جورج خضر مناديا بالتوبة قبل حلول عيد الميلاد المجيد: الاحتفال هو القداس
تستعد كنيسة الروم الأرثوذكس، كبقية الكنائس الغربية للاحتفال بعيد الميلاد المجيد يوم 25 من شهر ديسمبر الجاري. وعلى خلفية الاستعدادات، قال المطران جورج خضر، مطران كنيسة الروم الأرثوذكس، في تصريح له إن عيد الميلاد يقترب. ومَن حَفظَ هذا الصوم تهيأَّ له، ومن لم يحفظه حتى الآن فليبدأ اليوم، وفي كل حال نستطيع جميعا أن نتجه إلى المولود بحيث لا نترك صلاتنا ولا سيما صلاة الجماعة ايام الآحاد المتبقية وبحيث ننصرف الى قراءة الكلمة.
سمات القلب التائب
القلب التائب هو الذي يحتضن المسيح. ولذلك أَلِفَت الأجيال المسيحية ان تُنـهي صيام الميلاد باقتبال سر التوبة. القلب ينبغي أن يصير مريمًا أخرى، كما يقول القديس مكسيموس المعترف.
اذكروا ما قاله الملاك للرعاة: "ولد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب". فهل ولد لك انت شخصيا، ام الحادثة تخص البشرية بمجملها وانت غير معني؟ هل انت ملتزم الميلاد باعتباره عيدك الشخصي؟
كيف نسمع ان قبعنا في بيوتنا صباح العيد ولم نشترك في الذبيحة الإلهية بالكنيسة؟ اللاهـوت يقول ان الكنيسـة مدخل الى الملكوت، بمعنى أن اعضاؤها فيهـم ملكـوتيـون وفيهـم من نزل الى الجحيم ولا ينوي الخروج منها. اللاهـوتيون المدركون عمـق الارثوذكسيـة يقـولون ان الـمُأَلْوَه، اي الذي الله ساكنه، هو وحده ينتمي الى الكنيسـة، المؤمن الذي الله ملازمه ومَن كان الرب نفحته وقوته ومداه. اما الباقون فقد اختاروا ان يعيشوا بلا إله ولو حضروا قداسا او عمّدوا اطفالهم او تناولوا إكليل العرس. الكنيسة هي في الأخير هذا المـسيـح الحي الذي ينعشنا كل يوم ويقيمنا من الموت.
ليست لنا تحية ميلادية خاصة. الشعب الصربي استحدث تحية ويقول: "المسيح ولد" والجواب "حقا ولد". اذا لم نقلها نستطيع على الأقل اذا هنأنا احدا بالعيد او تقبلنا التهنئة ان نفكر بأننا نعايد بسبب ذلك وليس لأننا في مناسبة اجتماعية.
مسرات الدنيا، سهرة العيد، زينته ليست هي العيد، الأضواء الكهربائية في البلد ليست هي العيد. من أحب هذه الأشياء فلتكن له، ولكنها خارجية. العيد هو يسوع الذي نسمعه ويخاطبنا ويضع فرحه فينا.
الفكرة الأساسية في العيد عندنا انه ميلاد النور الإلهي في الجسد. "ميلادُك َ ايها المسيح إلهنا قد أَطلع نورَ المعرفة في العالم". هذا هو المحور وليس شيء آخر. لذلك رتّبناه عند بدء الموسم الذي ينمو فيه النهار ويتقلّص الليل. فلندخل في نهار السيد بقوة الايمان وتجديد المحبة.
نسب يسوع المسيح عند متى يبدأ بإبراهيم أبي المؤمنين. نحن إذًا مع المسيح في اكتمال التخطيط الإلهي القديم. والنسب عند لوقا يصعد إلى آدم ليقول أن يسوع مخلّص الجنس البشري كله وليس مرتجى اليهود وحدهم، ليقول أيضا أنه ملك الإنسانية المتوّجة به.
هناك شيء آخر يلازم العيد وهو ان يسوع كان صغيرا. كيف نترجم ذلك لأنفسنا؟ ليس في كنيستنا ابتهاج خاص بالأطفال، ولكن الذين جعلهم الله همه هم صغار النفوس، الأذلاء الفقراء المعذبون. هؤلاء يلازمهم الطفل الإلهي، يحملهم في قلبه.
ماذا نعمل نحن لنعزي المنكسري القلوب، المتروكين في الأرض الى عزلتهم، الذين لا يتمتعون بدفء العاطفة؟هذا هو العيد الذي يدفعنا الى ان نسعى اليهم. الميلاد تربيتنا على المحبة، هذه تمارسها في الحقيقة حولك، كل يوم، بدقة وفي رقة يسوع حتى يشعر كل هؤلاء انهم اخوة له. اي مخلوق تحتضنه انت احتضانا صادقا وفعالا تجعله يحس بأنه ليس بعيدا عن المسيح.
جاء المجوس الذين "فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرّا". وهذا كلّه رمز تكلّمت عنه المزامير. لم يبقَ من هذه الهدايا في حياته الا المرّ. هذا صورة عن الخلّ الذي قدّموه له على الصليب ولم يشربه. اللافت في سجود المجوس له انهم كانوا من عظماء القوم، ملوكًا او علماء. ان احتسبوك أنت كبيرًا في قومك او كنتَ مثقّفًا عميقًا فلستَ على شيء ان لم تكتسب تواضع المسيح، ان لم تقتنع انك به تتكوّن، ان لم تحاول أن تبلغ "فكر المسيح". ما عداه غواية ولو كانت مجدًا ساطعًا او علمًا غزيرا او جمال جسد. كل شيء يفنى أمام هذا الطفل الصغير المرمي في مذود. انه صنع مجده بدءا من هذا الوضع الحقير. وقد شرح ذلك الملائكة للرعاة: "المجد لله في العلى". ما عدا ذلك أمجاد يصطنعها الناس ليعظموا في عيون الذين يشبهونهم او من كانوا أدنى منهم.
لن تدخل سرّ المسيح ما لم تنزل عليك مزاياه. فإذا تمسحَن قلبك تدرك ما في قلبه، وعند ذاك يصير فكرك مسيحيا اي انك تصير في حدود بشريتك مستضيفا المسيح. بهذا تعرف انك وُلدتَ من السماء. فإذا ظهر عليك بمجده ورأى الناس وجهك مضاء بنعمته يحسّون وكأنهم رأوا وجه المسيح. ان أردت ذلك كان لك ميلاده ميلادا لك كل يوم، وكانت كل سنة لك سنة جديدة.