رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الليمان


فيه حد سخيف مرة كتب إن القرآن ما ذكرش السجن إلا في مصر، ومقولته دي اتنشرت بـ طريقة عجيبة. الكلام دا كان منذ ما يقرب من عشرين سنة، وبقى الموضوع دا تريند وقتها، وكركركركر.
كان القصد ساعتها إن مصر مشهورة بـ السجون من زمان، والمقولة فيها تلقيح ورمي بلا، إضافة لـ الاستظراف اللي فيها، لكن ما علينا، مش دي قصتنا.
طيب، القرآن ما اتكلمش عن العالم كله، اتكلم في نطاق المعروف لـ العرب، أو حتى المعروف من بعيد لـ بعيد، لـ إن دماغ العرب ما كانتش تستوعب استقصاء العالم في القرن السابع الميلادي فضلا عن تاريخ العالم كله، يعني الموضوع مش تخصيص السجن لـ مصر.
في هذا السياق الزمكاني، السجن علامة تحضر ومدنية، مش علامة قمع وقهر، أي والختمة الشريفة زي ما بـ أقول لك كدا. متهيأ لي  السجن أحسن كتير من العقوبات البدنية المباشرة، بـ ما يشمله من تقطيع أطراف وخلافه.
أيوه يا سيدي، السجن في مصر موجود من زمان الزمن، وأزيدك من الشعر بيتا، السجون بـ شكلها الحالي، وتقسيم العقوبات حسب الجريمة موجود في مصر الحديثة من زمان جدا جدا، وطول القرن الـ 19 كان عندنا حاجة اسمها الليمان، اللي المصريين بـ ينطقوها اللومان. 
كلمة الليمان تركية وأصلا "المينا"، زي ميناء الإسكندرية كدا، لـ إن الأتراك كانوا بـ يجبروا المساجين على العمل في المينا، إنما نظام الليمان في مصر كان مختلف، حتى لو استعار الاسم من الدولة العثمانية.
بداية من 1901، بقى عندنا في مصر أكتر من تقسيم لـ السجون والمساجين حسب القرار 24 لـ سنة 1901، واتقسمت السجون لـ تلات أنواع: ليمان، سجن عمومي، سجن مركزي.
توزيع المساجين على السجون دي كان بـ يخضع لـ نظام حاطاه نظارة الداخلية، وزي ما إحنا عارفين النظارة هو التعبير القديم لـ الوزير، والوزير كان اسمه ناظر.
الأهم هنا، تنظيم عملية تشغيل المساجين حسب نوع العقوبة، من هنا  بقى القاضي لازم يحدد نوع الشغل مع الحكم، السجن مع الأشغال الشاقة، يعني المسجون يشتغل في: استخراج الأحجار، أو نقل الأحجار، العمل في المحاجر، رفع المية بـ واسطة الترمبات أو إدارة العجلات.
السجن مع الأشغال (بس)، ما هو فيه الأشغال الشاقة، وفيه الأشغال حاف، اللي هي أعمال تحتاج قدرا أدنى من الجهد البشري. والأشغال حاف يعني المسجون يشتغل في: عمليات الحفر والردم، وعصر الحبوب لـ استخراج الزيوت، أو الاعمال الفنية والصناعية، والأعمال اليدوية، أو أشغال الحدائق العامة.
طيب، هل كان كل الحبس يلزم معاه أشغال؟ لأ، كان الحبس المخفف من غير شغل. وصدرت لايحة السجون بـ تاريخ 9 فبراير 1901، المواد من 66 لـ 72، بـ تحدد نوع كل شغل ومدته بـ حيث تبقى مدة الشغل 6 ساعات يوميا بـ حد أدنى، والأشغال الشاقة حدها الأقصى 10 ساعات.
الفكرة هنا إنه العقوبات مش هدفها الانتقام من مرتكبي الجرايم، إنما كل حاجة وليها حاجة، وكل شنب وله مقص، وكل برغوت على قد دمه، إنما في النهاية كان صعب المواطن العادي يوصل لـ المرحلة دي من العقوبات، لـ إنه كان لازم تحصل تحقيقات دقيقة، ودا موضوع تاني.
المهم، بعد صدور لوايح السجون في مصر طلعت مقولة: لو اتحبست، هـ تقضي بقية عمرك تكسر حجارة في الجبل.
وتستمر الحياة