مواجهة جشع التجار.. الحكومة تتصدى للمحتكرين بحزمة من الإجراءات: حملات تفتيش دورية.. وعقوبات رادعة للمخالفين
يجب تفعيل دور المحليات ومفتشى التموين مع حملات توعية دينية
توفير رصيد كافٍ من السلع وتحديد الأولويات يمكن أن يساهما فى منع عمليات التلاعب فى الأسعار
تتخذ الحكومة عدة تدابير لمواجهة ظاهرة الاحتكار، منها تشديد الإجراءات الرقابية على الأسواق، وشن حملات موسعة على مدار اليوم بكل محافظات الجمهورية، تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى لضبط الأسواق.
وخلال السطور التالية، تستعرض «الدستور» مجهودات عدد من الأجهزة الرقابية والوزارات لضبط الأسواق، ومكافحة المحتكرين وتوفير السلع للمواطنين.
الزراعة: تخصيص منافذ متعددة للبيع وزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية
أكد الدكتور محمد القرش، معاون وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، المتحدث الرسمى باسم الوزارة، أن وزارة الزراعة تنفذ خطة الدولة بشأن توفير السلع الزراعية للمواطنين، من خلال زيادة وتطوير الإنتاج لزيادة المعروض فى الأسواق، وبالتالى خفض الأسعار.
وشرح أبعاد أزمة ارتفاع أسعار البصل، قائلًا: «مصر تزرع نحو ربع مليون فدان سنويًا، ويبلغ إنتاجها سنويًا بنحو ٣٫٥ مليون طن، وهناك وفرة فى الإنتاج، وكلف الوزير بالتنسيق مع وزارة التموين والجهات المعنية ومديريات الزراعة بالمحافظات، بتنفيذ حملات تفتيشية مكثفة على مفارش البصل، وحصر عمليات الممارسات الاحتكارية وحصر الكميات التى تم حجبها عن السوق».
وقال: «نفذت الحملات تكليفات الوزير بشن حملات على محافظات الجيزة والدقهلية والغربية، وتم رصد كميات من البصل، وتم تحرير محاضر بها بكميات بلغت ١٣٧ ألف طن».
وذكر أن الدولة حريصة على زيادة المساحة المزروعة لزيادة الإنتاج، وبالتالى زيادة المعروض من السلع، وتوفير منافذ كافية للبيع والتنسيق مع الجهات المعنية لمواجهة المحتكرين، وكذلك زيادة الإنتاج من المحاصيل الزراعية، من خلال الأصناف الجديدة، التى تعمل على زيادة القدرة الإنتاجية، ما يسهم فى زيادة المعروض من السلع، وبالتالى خفض الأسعار فى الأسواق.
وتابع: «أصدر وزير الزراعة تكليفاته لجميع الجهات العلمية والبحثية بالوزارة لإيجاد حلول علمية وتطبيقية لكل ما يخص قطاعات الزراعة، ما يعمل على تحقيق الأمن الغذائى».
بدوره، قال الدكتور فوزى أبودنيا، مدير معهد بحوث الإنتاج الحيوانى السابق، خبير الإنتاج الحيوانى بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، إن عدم استقرار الأسعار والارتفاعات التى تحدث فيها بصورة شبه يومية يؤثر سلبًا على دوران رأسمال التجار.
وأشار إلى أن القدرة الشرائية للتاجر من البضائع، انخفضت بشكل كبير، حيث لا يستطيع تحمل زيادات الأسعار التى تحدث من قِبل الشركات، لافتًا إلى أن ارتفاع أسعار بعض السلع الزراعية يرجع إلى بعض الممارسات الاحتكارية التى تتم من كبار التجار والمستوردين.
وواصل: «يقول عدد ليس بالقليل من تجار السلع الغذائية فى مصر إن استمرار تراجع حجم المعروض من البضائع، خاصة السلع الزراعية، نتيجة تخزينها واحتكارها من قِبل بعض من التجار الكبار يقف وراء الارتفاع المستمر فى الأسعار».
وذكر أن دور وزارة الزراعة هو تحديد مناطق الإنتاج الكثيف للمنتج الزراعى، من خلال مديريات الزراعة، وبشكل دورى بعد كل حصاد للمحاصيل، خاصة التى ينجم عن تخزينها مشاكل احتكار، ودور وزارة التموين يتمثل فى وضع خطط للتجميع والنقل والتسويق، من خلال المنافذ المسجلة المعتمدة والمرخصة وتحديد الأسعار شاملة هوامش الربح لكل سلعة على فترات منتظمة.
وتابع: «هناك دور للمحليات والمحافظين، إذ يجب أن يكون هناك اهتمام ودور واضح فى مراقبة الأسواق بتنفيذ الضبطيات القضائية، من خلال مفتشى التموين على مستوى مديريات التجارة وإداراتها المنتشرة فى كل مركز من المراكز بالمحافظة».
