محمود الشربينى: قدرة عبدالرحيم ﻛﻤﺎﻝ على ابتكار الشخصيات وتوظيفها "لافتة للانتباه"
ثمّن الكاتب الصحفي محمود الشربيني، إطلاق منتدى "أوراق" عن مؤسسة "الدستور"، مؤكدا: "نحن في منتدى جديد نستبشر به خيرًا، صديقنا الناقد والكاتب المبدع الدكتور يسري عبدالله يضطلع بإدارته، ويدير دفته، وتدعمه مؤسسة الدستور، برئاسة الدكتور محمد الباز، وتقف وراء انطلاقته، فحرف الأدب والفكر يحوي في ثناياه السياسة بكل روافدها، ومن هنا يأتي منتدى أوراق ليكون كتابا شاملا في حياتنا الثقافية، بعد أن انتثرت في الهواء سطور كثيرة غثة وحروف كثيرة ملغومة، وأفكار تقود إلى الظلام بدلا من أن تنشر النور وتقاوم العتمة التي أؤكد أنني نصيرها في كل مكان، وفي كل ملتقى".
جاء ذلك في أولى فعاليات منتدى "أوراق" للدكتور يسري عبدالله، بمناقشة رواية "موت العالم.. المعروفة شعبيا بمذكرات محمود غزالة" للكاتب الروائي والسيناريست عبدالرحيم كمال.
وأضاف الشربيني: "من اللافت للانتباه أننا نلتقي اليوم على ضفاف الكاتب المبدع عبدالرحيم ﻛﻤﺎﻝ، الذي يعيدنا إلى عصر الأفكار المبتكرة واللامعة، وإلى زمن الكتابة الجميلة المغموسة في نهر الشجن والعذوبة والعذاب أيضا، لتبين لنا أين نحن وإلى أين".
قال "الشربيني" إن عبدالرحيم ﻛﻤﺎﻝ في "موت العالم" يبدو لنا بكامل أناقته الذهنية والفنية، من الفكرة المبتكرة إلى خلق مشاهد وسيناريوهات جديدة كل الجدة، لم يسبق أن ابتكرت شخصية مثل شخصية محمود غزالة، الذي يحاور الناس من قمة الجنون بقمة العقل، ولديه مثل هذه الحلول الراديكالية التي تبدو عقلانية جدا، إنه ينقذهم على طريقته، بتخليصهم من حياتهم المعذبة، يقولها بثقة واطمئنان ويبدو أنه الحل الملائم للإنقاذ في هذا العصر، وحوار عبقري بين محمود غزالة السجين المتهم بالقتل وربما الهذيان والجنون مايستدعي طلب القضاء عرضه على طبيب نفسي ليقرر ما إذا كان يهذي وليس مسئولا عن أفعاله أم أنه سيد العاقلين ومجرم قاتل يسأله الطبيب "قتلته ليه ياغزالة؟".
ويستطرد: “يرد غزالة الصاع صاعين للطبيب، ويرد الاتهام والمسئولية للطبيب نفسه حين يقول بحسم، وأنت ماقتلتوش ليه يادكتور؟، قتلت مين؟، قالها الطبيب ضاحكا رغما عنه، فيرد غزالة في ثبات وتفكر كل واحد طلب منك إنك تنقذه، كل بني آدم استنجد بيك، هو إحنا مفروض نقتل كل واحد استنجد بينا؟، هز غزاله رأسه موافقا: ”لو كانوا بيستنجدوا بينا لإنقاذهم من الحياة الميتة".
يتابع: “هنا جوهر القصة والصراع كما يتجلى في ردود محمود غزالة، أن هذه (حياة ميتة) ويجب أن نخلص منها كل من يستنجد بنا ويستغيث للتخلص منها”.
