نبيل عمر: شخصية المصرى مُعقدة جدًا ويصعب التنبؤ بسلوكه أو رد فعله
قال الكاتب الصحفى نبيل عمر إن ما طرأ على الشخصية المصرية خلال العقود الماضية هو بعض الصدأ فقط، ولكن فى وقت الأزمات ينفض المصرى هذا الصدأ، خاصة إذا تعلق الأمر بالوطن، لافتًا إلى أن تلك الشخصية عندما تشعر بأنها مقدرة وبأنه يتم التعامل بعدالة مع كل الناس بلا استثناء- فإن العملاق بداخلها يتحول ويصنع المعجزات.
وخلال الجزء الثانى من حواره مع الكاتب والإعلامى محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد»، على قناة «إكسترا نيوز»، ذكر نبيل عمر أن التراث يجب أن يتم احترامه، لكن ذلك لا يمنعنا من انتقاده والتعامل معه على أنه تفسير لزمانه ولتجربته الخاصة.
■ هل استسلمت الشخصية المصرية، أم أن التحديات أكبر منها؟
- مصر صاحبة الـ٧ آلاف سنة حضارة، والبعض يتخيل أنها المعبد والأهرامات والألوان المرسومة على الجدران، ولكنها جينات حضارية نتحرك بها، ولا فرق فيها بين أستاذ الجامعة وسائق التوك توك.
كل ما طرأ على الشخصية المصرية هو بعض الصدأ فقط، ولكن وقت الأزمات ينفض المصرى هذا الصدأ، خاصة إذا تعلق الأمر بالوطن.
«فريزر» هو قائد عسكرى، حارب فى كل بقاع الأرض وحارب فى أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وآسيا، ويعتبر نخبة النخبة فى العسكرية البريطانية، عندما جاء إلى رشيد، المصريون من الفلاحين وربات البيوت انتصروا عليه بأدوات المطبخ.
وأول رحلة صحفية للولايات المتحدة كانت عام ١٩٨٠، وكانت مصر وقتها تعانى أزمة الديون، وقتها اجتمعت مع رؤساء أقسام الصحف، الذين وجهوا لى سؤالًا حول «كيف تعيشون فى مصر؟»، وأنا أعرف كيف يعيش المصريون، خاصة أنهم يملكون ميزة التحايل على المعاش، التى لا يتصف بها إلا المصريون؛ لذا يقول المثل الشعبى «محدش بيبات جعان».
ظللت أشرح هذا المعنى فى نصف ساعة، لأن هذا جزء من عبقرية الشخصية المصرية، وهى أعقد شخصية موجودة فى العالم؛ لأنها على مدار ٦ آلاف سنة تعرضت لغزوات وهجرات وعوامل تعرية، فهى تجمع كل الصفات، وبعض الشخصيات تجمع التناقضات كمنتهى الكرم ومنتهى البخل، نرى مثلًا شخصًا يتحرش بفتاة غريبة، ولكنه يقتل شخصًا يتحرش بابنة منطقته.
يصعب التنبؤ برد فعل المصريين وسلوكهم مهما أقمت من دراسات، لأن المتآمرين عندما خططوا للربيع العربى، رسموا سيناريو لما سيحدث وأنفقوا عليه من ٢٠ إلى ٣٠ مليار دولار، ولم يحدث ما توقعوه، وما زالوا يعيشون فى صدمة؛ لأن الشخصية المصرية لا تستسلم، ولكنها قد تكمن أحيانًا.
حرب ١٩٦٧ هى أكبر هزيمة عسكرية فى العصر الحديث، وخسرت فيها مصر الجيش كاملًا فى ٦ ساعات، ومعركة «رأس العش» كانت فى أغسطس ١٩٦٧، والعقل المصرى ابتكر طريقة لإغراق الأرض؛ حتى تغوص الدبابات فى الطين ويتم اصطيادها.
حرب الاستنزاف كانت بعد عام واحد، وأعادت مصر بناء الجيش وتسليحه والإعداد والتدريب والتسليح، الذى كان أقل كثيرًا مما كانت تملكه إسرائيل من حيث الإمكانات، وعبرنا به أكبر مانع مائى فى التاريخ، وأقوى حصن بناه الإنسان فى العصر الحديث فى ٦ ساعات فى حرب أكتوبر، والغرب كانوا يقولون إنه لن يتم هدم الحصن المنيع إلا بقنبلة ذرية.
