رفعت سلام: قسطنطين كفافيس كان يكرس نفسه في الإسكندرية لشعرية جديدة
في مقدمة ترجمته لكتاب “شعرية كفافي”، والصادر عن المركز القومي للترجمة في نسخته العربية، يذهب الشاعر الراحل رفعت سلام، إلى أن قسطنطين كفافيس، المولود في مثل هذا اليوم من العام 1863 بمدينة الإسكندرية في مصر، لأبوين يونانيين، ورحل في نفس اليوم من العام 1923 بداخل المستشفى اليوناني بالإسكندرية، قدم لجمهوره القارئ ــ بوضوح ــ شعرا وشعرية غير متوافقين مع الأفكار الأدبية الشائعة في ذك الحين في اليونان، في حين كان الأدب قد تطور بعد كتقليد مستقل في اليونان، ولم تكن القصيدة تعامل كشئ مستقل في ذاته، وكان من النادر أن تخضع النصوص الأدبية للتقييم في ذاتها، لا وفقا للوظائف التي أدتها في الجدل اللغوي بين النزعة الصفائية والنزعة الديموطيقية.
ويضيف “سلام”: “وفي المناقشات العامة حول هوية اليونان، وعلى هذا الأساس يختلف تطور الأدب في اليونان بصورة جذرية عنه في أوروبا الغربية، فللأدب وظيفة أيديولوجية، ولم يتم النظر إليه كشكل خاص، وذلك لم يكن ثمة سياق مستقبل لشعر كفافيس، كان يكتب قصائد حداثية استبطانية في زمن كان القارئ اليوناني يطالب بشعر وطني إن لم يكن ذا نزعة قومية، رومانسي”.
وبينما كان معاصرو كفافيس في اليونان ينأون بأنفسهم عن التيارات الأدبية الحديثة في أوروبا كان يكرس نفسه في الإسكندرية لشعرية جديدة مستمدة إلى درجة كبيرة من النزعات الرمزية والجمالية والحداثية.
المتلقون زائدون على عملية الإبداع
أما مؤلف كتاب شعرية كفافي، جريجوري جوزدانيس، فيلفت إلى أن قسطنطين كفافيس: "يرى المخلص للجماليات المتلقين زائدين على عملية الإبداع الفني، ويعتبرهم من ناحية أخرى عاملا أساسيا في ظهور الفن. فقد مال إلى الثبات والتركيز على الشكل على وجه الحصر، وقد وضعت مناقشة شكلانية كفافيس في سياق جماليات كانط أولا، ثم سياق النزعة الجمالية للقرن التاسع عشر.
لقد قدس كفافيس الفن مثل فنانين كثيرين في هذه الرحلة، حيث منح الشاعر ملاذا يمكن أن يهرب إليه من حزن العالم وفجاجته وقبحه.
اهتمام كفافيس بالبعد النصي للأدب
ويلفت “جريجوري جوزدانيس”، إلى أن: كفافيس، يبدأ مناقشة فكرة اللغة كغاية للمعرفة، خلال القرن الثامن عشر، مع ظهور اللغة الأدبية، فمثل كثيرين من شعراء القرنين الماضيين، اهتم كفافيس بالبعد النصي للأدب، فقصائده تخترقها ــ على نحو واضح ــ سلاسل من نصوص أخرى واقعية وتخيلية، وبدراسة تناص شعره يمكن توضيح اهتمامه باللغة المكتوبة، وليست هذه اللغة الأدبية شفافة، ولا هي أداة للتواصل، لكنها مادة معتمة وكثيفة تستحضر كينونتها الخاصة إلى الصدارة، وتجعل من نفسها لا من الواقع محط الأنظار.
أما عن تمثيل التراث في شعرية كفافيس، فيشدد "جوزدانيس” على أنه لدى كفافيس رؤيتين لهذا الموضوع: تقليدية وحداثية، تنظر الأولى للتراث باعتباره مصدر معرفة، منجما يعود إليه الشاعر من أجل المادة الفكرية والاستلهام.
وفي الثانية لا يشكل التراث الشاعر وينيره بقدر ما يهدده، فهو مصدر قلق، ويعي الشاعر المتأخر ذاته كمواجه لتراكم شاسع لا يحتمل من الروائع الأدبية، وينظر إلى أسلافه لا كمعلمين، بل كخصوم ينبغي عليه الصراع معهم ليكتسب موقعا في التاريخ، فالصراع هو الاستعارة الرئيسية في هذه الرؤية للتراث، والابتكار هو الهدف الأقصى.