رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناقد عصام زكريا: «الحشاشين» عمل مذهل.. شخصياته مكتوبة بحرفية.. ويتميز بدقة كبيرة فى جميع عناصره

عصام زكريا
عصام زكريا

أكد الناقد الفنى عصام زكريا أن مسلسل «الحشاشين» يعد عملًا دراميًا مذهلًا، فى ظل ما اتسم به من حرفية شديدة فى كل تفاصيله، بدءًا من كتابة الشخصيات، مرورًا بالدقة فى الديكورات والتصوير والملابس، وصولًا إلى اختيار نجوم العمل، مشيرًا إلى أن المسلسل تجاوز فخ «شيطنة الأشرار»، وفكرة تمجيد الشخصيات التى صبغت الدراما التاريخية المصرية منذ سنوات طويلة، ولأول مرة منذ عرض مسلسل «الزينى بركات» فى منتصف تسعينيات القرن الماضى.

وأوضح الناقد الكبير، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، فى موسمه الجديد بعنوان «الإخوان- الحشاشين»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أن الدراما التاريخية دائمًا ما تثير الجدل، لأن كاتبها ينتقى الأحداث، ويختلق تفاصيل لا تعرفها الكتب المدرسية.

■ لماذا تثير الأعمال الدرامية التاريخية الجدل فى مجتمعاتنا؟

- الدراما التاريخية دائمًا ما تثير الجدل، وذلك بسبب أنها دائمًا ما تقارن بما حدث فى الماضى، ومن الصعب معرفته مرجعيًا، بسبب انتشار القصص الكثيرة عن فترة ما أو شخصية فى العمل الدرامى، ومن هنا يبدأ الجدل حولها بسبب اختلاف وجهات النظر لدى كتاب الأعمال الدرامية التاريخية.

وعندما يتم تحويل الشخصيات أو الوقائع التاريخية إلى دراما تتحول لشىء مختلف تمامًا، لأنه من الصعب تناول التاريخ بشكل مجرد، فلا بد من رصد كل الجوانب الحياتية للشخصية، أو الحقبة التاريخية محور العمل الدرامى.

وكتب التاريخ التى درسناها لم تهتم بتفاصيل الشخصيات من ناحية الدوافع الشخصية والجوانب المخفية، فدائمًا ما تهتم كتب التاريخ بالجوانب المجردة للشخصية، سواء كان تاريخ شخص معين أو إنجاز تم فى تلك الفترة، وبالتالى على كاتب الدراما أن يختلق كل هذا، ويصنع دراما تتضمن صراع الأفكار والثقافات، وتجسيده فى صورة شخصيات درامية، وعلاقات إنسانية بكل أنواعها.

وفى هذه الحالة، تتحول المادة التاريخية لشىء مختلف، فكاتب الدراما التاريخية أمامه عشرات المراجع لأخذ الدراما والأحداث منها، وبالتالى يتم الانتقاء منها بعناية من أجل إخراج دراما جيدة، وفقًا لقواعد الكتابة.

وصراع الأفكار يتجسد فى شخصيات الأعمال الدرامية التاريخية، وهذا يعتبر عملًا شاقًا على كاتب الدراما التاريخية، بسبب البحث فى الكثير من المراجع، من أجل تأكيد الحقبة التاريخية أو الشخصية محور العمل الدرامى، وتتم محاسبة الكاتب على الفكرة والغرض من العمل، وهل هو تاريخى أم عمل خيالى مستلهم من التاريخ.

وأشبه ما يحدث لدينا بفيلم من دولة تشيلى، اسمه «الكونت»، تم فيه تجسيد شخصية «موشيدى»، إحدى الشخصيات التاريخية، على أنه مصاص دماء، وبدأ خلال العمل سرد بعض الحقائق التاريخية بشكل خيالى، ولكن فى النهاية هناك سؤال: هل هى أحداث فعلها «موشيدى» بالفعل؟.

كما أن فيلم «نابليون» العالمى اعتمد على الخيال الدرامى، وتناول واقعة ضرب الأهرامات بالمدافع، وهذه الواقعة لم تحدث إطلاقًا، ولكن تم خلق واقعة لم تحدث من أجل توصيل رسالة معينة.