وواصل: «دور وزارة الأوقاف مهم، إذ يجب أن تنفذ حملة من خلال المساجد لتوضيح حرمانية احتكار السلع وتوعية أفراد المجتمع بمحاربة تلك الظاهرة التى تتفشى فى المجتمعات، التى تعانى مشاكل اقتصادية».
وذكر أنه على الجهات التشريعية تغليظ العقوبات الخاصة بالاحتكار وتخزين السلع للمتاجرة بها على حساب أقوات المواطنين، للحصول على مكاسب مادية نتيجة استغلالهم الظروف. وقال إن دور الأفراد والمجتمع يجب أن يكون إيجابيًا، بحيث يساعد فى الوقوف ضد هذه الممارسات السيئة التى تضر بالوطن والمواطن، حيث يجب نشر ثقافة المقاطعة والاستبدال، ويتعين على الناس الإحجام عن شراء المنتجات التى يشعرون بأنهم مخدوعون فى أسعارها.
«حماية المستهلك»: نناشد المواطنين الإبلاغ عن أى مخالفات عبر الخط الساخن
وجه إبراهيم السجينى، رئيس جهاز حماية المستهلك، بضرورة إحكام الرقابة والسيطرة على الأسواق، والتعامل بحزم وحسم مع أى مخالفات ضارة وغير منضبطة بحقوق المستهلك.
ولفت إلى أن الحملات الرقابية للجهاز ستتوسع بقوة فى الشارع المصرى خلال الفترة المقبلة، من أجل ضبط الأسواق لصالح المستهلكين، مشيرًا إلى أن ضبط الأسواق هو محور العمل الفترة المقبلة، لتحقيق التوازن والانضباط.
وتابع: «المواطن هو محور اهتمام أجهزة الدولة، والجهاز لن يدخر جهدًا فى اتخاذ أى إجراءات رقابية استباقية، من شأنها حماية وصون حقوق المستهلكين والتصدى بكل قوة لأى تاجر مخالف».
وأهاب بالتجار والموردين الإعلان عن أسعار السلع، وعدم المغالاة فيها، أو حجبها عن التداول خاصة الاستراتيجية منها، مضيفًا أنه سيتم تطبيق القانون حيال المخالفين بكل قوة وحزم، مناشدًا المواطنين الإبلاغ الفورى عن أى مخالفات، من شأنها الإضرار بحقوق المستهلك أو المغالاة فى الأسعار، من خلال الخط الساخن للجهاز.
وأكد «الحسينى» أن أزمة السكر مفتعلة وليس لها مبرر، خاصة أنه يتم إنتاج نحو ٨٥٪ من احتياجاتنا من السكر، وأن أكبر ٥ مصانع للسكر تابعة للدولة، وبالتالى لا توجد أزمة، لافتًا إلى أنه الفترة الماضية شهدت حجب كميات كثيرة من السلعة، وتمت مصادرة كل المضبوطات وطرحها فى الأسواق، وتحرير محاضر للمخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
«منتجى الدواجن»: لا بد من محاكمة المحتكرين عسكريًا
قال ثروت الزينى، نائب رئيس اتحاد منتجى الدواجن: «هناك تحديات كبيرة وتقلبات سريعة حاليًا، فى ظل التغيرات الاقتصادية، بداية من تفشى فيروس كورونا، مرورًا بالحرب الروسية- الأوكرانية؛ حتى الحرب على غزة مؤخرًا». وأضاف «الزينى» أن الفترة الحالية تعتبر فترة استثنائية تتطلب تعاملًا خاصًا وتشديد الرقابة على الأسواق لمواجهة الممارسات الاحتكارية، مؤكدًا: «إن لم تتوافر رقابة صارمة وقانون رادع ستزيد عمليات التخزين لتعطيش السوق وسترتفع الأسعار، لذا لا بد من إصدار تشريع استثنائى لتحويل المحتكرين إلى محاكمة عسكرية، خاصة أن عمليات التخزين والاحتكار تأتى فى وقت حرب».
شعبة الأرز: ارتفاع بعض السلع بسبب «العدوى» من باقى الأصناف
قال رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز بغرفة الحبوب فى اتحاد الصناعات، إن الحملات التفتيشية التى تشنها وزارة التموين خلال الفترة الأخيرة أسهمت فى توفير السلع، فضلًا عن مواجهة عمليات احتكار السلع فى السوق.
وأضاف «شحاتة» أن السلع التى تضبطها هذه الحملات يجرى ضخها فى السوق، ما يثمر زيادة المعروض، أى أن الأمر يصب فى صالح المواطن فى النهاية. وأكد أهمية وجود رقابة مشددة على السوق، ومنع كل من تسول له نفسه تخزين البضائع بغرض تعطيش السوق رغبة فى التربح على حساب المواطن. وأضاف: «بعض السلع يرتفع أسعاره عن طريق العدوى من باقى الأصناف، إذ يسعى كثيرون إلى رفع الأسعار رغبة فى تحقيق مكاسب، بالتزامن مع ارتفاع سعر إحدى السلع بسبب نقص المعروض أو ارتفاع السعر العالمى». ولفت إلى أن زيادة أسعار أصناف مثل البصل والأرز والسكر تنعكس على أسعار باقى السلع بالزيادة، ما لم يجر فرض رقابة تضبط السوق. كما أوضح أن توفير السلع بأسعار عادلة يستلزم، بجانب الرقابة، زيادة الإنتاج وتقليل حلقات التداول بين المنتج والمستهلك، ومرونة آليات العرض والطلب.
