يسرى عبدالله: الكتابة عند الخميسى هى ابنه الضرورة الحياتية المعاشة
قال الناقد والأكاديمي الدكتور يسري عبد الله ، إن الكاتب المصري أحمد الخميسي يدشن مشروعه القصصي المغاير بلا صخب، حيث تتواتر نصوصه: قطعة ليل/ كناري/ رأس الديك الأحمر، أنا وأنت، ورد الجليد، وغيرها.
جاء ذلك في الندوة الثانية التي عقدتها مؤسسة الدستور لمنتدي "أوراق" للاحتفاء بالمشروع الإبداعي والفكري للدكتور أحمد الخميسي، في إطار محور (شهادات)، فضلًا عن مناقشة أحدث إصداراته (السندريلا والقديس) الصادر في القاهرة حديثا ( دار أطياف). ويشارك في المناقشة الروائية الدكتورة صفاء النجار، والكاتب والناقد الدكتور يسري عبدالله، وتدير اللقاء الكاتبة الروائية إنجي همام.
وتابع عبدالله: "تشيع العذابات الإنسانية المستقاة من واقع الناس وحيواتهم، في أعمال الخميسي القصصية، فالكتابة هنا ابنة الضرورة الحياتية المعاشة، والنص يجدل بين الواقعي والرومانتيكي، وإحساسات الفقد والغياب والبحث عن الونس والألفة محددات أساسية لعالم قصصي يرصده الكاتب، وهذا ما نجده في مجموعته القصصية اللافتة (أنا وأنت)، ويتجلى عبر خمس عشرة قصة تشكل متن النص.
وأشار إلى أنه بدءًا من الموت الذي يختطف الأحبة، فيحيل الحياة إلى محض ذكرى، ووصولًا إلى تلك العوالم المنسية بتفاصيلها الصغيرة، واختلاس البهجات العابرة، تنطلق قصة "أنا وأنتِ"، بجملتها المركزية المتواترة في المتن السردي "أنا وأنت"، لتشكل الفضاء النفسي للنص، فالسارد/ البطل يوجه خطابه السردي إلى مروي له محدد/ متخيل (امرأة هي نصفه الآخر)، مما يجعله في نهاية القصة لا يعرف حقًا من فيهما قد مات: "فقط لو تقولين لي من منا الذي مات ولم يعد يرى الآخر"، ويوظف الكاتب هنا ضمير المخاطب في السرد، فيمنحه قدرة أكبر على مساءلة العالم، والتعبير الجمالي عن مساحات إنسانية ونفسية مقموعة داخل الروح.
وعن مجموعته القصصية (ورد الجليد) قال يسري عبدالله: ثمة أزمنة مركبة ونوستالجيا لا تنتهي.
يتشكل المتن السردي للمجموعة من ثماني عشرة قصة قصيرة، تتسم بتعدد الأداء اللغوي، وتنوع صيغ السرد، وطرائق الحكي، وتتماس في جوهرها مع سؤال الزمن، وأنسنة الحنين، والذكرى التي تحضر بوصفها مركزًا للسرد، ولذا تسترجع الذات الساردة الزمن كثيرًا في نصوص المجموعة، وتتأمل مساراته، ومآلاته المتحولة.
وتوقف الناقد يسري عبدالله عند قصة "غلطة لسان" ولفت إلى أننا نجد أنفسنا أمام محاكاة تهكمية للواقع الثقافي، في قصة مبنية على المفارقات الساخرة، حيث ثمة كاتب عجوز تفصله ساعتان عن الموت، يجري حواره الصحفي الأخير مع شاب مغمور، يتلمس طريقه لعالم وسيع، وبفعل الزهايمر والذاكرة التي تراجعت كثيرًا.
يشير الكاتب العجوز- كما تصفه القصة- إلى الكاتب الرائد في جيله عبدالعاطي وهدان على أنه عبدالعال شعبان، وحينما يتذكر يكون الوقت قد فات، لأن ثمة ساعتين تفصلان بين الحياة والموت، بين الحضور والغياب، بين استحضار كاتب واختراعه اختراعًا، وتغييب آخر، ويصبح الاستدعاء لاسم كاتب وهمي محركًا للسرد، في قصة يبدو الزمن فيها مفصليًا ومركبًا، وتتأسس على آلية السخرية المنتجة للمعنى، عبر جملة من المواقف السردية والإشارات النصية من قبيل الإشادة النقدية الهائلة التي يتلقاها عبدالعال شعبان من الناقد المخضرم، والصلة العائلية التي ينتحلها شاعر شاب مع الاسم المخترَع، وإشاعته أن عبدالعال خاله، فضلًا عن الدعوات العبثية التي تتم للحفاظ على تراث الكاتب الكبير، في نص يتماهي مع واقعه، وتبدو لغته الفصحى، وحواراته المكتنزة دافعة لآلية السرد، وغير معطلة لها. وفي نهاية القصة يعود السارد الرئيسي إلى الحكي عن كاتبه العحوز الذي نسيه الجميع في خضم الاحتفاء بالاكتشاف للكاتب الوهمي.
أكد عبدالله أن ثمة ولعًا بالشحصيات الغائبة المحركة للسرد في قصص المجموعة، رأيناها في" غلطة لسان" عبر الشخصية القصصية "عبدالعال شعبان"، ونراها أيضًا في قصة "الشاهد"، هذا الشاهد الذي لا يجيء أبدًا، حيث ثمة غياب لذلك الشاهد الذي لم يزل يحتفظ بجدارة الإنسان.
وختم عبدالله تبدو "ورد الجليد" معنية بما هو إنساني، ومشغولة بتنويع القص، وجغرافيا السرد وعوالمه الممتدة بين فضاءات مختلفة تعد علامة على تلك الأمكنة المولعة بأزمنة ممتدة، ومركبة، ومسكونة بأنفاس البشر وهواجسهم، وأحلامهم المقموعة، وذكرياتهم التي لا تنتهي.