الجينات المصرية رأت أن الماء أقوى عناصر الطبيعة على الإطلاق، والعالم كله ظل يفكر، وكل الخبراء الاستراتيجيين لم يخطر فى بالهم أن المياه تحت خط بارليف هى التى ستحطمه. الشخصية المصرية عندما تشعر بأنها مقدرة وبأنه يتم التعامل بعدالة مع كل الناس بلا استثناء، فإن العملاق بداخلها يتحول ويصنع المعجزات.
■ موضوع الدين فى الشخصية المصرية.. كيف يكون عنصرًا إيجابيًا ومحفزًا، وكيف يتم استخدامه فى أحيان أخرى للتضليل؟
- الدين جزء من الشخصية المصرية منذ زمن، لأن المصريين شعب متدين ومرتبط بالدين، وهم أول ناس تكلموا عن البرزخ، ومن الخطأ عندما تكون متدينًا ومحافظًا ألا تستمع للحضارة الحديثة، لأن هذا من ضمن المفاهيم الخاطئة.
فى هذه الحالة، الناس تتبنى فكرة الخطاب الدينى من باب الصدمة، وتتحدث عن الأئمة والتراث بخطاب ملىء بالكراهية والعنف، فالطبيعى أن الشعب المصرى يأخذ موقفًا ضد هذا الخطاب.
عند الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، نقول إن الله سبحانه وتعالى جدد خطابه للبشر، بدليل نزول الأديان، فالجوهر واحد، ولكن الخطاب مختلف، فالتجديد صفة نكتسبها من الله، وفكرة الجمود فى الدين تناهض الطريقة التى أنزل الله بها الأديان على البشر، ويجب ألا ننتقد البحث فى مفاهيم بالدين، وهو اجتهاد بشرى استلهمه صاحبه فى الأصل لمحاولة تسهيل حياة الناس.
وتراثنا محترم، وعلينا أن نحترمه ونعتبره تفسيرًا لزمانه، وكيف كان التفكير فى هذا الوقت والمعرفة والتجارب المتاحة، ويجب ألا نهاجم هؤلاء الناس.
خطاب الكراهية يغذى مسارات التطرف، كما أن من يرفض فكرة تطوير الخطاب الدينى يعتبر أن الهدف تغيير الدين وليس المفاهيم، ويضعه فى فكرة محاربة الإسلام.
بمجرد أن تقول إنك تحارب الدين تخسر المجتمع، لأنه عليك أن تحترم هذه الثقافة وتصوبها وتصححها، وهذا كان وراء فكرة طرح كتابى «الشيطان وتجديد الفكر الدينى».
أنت تحتاج لفكر يقربك إلى الله؛ لأن الهدف من الدين التقرب إلى الله بالعبادة والتعاملات، فلماذا شرع الله الطلاق والزواج والحج؟، وكلها تعاملات مع البشر، والله يرشدك بأن الإنسان هو الهدف، لذا نريد أن نصل لمستوى أعلى من التعامل مع البشر، وهو عبادتنا لله، ومقصد الشريعة هو العدالة، عدالة مع الذات والآخر.
يجب ألا تكون هناك قطيعة مع تراثنا، ولكن لا يمنع أن ننتقده لأنه عبارة عن مفاهيم إنسانية، وتم شرحها بطريقتها وفقًا لظروفها، أما اليوم فالعقل البشرى تقدم جدًا عن هذا الزمان، بسبب الاكتشافات، والعقل لا يستطيع الوقوف عند النقطة التى وقف عندها هؤلاء العلماء، لأن هذا يدل على وجود أزمة.
■ ما رحلتك الخاصة فى فهم وتفسير آيات القرآن الكريم؟
- يجب أن نسأل أنفسنا دائمًا لماذا أشار الله فى القرآن الكريم إلى الحدود، ولم يذكرها ضمن العقوبات؟، وذلك ما تعمقت فيه من خلال قراءة النصوص القرآنية ومحاولة تفسيرها وشرحها، وعملت على ذلك من خلال ربطها بفكرة كلية، وهى العدالة، سواء مع نفسى أو مع الآخرين.
كل نص قرآنى يحتم علينا أن نتلمس فى كل تفسير له العدالة مع الذات ومع الآخر، فهذه هى القيمة العليا للدين، وذلك الأمر جعلنى أكتشف أشياء فى غاية الخطورة، وهى سهولة الدين الإسلامى، وأن القرآن الكريم ليس كتابًا صعبًا كما يتخيل الناس.
