"من دروس الإسراء الفرج بعد الشدة" موضوع خطبة الجمعة اليوم 2 فبراير 2024
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 21 رجب 1445 هـ، الموافق 2 فبراير 2024، التي جاءت تحت عنوان "مِن دروسِ الإسراءِ الفرجُ بعدَ الشدةِ".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة اليوم 2 فبراير 2024
مِن دروسِ الإسراءِ الفرجُ بعدَ الشدةِ
21 رجب 1445هـ – 2 فبراير 2024م
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِه وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فلا شكَّ أنَّ الإسراءَ والمعراجَ رحلـةٌ فـريـدةٌ في تاريخِ الإنسانيةِ، ومعجـزةٌ ثابتـةٌ وراسخةٌ في وجـدانِ الأمـةِ، جـاءتْ تكريمًـا لـخـاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، وتسـريـةً عنـهُ ﷺ بعـدَ أنْ أصـابَـُه مِـن أذَى قومِـهِ وغيرِهِـم مـا أصـابَهُ، ذلـك أنَّـهُ ﷺ بعـدَ أنْ لقـيَ مِـن مشـركِـي مكـةَ في سبيلِ إبـلاغِ دعـوةِ اللهِ (عـزَّ وجـلَّ) ورسالتِهِ مـا لقـيَ مِـن الأذَى، خـرجَ إلى الطائفِ لعلّـهُ يـجـدُ عنـدَ أهـلِـهَا المؤازرةَ أو النصـرةَ، فكانُوا أشـدَّ أذَى وقسـوةً عليـهِ ﷺ مـِن بـنِي قومهِ، إذ سـلطُوا عليـهِ عبيـدَهُم وصبيانَهُم يرمونَـهُ بالحجارةِ حتـى سـالَ الـدمُ مِن قدميهِ الشريفتين.
وحينئذٍ توجهَ (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ) إلى ربِّهِ (عزَّ وجلَّ) بدعائِه الذي سجلَهُ التاريخُ في سطورٍ مِن نورٍ: (اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك).
وفي هذا الوقتِ العصيبِ يفقدُ نبيُّنَا ﷺ مَن يهونُ عليهِ المصاعبَ ويخففُ عنه الآلامَ، حيثُ ماتتْ زوجُهُ أمُّ المؤمنين السيدةُ خديجةُ بنتُ خويلدٍ (رضي اللهُ عنها) التي كانت بمثابةِ السندِ والنصيرِ له، كما فقدَ نبيُّنَا (صلواتُ ربِّي وسلامُهّ عليهِ) عمَّهُ أبا طالبٍ الذي كان يدفعُ عنهُ الأذَى بعلوِّ مكانتِهِ بينَ القبائلِ ورفعةِ شأنِه، وكان ذلك كلُّهُ في عامٍ واحدٍ سُمّيَ بعامِ الحزنِ.
وهنَا يتجَلَّى درسٌ عظيمٌ مِن دروسِ الإسراءِ والمعراجِ وهو أنَّ مع العسرِ يُسرًا، وأنَّ بعدَ الشدةِ فرجًا، وأنَّ المحنَ تتبعُهَا المنحُ، وأنَّ النصرَ مع الصبرِ، فقد جاءتْ معجزةُ الإسراءِ والمعراجِ في وسطِ هذه الظروفِ العصيبةِ والمحنِ القاسيةِ، لتتجلَّى رحمةُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) بنبیِّهِ ﷺ، فإنْ كان قد جفاهُ بعضُ أهلِ الأرضِ فقد حباهُ ربُّ الأرضِ والسماءِ، فجاءتْ معجزةُ الإسراءِ والمعراجِ تفريجًا للكربِ، وشرحًا للصدرِ، وتسريةً عن الرسولِ الأكرمِ ﷺ، وتكريمًا لهُ ولأمتهِ، وللهِ درُّ القائل.ك:
سريـتَ مِـن حـرمٍ لـيـلًا إلى حرمٍ * * كما سرَى البدرُ في داجٍ مِن الظلمِ
وبتَّ ترقَى إلى أنْ نلتَ منزلةً ** مِن قابَ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
وقدمتْـكَ جميعُ الأنبياءِ بهَا * * والرسلِ تقديمَ مخدومٍ على خـدمِ
لقد كان نبيُّنَا ﷺ في رحلةِ الإسراءِ والمعراجِ على موعدٍ كريمٍ مع ربِّ العالمينَ ليختارَهُ دونَ سائرِ الخلقِ، فيكرمهُ على صبرهِ وجهادهِ وتحملهِ المحن، ويطلعهُ على عوالمِ الغيبِ، وهذه نعمةٌ عظيمةٌ ومنحةٌ جليلةٌ، ودرسٌ عظيمٌ لكلِّ مَن يتعرضُ للشدائدِ والمحنِ، أنّهُ إذا صبرَ فإنَّ اللهَ (عزّ وجلّ) سيكرمهُ بالعطاءاتِ الإلهيةِ والمنحِ الربانيةِ.
**
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
إنَّ القرآنَ الكريمَ والسنةَ النبويةَ المشرفةَ مفعمانِ بالأملِ والتفاؤلِ، فإنَّ مع العسرِ يسرًا، ومع الشدةِ فرجًا، ويقولون: اشتدِّي أزمةُ تنفرجِي! فمهمَا اشتدتْ الصعابُ فلا تيأسْ، إنْ كنتَ مريضًا فتذكرْ فضلَ اللهِ تعالى على أيوبَ (عليهِ السلامُ)، حيثُ كشفَ اللهُ تعالى ضرَّهُ، وشفَي مرضَهُ، وآتاهُ سؤلَهُ وزيادةً، يقولُ سبحانَهُ: ﴿۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾.
وإنْ كنتَ في ضيقٍ فتذكرْ تفریجَ اللهِ تعالى كربَ يونسَ (عليهِ السلامُ)، حيثُ نجّاهُ اللهُ تعالى مِن ظلماتِ البحرِ، والليلِ، وبطنِ الحوتِ، فتحولَ العسرُ يُسرًا، والضيقُ فرجًا، يقولُ سبحانَهُ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، وإنْ كنتَ فقيرًا أو ذَا حاجةٍ فاعلمْ أنّهُ لن تموتَ نفسٌ حتى تستوفِي أجلَهَا ورزقَهَا، وثقْ في فضلِ اللهِ (عزّ وجلَّ) وكرمِه، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: ﴿۞ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾.
اللهُمَّ أنزلْ علينَا السكينةَ والرضا واحفظْ بلادَنَا وارفعْ رايتَهَا في العالمين.