«رجال الأعمال»: توفير قاعدة بيانات محدثة تحدد معدلات الاستهلاك
قال مصطفى النجارى، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، إن عمليات الاحتكار فى السلع عادة ما تظهر وتختفى سريعًا وليست لها محددات معينة، إذ تختلف من وقت لآخر ومن سلعة إلى أخرى.
وأوضح «النجارى» أن احتكار السلع الاستراتيجية ظهر مؤخرًا فى السكر والأرز والحديد، مؤكدًا: «الدول والحكومات لا بد من أن يكون لها نظام محكم للتجارة الداخلية، وأن تكون لديها معرفة جيدة باحتياجاتها الأساسية من السلع وفقًا لحجم الاستهلاك الفعلى، خاصة فى السلع الاستراتيجية، وفى مقدمتها القمح والأرز وغيرهما التى تضم ١٤ سلعة غذائية أساسية».
وشدد على أهمية توفير قاعدة بيانات محدثة باستمرار تحدد معدلات الاستهلاك من مختلف السلع، وفقًا لعمليات الاستيراد والشراء من السوق المحلية؛ لضمان توفير السلع فى السوق وعدم حدوث نقص فى بعض السلع وتعطيش السوق، ما ينعكس على ارتفاع الأسعار ونقص المعروض.
وأشار إلى أنه فى حالة نقص المعروض ووجود فجوة بين الاستهلاك والإنتاج، يجرى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل هذه الفجوة بزيادة الإنتاج وتحديد أسعار للمحصول لضمان إنتاجه بكميات مناسبة لاحتياج السوق، فضلًا عن إعلان مناقصات لاستيراد السكر فى حالة نقص الإنتاج.
وشدد على أهمية أن تتبع وزارة التموين عمليات شراء كميات من الأرز من المزارعين فى بداية الموسم تتناسب مع احتياجات السوق والاستهلاك، لكى يكون لديها رصيد كافٍ لضخه فى السوق حال انخفاض المعروض.
وأشار إلى أن احتكار البصل ظهر لأول مرة فى السوق هذا الموسم، الذى جاء بالتزامن مع انخفاض الإنتاج وزيادة معدلات التصدير فى وقت سابق.
وأوضح أن مصر لديها استهلاك يقدر بنحو ٢.٥ مليون طن سنويًا من البصل، وهو يعادل متوسط ٦٠ ألف طن يوميًا.
وأضاف أن حصاد بصل محافظات الصعيد فى الوقت الحالى سيسهم فى خفض أسعار البصل خلال الأيام المقبلة، لافتًا إلى وجود كميات كبيرة من البصل فى السوق مخزنة، وما زالت السوق بحاجة إلى طرح كميات لحين ظهور الإنتاج الجديد من الموسم الأساسى.
خبير اقتصادى: تعميم البورصات السلعية فى مختلف المحافظات
أشار خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، إلى أن الحكومة تواجه صعوبة فى التصدى لكبار محتكرى السلع الأساسية، ما تسبب فى ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة فى السلع الغذائية الأساسية، مؤكدًا أن السوق ما زالت تواجه احتكارًا وتلاعبًا فى أسعار السلع الأساسية، خاصة السكر والأرز والبطاطس والبصل.
وأضاف «الشافعى»: «على الرغم من تحديد سعر البيع النهائى للسجائر للمستهلك، لم يتم الالتزام بهذا الأمر، فى ظل تلاعب التجار والموزعين فى المحافظات المختلفة، وبيع السجائر بضعف السعر المعلن».
وقال: «لا بد من إطلاق آلية لمجابهة الاحتكار وضمان توفير السلع فى الأسواق، وإعادة توازن أسعار السلع فى الأسواق، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، وتغليظ العقوبات على المحتكرين، وتنفيذ العقوبات التى ينصها القانون على كل المخالفين».
ولفت إلى أن عمليات الاحتكار وتخزين السلع تؤثر بطبيعة الحال بالسلب على الوضع الاقتصادى فى مصر، قائلًا: «آن الأوان لمجابهة هؤلاء التجار والمحتكرين والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بأسعار السلع وتعطيش السوق».
وشدد على أهمية إطلاق بورصات سلعية فى مختلف محافظات مصر، فضلًا عن التنسيق التام بين اتحاد الصناعات والغرف التجارية؛ حتى لا يستغل التجار والمصنعون أزمة «الدولرة» ورفع أسعار السلع والمنتجات بشكل عشوائى، ما يصعب معها السيطرة على السوق فى حالة غياب الأجهزة الرقابية.