ما يتعلق بالتعاملات وعلاقتك بالله سبحانه وتعالى، هو أن تكون الألفاظ واضحة وتكاد تكون عصرية، ولا تمت لعصر الجاهلية إلا باللغة التى نزل فيها القرآن خلال تلك الفترة الزمنية، فالمفاهيم واضحة وكل الآيات شارحة نفسها، ولكن هناك من صعّب القرآن على الناس بهدف احتكار تفسيره، وذلك ضد منطق الإسلام بشكل كامل، فالتكليف فردى ومباشر، والمسلم مسئول عن دينه ومعرفته به، ولا يحاول أن يدلس على نفسه من أجل الوصول إلى غرض أو سلوك ما.
■ هل ترى أن النخبة المثقفة فى مصر لديها الوعى الكافى بشأن قضايا المجتمع؟
- لا نستطيع أن نضع النخبة المصرية بأكملها فى منطقة واحدة؛ لأنهم مختلفون بشكل كامل، فهناك نخبة مثقفة مصرية تعرف المصريين وأحوالهم جيدًا وتعيش معهم التفاصيل يوميًا، وهناك نخبة أخرى حققت نجاحات ومناصب واسعة جعلتها تبتعد عن الناس، فأصبحوا منفصلين عن طبقتهم الاجتماعية ولا يعلمون عنها شيئًا.
والمثقف الذى قطع علاقته بالناس لا يتحدث عنهم، فإذا كنت بعيدًا عن حياة المصريين داخل القرى والقطارات والمقاهى والحياة العامة لن تستطيع أن تصف أحوالهم وقضاياهم، فمن الضرورى أن تكون هناك علاقة مباشرة ومستمرة بينكم، وحبك لهم كما هم، هو الذى يحدد علاقتك بهم، وليس كيف تريد أنت.
دائمًا كنت أسأل نفسى حول أن مصر لديها العديد من الأدباء الكبار مثل عباس العقاد ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم، ولكن هل نحن فى حاجة إلى أن يكون هؤلاء فقط هم من يألفون الكتب؟، خاصة أنهم فعلوا ذلك فى التوقيت الذى لا يقرأ فيه ٩٠٪ من المصريين، ولذلك، كان تأثيرهم فقط فى الشريحة التى تعلمت.
هذه الشريحة التى تتلمذت على يد هؤلاء الأدباء لم يعطوا معارفهم التى اكتسبوها إلى ذويهم وأصدقائهم فى القرى والنجوع، ما جعل الجماعات الدينية تتوغل بكل أريحية وتنشر فكرها بين الناس.
■ كيف ترى أهمية المصلح الاجتماعى فى تغيير ثقافة المجتمع المصرى؟
- جزء كبير من تغيير الثقافة فى المجتمع المصرى منوط بالمصلح الاجتماعى، ونحن فى حاجة ضرورية إلى أن يتحول جزء كبير من خريجى «الشئون الاجتماعية» إلى مصلحين اجتماعيين، حتى يستطيعوا مخاطبة الناس وتغيير ثقافتهم وتعاملاتهم مع الحياة.
ولدينا فى مصر وحدات اجتماعية، ولها دور مهم للغاية مثل قصور الثقافة المصرية التى تعمل بشكل كبير على تغيير ثقافة المجتمع المصرى، فالوحدات الاجتماعية تستقبل العائلات التى تواجه مشكلات أسرية، ثم تعمل على حلها بين طرفى النزاع. ولدينا أيضًا مشرفون اجتماعيون داخل المدارس يعملون على حل مشكلات الطلاب، لذا يتطلب الأمر إنشاء وحدات اجتماعية داخل كل قرية ومركز وحى مصرى، حتى يتم إجراء مقابلات مباشرة مع المواطنين، والبحث عن حلول للمشكلات التى يتعرضون لها. دور هذه الوحدات سيكون مهمًا ومؤثرًا للغاية فى قضية الزيادة السكانية بشكل خاص؛ لأن رجال الدين يحثون المواطنين على كثرة الإنجاب، فى حين أن الحكومة تطالبهم بتحديد النسل، وذلك الأمر لن يتم حله إلا من خلال إخصائيين اجتماعيين يجلسون مع الأهالى ويتناقشون معهم حول هذا الأمر.