ووفقًا لذلك، فإن مسلسل «الحشاشين» مستوحى من التاريخ، ولكنه ليس عملًا تاريخيًا بالكامل، كما يعتقد البعض، فهو إذا كان تاريخيًا بشكل بحت فإنه يتحول فى هذه الحالة إلى عمل وثائقى وليس عملًا دراميًا.

■ ما قراءتك حول مسلسل «الحشاشين» بعيون الناقد الفنى؟

- بعيدًا عمّا يقال عن مسلسل «الحشاشين»، فهو عمل درامى جيد الصنع بشكل مذهل، بسبب كتابة الشخصيات بحرفية شديدة، اعتمادًا على نظرية السقوط والصعود، وهذا ما نشاهده دائمًا فى الأعمال المميزة والعالمية، وبالتالى فهو من أفضل الأعمال التى تمت فيها صياغة الشخصيات الدرامية.

كما أن مسلسل «الحشاشين» يحتوى على رائحة التاريخ، سواء فى الملابس أو الصورة أو الأسواق، وهو من أفضل من رصد الحقبة التاريخية التى يتناولها، فهو مبنى بشكل صحيح، الأمر الذى يجعل المشاهد لا يمل منه.

والمسلسل أيضًا به إيقاع غريب، يجعلك تنتظر بلهفة الحلقة المقبلة، على الرغم من وفرة الأعمال الدرامية الأخرى فى الموسم الرمضانى، وهو يتميز بالدقة فى اختيار مواقع التصوير والملابس وكل الأدوات، الأمر الذى جعله من أفضل الأعمال التاريخية التى قُدمت فى الفترة الحالية.

■ كيف ترى أثر ذلك على الدراما التاريخية المصرية بشكل عام؟

- الدراما التاريخية المصرية عادت بقوة بإنتاج مسلسل «الحشاشين»، بعد أن غابت لفترة طويلة، فغالبية الأعمال التاريخية التى قُدمت كانت تدور حول شخصيات مثالية وعظيمة، ما أفقدها البُعد الدرامى، وجعلك تشعر بأنك أمام عمل لتمجيد هذه الشخصية، ومن بعد مسلسل «الزينى بركات» يعتبر مسلسل «الحشاشين» أول عمل درامى يرصد شخصية سلبية، ويتجاوز فكرة التمجيد المطلق للبطل محور العمل الدرامى التاريخى.

ولأنه من الضرورى أن تتم معالجة التاريخ من منظور الدراما، أطلب من كُتاب الدراما التاريخية، عند رصد الشخصيات الإيجابية، إظهار كل الجوانب الشخصية، سواء الإيجابية أو السلبية.

وكنت أرى ضرورة لأن تكون شخصية «نظام الملك» فى مسلسل «الحشاشين» لها مساحة أكبر، وهذا لسبب فنى، لأنه يجب أن تكون هناك أكثر من شخصية قوية فى العمل، ففى مسلسل «القاهرة: كابول» مثلًا كانت هناك ٣ شخصيات قوية جدًا، وكل واحد منهم يعبر عن فكره وتوجهه فى الحياة.

لذلك، كان يجب الحرص على وجود شخصيتين فى «الحشاشين» على نفس الدرجة من القوة، أو قريبتين منها، لكن للأسف شخصية «عمر الخيام»، كتابة وتمثيلًا، لم تكن على نفس مستوى القوة، وكان «نظام الملك» هو الشخصية القوية جدًا، والمفترض بها أن تحدث التوازن، فهو عكس «حسن الصباح» تمامًا، فهو رجل مع فكرة قوة الدولة فى مقابل من يريد تفتيت الدولة، وكان له دور كبير فى أن تكون الدولة السلجوقية أكبر إمبراطورية فى وقتها، بسبب اهتمامه بالعلم وتنظيم الدولة، وهو من أسس فكرة المدرسة فى العام كله، وكان نموذجًا لرجل الدولة الحقيقى فى مقابل الفوضوى، وكان يمكن تقوية دوره ويظل موجودًا فى المسلسل.

■ وجود بعض الملامح الإيجابية فى شخصية سلبية لا يبرر القول بأن الشخص جيد.. ما رأيك فى ذلك من واقع المسلسل؟

- أكبر فخ يمكن أن تقع فيه الدراما هو شيطنة مَن نختلف معهم، فنحن لا نشيطنهم بل نختلف معهم، ونفند أفكارهم وسلوكهم وعقيدتهم، لكنهم يمكن أن تكون لهم إيجابيات، وهذا ما نجده فى كل الشخصيات التاريخية الاستبدادية والمتطرفة، فيمكن أن تكون لديهم أشياء إيجابية وملامح إنسانية وكاريزما، وإلا فلن يكون لديهم أتباع حتى بعد وفاتهم.

والكاريزما ليست حكرًا على الشخصيات الإيجابية، بل على العكس، فإن الشخصية الشريرة أو المخرّبة يمكن أن تكون عندها كاريزما؛ لأن قوى الظلام لها جاذبية مثل قوى النور.

■ هل يمكن أن يقع الكاتب أسيرًا للشخصية التاريخية ذات الزخم والتأثير؟

- نعم، يمكن أن يقع الكاتب أسيرًا للشخصية التاريخية التى يكتبها ويضعف أمامها، فكتابة الشخصيات أحد عناصر الفن الروائى، لكن هناك عناصر أخرى، وعلى الكاتب عدم تغليب عنصر على الآخر، وهذا يمكن أن يحدث مثلًا فى اللغة، فيمكن أن تأخذ اللغة أكثر مما يحتمل الموقف، فيكون لدى الكاتب بلاغيات وصياغات وجمل فضفاضة، أو تكون اللغة أقل من التعبير عن الدراما، بالرغم من أن الشخصيات يمكن أن تكون عظيمة.

والحوار أيضًا أحد عناصر الفن الروائى، وكذلك الحبكة والإيقاع، وأحيانًا يمكن للكاتب أن يذهب مع الشخصية، وينسى أهمية العناصر الأخرى.

أما عن مسلسل «الحشاشين» فهو صناعة «ناس محترفة»، وإنتاج جماعى.

■ كيف قرأت باقى عناصر العمل؟

- التعامل مع النص فى مسلسل «الحشاشين» كان جادًا، وبه مجهود كبير جدًا، واختيار الممثلين فى معظمه «هايل» جدًا، لأن الدور الرئيسى احتاج لممثل عنده كاريزما، وهناك من رأى أن اختيار الفنان كريم عبدالعزيز للعمل هو سلاح ذو حدين، لكنه كان ممتازًا للدور، فهناك أفلام أو مسلسلات تحتاج إلى نجم كبير، لتجسيد دور البطل، الذى يمكن أن يكون سفاحًا.

■ هل نجح مسلسل «الحشاشين» فى تشجيع الجمهور على العودة إلى التاريخ؟

- مجرد إطلاق مسلسل «الحشاشين» بهذه الضخامة فى الإنتاج والتأثير الواسع يشجع الجمهور على العودة إلى التاريخ، وللأسف نحن علاقتنا بالتاريخ ضعيفة للغاية، والأمر يقتصر مع كثيرين على ما درسوه فى المدرسة فقط، والدراسة كانت حينها جافة وسطحية، لذا فنحن لا نعلم أى شىء عن تاريخنا، فالتاريخ هو الذى يتحكم فى الحاضر، حتى على المستوى الشخصى، فالماضى يتحكم فى الغد، ولن نستطيع فهم الفكر الانعزالى أو الفكر المتطرف، دون فهم هذا التاريخ بأكمله.

وبمجرد أن يقرر الناس قراءة هذا التاريخ، فإنهم سرعان ما تتغير ثقافاتهم بشكل كبير، وهذه واحدة من حسنات مسلسل «الحشاشين»، لأن فكرة هذه الطائفة لم تنته فى عصرها فقط، بل تطورت مع مرور العصور، ويمكن أن تتواجد بيننا الآن، لأن الأفكار يتم توارثها بشكل كبير، ولذا يجب العودة إلى التاريخ بشكل دائم، لفهم وإدراك ما يدور حولنا.

