لتحقيق فائض أولي بواقع 5.75% في 2023-2024 من توقعات سابقة عند 2.5%.

وأوضح "لسيد" أن السبب الثالث يكمن في قوة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر خلال الفترة الماضية، والاتجاه نحو جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة القادمة، خاصة بعد اتجاه الدولة المصرية لتشجيع وتمكين القطاع الخاص، سواء من خلال تسهيل إجراءات التراخيص وإجراءات الحصول على الأراضي الصناعية، أو من خلال تقديم حزم تحفيزية للمستثمرين، تشمل إعفاءً ضريبيًا لمدة خمس سنوات، وإعفاءً من سداد نصف قيمة الأراضي الصناعية في حالة استكمال بناء المشروع خلال الفترة المتفق عليها مع المستثمر.

وأشار إلى أن الخطوات الأولية التي اتخذتها مصر لاحتواء الإنفاق خارج الميزانية ساعدت في تقليل مخاطر استدامة الدين العام، بالإضافة إلى تدفق الاستثمارات غير المباشرة في شراء أدوات الدين المصرية، والتي بلغت منذ مارس 2024 وحتى 30 أبريل 2024 أكثر من 14 مليار دولار.