قال: "احترت في كيفية الكتابة عن الرواية، ولكني وجدت الحل فيها، فليس هنا ما يمكن في هذه الحالة أهم من أن تكتب مشاعرك، تماما كما هذا السجين الذي افتتحت به الرواية سطورها والذي لم يمل من قراءتها للمرة الثانية والسبعين، فقد ورد على لسانه أنه (يتمنى لو امتلك ورقة وقلما ليكتب عن مشاعره تجاه ما يقرأ من أحداث يهتز لها كيانه)".
وذهب الشربيننى إلى أن ما اختلف معه حقا هو بضع سطور في صفحة 6، أي في وقت مبكر جدا من انطلاق سطور الرواية، يتحدث فيها قارئ الرواية أو السجين (أو المؤلف على لسان السجين) حيث يقول “قد يظن أحدنا أن تلك الرواية رواية قيمة مليئة بالحكمة وزاخرة باللغة الراقية وفنون السرد الخلابة وتملك رؤية للعالم وقضاياه الكبرى، وأن من كتبها هو أحد الأدباء ذوي الذائقة العالية من أولئك المنسوبين إلى الطبقة العليا من الكتاب، (لكن ذلك كله ليس صحيحا!)، أختلف مع الكاتب فالصحيح فقط هو أن المؤلف ليس من الأدباء المنسوبين إلى الطبقة العالية من الكتاب، (وهذا ربما إلى حين، وهذا الحين هو كما يبدو في الرواية في أثناء قراءة عيسي (اللي هو سعد) الرواية لسوزان (اللى هي فوزية)، لأننا في نهاية الرواية نعرف أن المؤلف أصدر روايات كثيرة حققت مبيعاتها تزايدا، وأن روايته هذه التي يقرأها السجين هنا (موت العالم) استحقت وصف الناشر بأنه كاتب مجنون، وسنخمن هنا معنى الجنون عند الناشر وفهمه له أنه يقصد حتما أن جنون الكاتب يشير إلى ما نعرفه بأن الجنون فنون”.
يشرح: “لئن كانت رواية عادية في طبعة شعبية رخيصة فكيف ولماذا يلهث وراءها الناشر ويتحدث إليه في الثانية صباحا وكيف أقيم لها حفل توقيع وتقاطر الكثيرون أمام المؤلف ليتشرفوا بتوقيعه؟”.
يوضح: “إن كنت أظن أنه لا يقول عن رواية ملأى وحبلى بكل هذه الأفكار الرهيبة والمبتكرة عن العالم، إنها لا تملك رؤية للعالم أو تخلو من السرد الخلاب!، كان واجبا أن يقال كلاما آخر إذا كان ضروريا هنا بدلا من هذه السطور السبعة”.
وتساءل: “هو عبد الرحيم ﻛﻤﺎﻝ عاوز مننا إيه بعد ما صارحنا كلنا بحقيقة موتنا وإحنا أحياء، عاوز يقتلنا علشان نعيش ولا عاوزنا نقتل بعض علشان نرتاح ولا عاوز نفكر في حياتنا ونعيش عيشة كريمة من غير نفاق ولا فساد ولا استبداد ولا جبن ولا خوف وألا نختبئ دائما ورا كلمة الحمد لله؟”.
يستطرد: “مثلما استمتع السجين بقراءة الرواية 72 مرة كنت مستعدا أيضا أن أقرأها وأنا خارج الزانزنة بعدد مرات لا أعرف له رقما، لكن الذي لم أقبله هو أن الرواية لا تحمل رؤية للعالم ولقضاياه الكلية، فبماذا يمكن تسمية فكرة موت العالم؟، فقدان الإنسان معنى وجوده، الناس أحياء ولكنهم موتى على قيد الحياة؟”.
وختم الشربيني: “قدرة عبد الرحيم ﻛﻤﺎﻝ اللافتة على ابتكار الشخصيات وتوظيفها، من يمكن أن يتخيل شخصية فوزية؟، وكيف جاءت بلا توقع لشخصية كانت غير متوقعة أيضا، وهي شخصية مراقب المصنفات؟، سعد أو عيسى كما تسميه فوزية أو سوزان، والذي عرفنا في نهاية الرواية أنه مؤلف الرواية!”.