ومن خلال المشاهدة لحلقات المسلسل، يتبين أنه يجب علينا إدراك أن هذه الشخصيات ليست شرًا مطلقًا، ولكن لها جاذبيتها وتأثيرها وسحرها، وذلك أمر مهم للغاية، لفهم هؤلاء الناس.

فشخص مثل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، لم يكن شيطانًا، بل كان يظهر دائمًا بمظهر الشخص التقى، وله سحره وتأثيره الواسع، كما أنهم وجدوا فى مقتنياته مجلات إباحية، فهو إنسان ولديه رغباته وشهواته، ولكن فكرة شيطنة الناس أو تحويل الأشخاص إلى ملائكة وشياطين تجعلنا غير مدركين الصورة الكلية.

وتلك حسنة أخرى من حسنات مسلسل «الحشاشين»، لأنه لم يصور «حسن الصباح»، أو أى شخص من أئمة التطرف والعنف بشكل عام، على أنه شيطان مطلق.

■ ما رأيك فى انتشار ظاهرة «النُقاد الفنيين» عبر السوشيال ميديا؟

- هناك كتاب تمت ترجمته مؤخرًا فى مصر تحت عنوان «موت الناقد»، ناقش انتشار ظاهرة النقاد الفنيين فى كل مكان، وألقى الضوء على الناقد بمفهومه القديم، الذى كان مؤثرًا وكلمته تستطيع أن تهز الصناعة بشكل كامل وتحرك الرأى العام أيضًا، فضلًا عن انتظار القراء ما سيكتبه الناقد عن الأعمال الدرامية.

وأوضح أن مفهوم الناقد الفنى القديم لم يعد موجودًا الآن، سواء فى الأدب أو فى السينما أو الموسيقى، بل أصبح هناك نقاد تابعون للأكاديميات أو الباحثون فى الجامعات، وهؤلاء ليسوا مؤثرين على الإطلاق، وغالبًا ما يقدمون أعمالهم لغرضهم الشخصى فقط، أو للدائرة النخبوية المقربة منهم فقط.

وفئة الفنانين فى مصر إذا كتب الناقد الفنى شيئًا لا يثير إعجابهم فإنهم سرعان ما يطلقون عليه الحكم بأنه غير مطلع ولا يفهم شيئًا، وإذ كتب أمورًا إيجابية يصبح من ضمن أعظم الأشخاص على الإطلاق.

■ يعد مقالك بعنوان «من يشاهد ماذا؟» من أهم مقالاتك.. كيف ترى فكرة «تعدد الجمهور» لدينا حاليًا؟

- الفكرة هى أنه لم يعد لدينا جمهور واحد، سواء فى السينما أو الدراما، ففى صغرنا لم يكن هناك سوى قناتين فى التليفزيون، وبعدها أصبحت ٣، وكان هناك مسلسل واحد تشاهده مصر كلها، والعالم العربى أيضًا، ولم تكن هناك فضائيات، وكان هذا يناسب فكرة الذوق الواحد، وكانت الدولة مع الطبقة الوسطى السائدة فى المجتمع تفرض ذوقها، ويمكن أن تكون هناك هوامش، لكن فى النهاية هناك ذوق رئيسى موحد.

وكان ينتج عن كل ذلك ثقافة جماعية قريبة من بعضها أو موحدة، مع الإحساس بالهوية، وهذه إحدى وظائف الفن، ولكن حدثت تغيرات كثيرة فى العالم كله، وليس فى مصر فقط، وأصبحت هناك جزر منعزلة طوال الوقت، تعيش فى مجموعات افتراضية مع بعضها، ومواقع التواصل زادت من الاستقطاب والعزلة، ولو طرحت أى فكرة على مواقع التواصل ستجد ضدها فى نفس اللحظة.

كما كثرت أيضًا منافذ العرض من الكمبيوتر والتليفزيون والهواتف والمنصات، ولو دخلت أى بيت ستجد كل واحد يشاهد مسلسلًا فى مكان غير الثانى، وبالتالى فإن قياس تأثير الدراما على الناس يحتاج إلى فهم طبيعة الجماهير الموجودة حاليًا.