روديارد كيبلنج .. شاعر الإمبراطورية البريطانية وأسباب سوء سمعته
روديارد كيبلنج، الشاعر الإنجليزي والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1865، بمدينة مومباي الهندية، والتي كانت ضمن مستعمرات التاج البريطاني، يعد أصغر الحاصلين علي جائزة نوبل العالمية في الآداب، حيث نالها وكان في الواحدة والأربعين من عمره.
روديارد كيبلنج ورأيه في ميناء بورسعيد
رغم ما عرف عن روديارد كيبلنج، من تعصب لجنسه الإنجليزي، إلا أن رأيه في ميناء بورسعيد المصري، يدعو للفخر، خاصة وأن هذه الشهادة تأتي من مؤلف قصيدة “عبء الرجل الأبيض”.
حيث نصح روديارد كيبلنج، أصدقائه قائلا: إذا ما كان لك صديق كثير السفر والترحال ولا تستطيع لقاءه زو العثور عليه، فانتظره في ميناء بورسعيد فحتما ستجده في إستراحة بين محطات السفر علي رصيف ميناء بورسعيد.
من أبرز مؤلفات روديارد كيبلنج، روايته للأطفال “ماوكلي” أو “كتاب الأدغال”، والتي يتناول فيها حياة طفل رضيع يضيع في إحدى غابات الهند وتقوم قبيلة من الذئاب بتربيته. كما يتولى الدب تعليمه وتلقينه الدروس الحياتية والمعارف، أما الفهد فيعلمه كيفية العيش في الغابة.
أسباب سوء سمعة روديار كيبلنج
وفي تقديمه لرواية “كيم .. مغامرات صبي بحثا عن هويته في الهند”، والصادرة في نسختها العربية عن المركز القومي للترجمة، يذكر شيخ المترجمين الراحل دكتور محمد عناني أن اسم روديارد كيبلنج ارتبط بالإمبراطورية البريطانية في أوجها، حتي أصبح يوصف بأنه شاعر الإمبراطورية، كما ارتبطت كتابته النثرية، خصوصا رواياته وقصصه القصيرة بكل ما اتسم به العهد الاستعماري من مثالب، والاستعمار البغيض نفسه الذي عانت شعوب العالم الثالث ويلاته ردحا طويلا من الزمن، وتجرعت مصر نصيبها من هذه الويلات ما يربو علي سبعين عاما، فكان من الطبيعي أن تسوء سمعة ذلك الشاعر والروائي، وأن يوصم كل ما كتب بوصمة الاستعمار، وأن ينصرف عنه الناس، حتي في بلاده بناء علي هذه السمعة، وأن يتسابق المحدثون من أرباب النقد الثقافي إلي ذمه والهجوم عليه، حتي عندما يبدع أدبا عظيما من الناحية الفنية، وحتي حين تحول في النصف الأخير من حياته فعدل من مواقفه بعض الشئ.
ويضيف “عناني” عن أسباب سوء سمعة روديارد كيبلنج: وهكذا فنحن نواجه عندما نقرأ أي شئ كتبه روديارد كيبلنج تراثا هائلا من العداء له قد يمنعنا من تذوق أدبه، ويكاد يقصر نظرتنا علي موقفه الإمبريالي، ونشرع في قراءته، إن قرأنا أصلا، مستندين إلي أمثال هذه الأحكام المسبقة، ولا شك أن لبعضها ما يبرره، من دون أن نفصل الفصل الذي تقتضيه الموضوعية بين فن الكاتب وأفكاره، وذلك انجرافا منا في تيار النقد الثقافي أو ما كان “محمد مندور” يسميه النقد الأيديولوجي.
ويستشهد “عناني” بقصيدة روديارد كيبلنج “عبء الرجل الأبيض”، لافتا إلي أن عنوان القصيدة نفسه يمثل الفلسفة الاستعمارية التي تنبهت الشعوب لها منذ زمن طويل، إلا وهي أن الاستعمار واجب ملقي علي كاهل الرجل الأبيض، وأن هذا الواجب يقضي بنقل الحضارة إلي الشعوب المستعمرة التي تعيش في “وحشية”، وما دام ذلك واجبا فهو عبء يتحمله الرجل الأبيض، ومن ثم أصبح عنوان الفصيدة يمثل إدانة صريحة للفلسفة الاستعمارية الفاسدة، ناهيك بما يرد في أبياتها من مغالطات يؤسفني أن أقول إنها لم تنبذ إلي الآن نبذا تاما في عالم اليوم.
ففي عام 1899 أرسل روديارد كيبلنج إلي صديقه الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت نسخة من قصيدة عبء الرجل الأبيض، قبل نشرها يوم 4 فبراير من العام نفسه في صحيفة التايمز البريطانية، ويخاطب فيها الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب التي خاضتها عام 1898 مع إسبانيا وأدت إلي احتلال كوبا والفلبين، وكانتا من الممتلكات الإسبانية.
ويشدد محمد عناني علي: وهذه القصيدة التي تحمل عنوان “عبء الرجل الأبيض” أصبحت تغني بعض الباحثين عن الخوض في باقي إنتاج روديارد كيبلنج الشعري، فألفاظها صريحة، بخلاف الكثير من الفقرات الشعرية التي يوردها الكاتب في مستهل كل فصل من فصول روايته ــ كيم ــ إذ لا تتمتع كلها بهذه الصراحة في الحديث عن “الواجب” أو “العبء” الملقي ــ في نظر الإمبرياليين ــ علي كاهل الرجل الأبيض.