رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السؤال الصعب.. هل اقتربت إسرائيل من وقف الحرب فى غزة؟

غزة
غزة

لا يزال القتال مستمرًا فى غزة دون الوصول إلى أى هدف؛ فإسرائيل بدأت حملة عسكرية ولديها كل الوقت والأسلحة والدعم فى العالم، وفجأة اكتشفت أن الوقت لا يعمل لمصلحتها والذخيرة تنفد بينما يرتفع عدد قتلاها يومًا بعد يوم، وظهر أنها لا يمكن أن تحقق أهداف الحرب التى رسمتها حكومة نتنياهو فى البداية، وهى القضاء على حماس وتحرير المخطوفين.. والآن لا توجد خطة منظمة لـ«اليوم التالى للحرب». وفى ظل الظروف السابقة، تتصاعد الدعوات الإسرائيلية من قبل الكُتاب والساسة، لوقف الحرب فى أسرع وقت، وتستعرض «الدستور» ما يحدث حاليًا فى إسرائيل، وترصد مؤشرات اقتراب نهاية الحرب ونهاية رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أيضًا.

ضغوط داخلية لافتقاد خطة لـ«اليوم التالى للحرب»

هناك عدد من الأمور من شأنها أن تضغط على إسرائيل لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، أولها أن الحرب فى غزة هى حرب دون مستقبل. فى بداية الحملة البرية على غزة كانت الآراء فى إسرائيل تتفق على ضرورة الدخول العسكرى البرى فى القطاع، وكان معروفًا أيضًا أن العملية البرية وحدها لن تحقق أهداف الحرب كما تريد القيادة، وهو القضاء على قدرات حماس العسكرية، وخلق وضع جديد يضمن عدم عودتها، وتحرير المختطفين، ويومًا بعد يوم يزداد اليقين بأن تلك الأهداف لن يتم تحقيقها بمعركة عسكرية فقط. وفى هذا الإطار، قال المحلل العسكرى عوفر شيلح، فى موقع القناة ١٢ العبرية: «فى حروب هذه الأيام، لا يحل احتلال الأراضى والسيطرة vعليها المشكلة، بل قد يفاقمها ويطيل عمرها، كما حدث مع إسرائيل فى لبنان، ومع الأمريكيين فى العراق. يجب أن نعلم متى علينا تغيير طريقة عملنا والخروج من معظم الأراضى وتجهيز خطوط دفاعية، ومن هناك ندير حرب استنزاف مستمرة تمنع العدو من العودة والنمو».

وأضاف «شيلح»: «خط الدفاع الذى كان علينا السيطرة عليه هو محور فيلادلفيا، ولم نسيطر عليه بسبب التفكير المحدود وعدم وجود إبداع لدى القيادة العسكرية، والآن، لن نسيطر عليه بسبب معارضة المصريين، وبسبب خطر تدفّق مليون لاجئ من رفح إلى الأراضى المصرية».

وأوضح أن الأزمة الحالية هى أن التحرك العسكرى يجب أن يكون جزءًا من خطة سياسية واضحة «لليوم التالى»، وأيضًا من أجل تحقيق هدف الحرب. من جهته، رأى محلل الاستخبارات الشهير رونين بيرجمان، أن الحرب العسكرية الطويلة خلقت بالفعل أزمة لدى حماس فى ثلاثة مجالات؛ دفعتها إلى القتال والحاجة لجمع كميات أكبر من الوقود والغذاء تمكنها من الاستمرار، وأزمة قتل المدنيين، التى حتى لو كانت تصب فى صالح حماس بكسب التعاطف الدولى، إلا أنها تزعج حماس أيضًا. وأضاف «بيرجمان»: «حتى لو لم تتوقف المعركة واحتلت القوات الإسرائيلية جزءًا من القطاع، فإن أحدًا لا يمكنه أن يضمن بأن هذا سيحقق الأهداف، كما أن الجيش الإسرائيلى قال إن أمامه سنتين حتى يكمل هذه الخطوة، وذلك دون أن يشرح على الإطلاق ماذا سيحصل للمخطوفين فى هذا الوقت.. هدفان متعارضان».

وأوضح أن إسرائيل ليس أمامها إلا أنها تنجح فى أن تصل لابتكار يسمح لها بكشف الشبكة المعقدة الهائلة للأنفاق، فتصل بذلك إلى السنوار دون أن يصاب المخطوفون بأذى، فيضطر السنوار تحت الضغط لأن يوقع على صفقة يمكن لإسرائيل أن تقبلها.

صفقة تحرير الرهائن تلقى معارضة من قبل اليمينيين

من الضغوط التى تواجهها إسرائيل أيضًا، قضية تحرير رهائن عبر صفقة كبيرة تتضمن وقف القتال، فالشارع الإسرائيلى يرى أن الأولوية لملف الرهائن قبل تحقيق الأهداف العسكرية فى القطاع، ويجرى الحديث عن صفقة تبادُل رهائن صغيرة، تضم كبار السن والمرضى والنساء والمصابين- جميعهم أحياء طبعًا- ومعلومات عن مصير القتلى، وفى المقابل تسمح إسرائيل بعودة السكان إلى شمال القطاع.

تطبيق هذا السيناريو سيثمر عن عملية إعادة إعمار عبر جهات دولية وقيادات محلية وموظفين تابعين للسلطة الفلسطينية، وسيضمن أن تكون الولايات المتحدة والشركاء الإقليميون جزءًا، بعد إيضاح نية إسرائيل أنها ستبحث مع السلطة الفلسطينية الموحدة، التى ستسيطر بعد تغييرات فى الضفة وإعادة الاستقرار فى غزة، حل الدولتين.

هذه الصفقة لا تزال تلقى معارضة من قبل اليمينيين وبعض التيارات الأخرى، التى ترى وقف إطلاق النار قبل تحقيق أهداف الحرب استسلامًا وهزيمة.

معارضو تلك الصفقة والداعمون لاستمرار القتال يفهمون أن استمرار القتال من شأنه أن يتسبب فى أن يُقتل المخطوفون فى ظروف ترتبط مباشرة بالمناورة البرية التى يفترض أن تنقذهم، كما تبين لدى القيادة فى الجيش الإسرائيلى والاستخبارات أن احتمال إنقاذ المخطوفين عبر العمليات العسكرية طفيف جدًا، فى ضوء الاستعدادات المتشددة من جانب حماس لكل إمكانية محاولة إنقاذ كهذه، والأوامر التى يبدو أنها صدرت لمن يحتجز الرهائن أنهم إذا شكوا للحظة بمحاولة إنقاذ، فإن أول ما سيفعلونه هو قتل المخطوفين، دون حساب، دون تفكير فى إمكانية التفاوض. موضوع المخطوفين لم يكن فى البداية على رأس سلم أولويات الكابينت الحربى، لكنه بعد ضغط جماهيرى شديد واحتجاجات أهالى المخطوفين، أضاف «كابينت الحرب» سرًا موضوع المخطوفين كهدف ثانٍ للحرب. وبعد وقت قصير من ذلك، بدأ أيضًا الحديث عن أن الخطوة البرية ستساعد فى تحريرهم. أما عمليًا فيحتمل أن يكون حصل العكس- فاستخدام هذه الذريعة أتاح إطالة مدى المناورة، وفقًا لـ«بيرجمان».

وهناك دافع ثالث، هو رغبة إسرائيل فى الحفاظ على الدعم الأمريكى، فى الوقت الذى تحاول فيه واشنطن خلال الأيام الأخيرة أن تجد حلًا سياسيًا، وليس عسكريًا، للحرب فى غزة، وهو ما يجعل إسرائيل متورطة بضرورة أن تقوم بكل ما يجب القيام به للحفاظ على الدعم الأمريكى، وأن تنظّم خطة عمل مشتركة ومتفق عليها مع واشنطن. ووفقًا للمحلل ميخائيل هرارى، فى تحليله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإنه من الضرورى أن تتفق تل أبيب مع واشنطن لبدء مبادرة لإنشاء قوة تكون مسئولة عن نزع سلاح القطاع، إضافة إلى تشجيع اللاعبين الإقليميين والدوليين على تمويل إعادة الإعمار، وأوضح أنه على نتنياهو أن يمنح واشنطن تلك الفرصة، للتوصل إلى معادلة تؤدى إلى نهاية الحرب وتمنع التصعيد، على الرغم من عدم وجود ثقة بنتنياهو، إلا أن بايدن يريد تحقيق نصر سياسى فى الشرق الأوسط قد يساعده فى الانتخابات الأمريكية.

محللون: وقف إطلاق النار هزيمة ستشجع بقية أعداء الدولة العبرية

رغم الدوافع السابقة، هناك داخل إسرائيل من يرفض وقف إطلاق النار فى تلك المرحلة، ويرى ضرورة استمرار المعارك لحين تحقيق أهداف الحرب، لأن إنهاء الحرب الآن لا يعنى انتصار إسرائيل.

فى هذا السياق، علق المحلل والعسكرى السابق روى بن يشاى: «هناك ضرورة لتفكيك البنى التحتية العسكرية لحماس ومنع قيادتها العليا من مواصلة السيطرة على القطاع، ومحظور على الجيش الإسرائيلى أن يوقف الحرب ويخلى المنطقة تمامًا، لأنه هكذا حماس ستنجو مثلما يسعى يحيى السنوار».

وأضاف «بن يشاى»: «إذا نجح السنوار فى دفع الجيش الإسرائيلى للخروج من القطاع بينما هو ورجاله الكبار يبقون فيه، فإن كل مواطنى إسرائيل سيكونون مرشحين محتملين للاختطاف، لأن كل وكلاء إيران، وربما أيضًا داعش والقاعدة، سيفهمون أنه من خلال الرهائن يمكن هزيمة إسرائيل وإجبارها على التخلى عن مصالح سياسية وأمنية حيوية».

وأشار إلى أن وضعًا كهذا من شأنه أن يفقد إسرائيل الرد تجاه باقى أعدائها فى المنطقة، ورغبة الدول العربية فى تطبيع العلاقات معها ستقل، وأن وضع المخطوفين يمكن أن يُحسم من خلال الضغط على حماس، بينما تحاول حماس أن تضغط على إسرائيل لوقف الحرب وهى تستغل الخوف الإسرائيلى على حياة المخطوفين، وضغوط الرأى العام العالمى لوقف القتال دون أن تتحقق أهدافها، بينما لدى إسرائيل هناك ورقتان للضغط على حماس، أولهما القتال، فهذا هو الشىء الوحيد الذى ينهك الحركة، والورقة الثانية هى المساعدة السياسية والعسكرية من الولايات المتحدة، فالأمريكيون هم الوحيدون الذين يمكنهم أن يضغطوا على قطر كى تضغط هى بدورها على حماس وعلى المكتب السياسى للحركة المتواجد فى الدوحة، كى يتنازلوا.