■ ما الفارق بين العام الدراسى فى مصر ودول العالم؟
- الحد الأدنى للعام الدراسى فى دول العالم ٢٠٠ يوم، ولكن الحد الأدنى للعام الدراسى فى مصر لا يتجاوز ٣ أشهر، لذا يجب أن يرتفع عدد الأسابيع الدراسية فى مصر إلى ٣٨ أسبوعًا على الأقل، وأتوسل إلى كل من يهمه الأمر أن يفعل ذلك الأمر بأسرع شكل ممكن.
العام الدراسى فى ألمانيا لا يقل عن ٤٠ أسبوعًا، وفى اليابان أيضًا نفس الأمر، ولكن الوضع فى مصر أقل من ذلك بكثير، فالتعليم إحدى وسائل تربية العقل للطلاب الصغار، ويتطلب ذلك فترة كافية يتلقى فيها العقل المعلومات بشكل كامل، وليس المعرفة فقط.
هذا الأمر سيساعد الأجيال القادمة فى التعليم العلمى المنظم، ولن يكون هناك تفكير عشوائى، لذا نأمل أن يتم النظر إلى هذا الأمر بشكل ضرورى من الحكومة المصرية فى الفترة المقبلة.
■ هل ترى أن الديمقراطية هى طريق الإصلاح للمجتمعات أم العكس؟
- لا أعرف مجتمعًا على كوكب الأرض كانت الديمقراطية هى طريقه إلى التقدم والحضارة، فالديمقراطية هى مرحلة لاحقة لمشروع نهضة أو إصلاح، وعلى سبيل المثال، دولة بريطانيا لم تصنعها الديمقراطية، فانتخاب النساء فى الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا لم يكن موجودًا حتى أوائل القرن العشرين.
والعدالة هى أهم من الديمقراطية، فالحكومات يجب أن توفر أولًا العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص حتى تستطيع السير نحو الإصلاح، فالشعب الذى يعانى قلة الاحتياجات أو الضغوطات المستمرة لا يجب أن نعالج أزمته بالبرامج السياسية التى لا يعلم عنها شيئًا من الأساس.
وحين أجرى الرئيس الراحل حسنى مبارك تعديلًا دستوريًا فى الانتخابات الرئاسية، كنت أزور قريتى فى ذلك الوقت، وسألتنى امرأة عن مدى علاقة المشاركة فى انتخاب رئيس الجمهورية بانخفاض الأسعار فى الفترة التى تليها، فالسياسة بشكل عام لا يفهمها أغلب الشعب، ولكن هناك أمورًا أكثر أهمية ترتبط بحياته.
على سبيل المثال أيضًا، التطور الطبيعى لمستوى معيشة الأفراد وزيادة وعيها فرض بالإكراه فى الصين، فالديمقراطية نتاج لإصلاح الدول وليس العكس، ويجب أن تكون هناك حرية رأى وتعبير؛ لأن صدام الأفكار هو الذى يولد شرارة الحضارات، ولكن يجب التأكيد دائمًا على أن الديمقراطية لا تأتى بقرار، وإنما هى سلوك للحياة بشكل عام.
■ كيف ترى أهمية العقل والعدل لاستعادة الشخصية المصرية حيويتها؟
- العقل والعدل هما دعامتان أساسيتان لكى تستعيد الشخصية المصرية حيويتها وانطلاقها مرة أخرى، فالعقل يتضمن الوعى والإدراك والثقافة، والعدل يشمل الطاقة الكامنة التى تخرج من المجتمع وتحثه على العمل بجدية وإخلاص طوال الوقت.
■ من وجهة نظرك.. كيف ترى مفاهيم القرآن فى حالة الجهاد والقتال؟
- اكتشفت أنه لا يمكن فهم القرآن الكريم كآيات أو سور منفصلة، فالقرآن نص متكامل له مفاهيم كلية، وتصدر عنها مفاهيم جزئية، وعلى سبيل المثال فى حالة الجهاد والقتال التى ترتبط بمفاهيم كلية، كما ورد فى القرآن: «إن الله لا يحب المعتدين»، والتى تحكم كل مفاهيم القرآن فى هذه الحالة.
جميع آيات القتال فى القرآن الكريم تدعو فى خواتمها إلى السلم والعفو، وألا تكمل فى القتال إلا إذا أصر عدوك الذى يعاديك واعتدى عليك على مدوامة هذا القتل، ولا تعتدى بأى شكل من الأشكال، ولا تبرر اعتداءك بحجج من أجل الهجوم، لأن الكلمة التى وردت فى القرآن قاطعة.