السيدة زينب بنت جحش.. زواج بأمر إلهي
كانت حياة العرب في الجاهلية تتسم ببعض الأعراف والتقاليد الراسخة منها المساواة بين الابن المتبنى والابن الشرعي في الحقوق والميراث وحرمة النسب، كما كانت العادات الاجتماعية تمنع زواج الموالي –العبيد- من الأحرار حتى لو تم اعتاقهم.
أراد الله سبحانه وتعالى أن يضع تشريعًا جديدًا وهو عدم اعتبار الابن المتبنى ابنًا له حقوق الابن الشرعي نفسها
في نفس الوقت كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرغب في القضاء على الفوارق الطبقية في المجتمع فرأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يزوج زيدًا بن حارثة ـ رضي الله من شريفة بني أسد، وهي ابنة عمته زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ليقضي على الفوارق الطبقية.
كان زيد بن حارثة من أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي اعتقه واعتبره ابنا له وكانوا يقولون زيد بن محمد
انطلق رسول الله ليخطب لزيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله: "بَلْ فَانْكِحِيهِ". قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُبِينًا}، فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله: نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي.
أراد الله سبحانه وتعالى ألا يكون هناك توافق بين السيدة زينب بن ححش وزيد بن حارثة وذات يوم أتى زيد إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- واستشاره في طلاقه من زينب بنت جحش فنهاه الرسول – صلى الله عليه وسلم- عن الطلاق لأنه هو الذي زوجها له، وقد استأذن زيد الرسول أكثر من مرة، فكان الرسول يرفض ويقول له: "أمسك عليك زوجك واتق الله"، ولكن زيد بن حارثة لم يطق معاشرة زينب بنت جحش من كثرة المشاكل معها لإحساسها بالتعالي عليه فطلقها.
كان الله عز وجل قد أوحى إلى نبيه أن زيدًا يطلق زينب، وأنه يتزوَّجها بتزويج الله إيَّاها، فأخفى الرسول ذلك في نفسه خشية أن يَلْحَقه قولٌ من الناس في أن يتزوَّج زينب بعد زيد، وهو مولاه، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له.
كان يقال: زيد بن محمد حتى نزل: { ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ } فقال: أنا زيد بن حارثة، وحرم عليه أن يقول: أنا زيد بن محمد، فلما نُزِع عنه هذا الشرف وهذا الفخر، أكرمه الله وشرفه بخصوصية لم يخص بها أحدًا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهي أنه ذكره باسمه في القرآن الكريم، فقال الله تعالى: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا }، وفي ذلك تعويض له من الفخر بأبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ له ".
كان خاطِبُ زينب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو زوجها الأول زيد، ليقطع بذلك ألسنة المتقولين، وما قد يزعمونه من أن طلاقها وقع بغير اختيار منه، وأنه قد بقي في نفسه من الرغبة فيها شيء.
ويوم زواج الرسول – صل الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش التي أتت الأوامر الإلهية بالزواج منها في سورة الأحزاب، وفي ذلك اليوم ذبح الرسول – صلى الله عليه وسلم- شاة وأطعم الناس بالخبز واللحم حتى يعلم الناس في كل أنحاء الجزيرة العربية أن تشريعًا جديدًا نزل من السماء يخالف ما هو معمول به في الجاهلية.
كانت زينب بنت جحش تفخر بأنها متميزة عن بقية نساء الرسول في ثلاثة أن جدها وجد الرسول – صلى الله عليه وسلم- واحد، وأن الذي زوجها هو الله سبحانه وتعالى، وأن السفير في هذه الزيجة هو جبريل عليه السلام. عن أنس - رضي الله عنه - قال: ( كانت زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ تفخر على أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول: زوَّجكن أهاليكن، وزوَّجني الله من فوق سبع سماوات ).
كانت زينب بنت جحش اسمها برة، ولكن الرسول – صل الله عليه وسلم- سماها زينب، وقد تزوجها الرسول – صلى الله عليه وسلم- بعد انقضاء عدتها من زيد بن حارثة في السنة الرابعة من الهجرة، أي عام 625م، وكان يوم زواجها عمرها خمسة وثلاثون عامًا.
من حسن أخلاقها أنه عندما استشارها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أشيع عن عائشة بعد حادثة الإفك، أنها اثنت على عائشة وقالت ـ: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عن عائشة إلا خيرًا
وقد قالت عنها عائشة: "كانت زينب هي التي تسامينني من أزواج النبي في المنزلة عند الرسول، وما رأيت امرأة قط خيرًا من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة" وقد كان معروفًا عنها الصدقة والإحسان طوال حياتها.
وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أم المؤمنين زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ هي أول زوجاته وفاة بعده، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (.. أسرعكن لحاقًا بي أطولكنَّ يدًا، قالت: فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وَتَتصَدَّق )
وصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ أول زوجاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفاة بعده، ودُفنت بالبقيع، فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين..