الروم الأرثوذكس يحتفلون بعيد حبل القديسة حنّة بالعذراء مريم
تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس، بعيد حبل القديسة حنّة بالعذراء مريم، وبهذه المناسبة أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمي في مصر، ووكيلها للشؤون العربية، نشرة تعريفية قال خلالها إنه كان يواكيم حِنّة، والدي مريم العذراء شخصان باران، يعيشان في مدينة الناصرة. وكلاهما من جيل الملك داود، وكان لهما نسب ملكي.
كانت القديسة حِنّة والدة السيدة العذراء مريم من سبط هارون، وكان والدها كاهنًا ويدعى مثان، وكان كاهنًا في عهد كليوباترا. وكانت والدتها تدعى مريم.
وكان لدى حِنّة شقيقتان إحداهما تحمل نفس اسم والدتها مريم والآخرى اسمها صوفيّا، تزوّجتا كلاهما في بيت لحم. مريم ولدت سالومي القابلة، وصوفيّا ولدت أليصابات أم النبي يوحنا المعمدان. وحِنّة لدت مريم العذراء في الناصرة، أمّا يواكيم فكان ابن فاربافير من سلالة ناثان بن داود.
تزوجت حِنّة البالغة من العمر عشرين عامًا من يواكيم البالغ من العمر ثلاثين عامًا، واستقر العروسان في القدس. وكأي زوجين جديدين، كانا ينتظران بفارغ الصبر ولادة طفل يكمل سعادتهما.
لكن هذا الطفل كان بطيئاً في القدوم، رغم أنهما كانا ينتظرانه بفارغ الصبر؛ لأن حنّة كانت عاقراً. هذا العُقر سبب لهما حزن وضيق ليس فقط لأنه من المفترض أن يتكمّل الزواج بالإنجاب. بل كذلك لأن، في تلك الأيام، الناس كانوا يعتبرونه عار، فكان الذين ليس لديهم أطفال محتقرين ومنبوذين في كل مكان.
ذلك أن، في ذلك الوقت، الشعب اليهودي كان في انتظار المخلص الذي سيأتي من نسل داود. وكان يُظن أن الله لم يبارك بعض الناس بإنجاب الأطفال لأنهم لا يملكون النعمة. وفي نظر الكثيرين من اليهود أن العُقر لعنة أو تخلياً من الله.
بالطبع ليس هذا هو الحال، فالله وحده هو الذي يعلم قيمة كل شخص ولا ينبغي أن نحكم عليه مطلقاً من خلال بعض الأحداث التي نراها.
مرت السنوات، مرت عشر أو عشرين سنة، ولم يسمع بعد ضحك وصوت طفل في منزلهما. صلى يواكيم وحِنّة بتواضع وبإيمان كبير بالله وطلبوا بالدعاء ما تمناه. ولم ييأسان رغم مرور السنين. وها هما يمضيان أربعين سنة على الترقب.
أربعون عامًا أصبح إيمانهما أقوى من الزمن ورجاؤهما بالله لم يفتر، عسى أن يرزقهما بطفل، ليضُمّناه بين ذراعيهما، ويملأ بيتهما بحضور طفل جميل يهدونهما إليه.
تحول شعرهم إلى اللون الأبيض، وكانت حِنّة في الستين من عمرها ويواكيم في السبعين، بإيمانهما وصبرهما اللامتناهي، وما زالا ينتظران المعجزة. لأنهما آمنا أن الله يستطيع أن يتغلب على قوانين الطبيعة ويعطيهما طفلاً حتى في سن الشيخوخة، لأنه هو الخالق.
كان من عادتهما أن يزورا أورشليم في الأعياد العظيمة، ففي عيد تجديد الهيكل جاء يواكيم مع بعض مواطنيه ليقدّم فيه قرابينه إلى هيكل سليمان وانتظر أولاً في طابور الحجاج. فقال له رجل من سبط راؤبين: «لماذا تريد أن تقدّم قرابينك قبلي؟ أفلا تعلم أنّك غير مستحق لأن تقدّم معنا قرابين لأنّك لم تقم ذريّة في إسرائيل؟».
رجع يواكين إلى آخر الصف، وعندما تقدم وقدم قرابينه إلى رئيس الكهنة ايساخر رفضها، قائلاً له: «أنت غير مستحق لأن تُقبل منك قرابين لأنّك غير مثمر، فلا ريب في أنّك لم تنل بركة الله بسبب خطاياك الخفيّة».
عاد يواكيم إلى منزله وهو يتألم أكثر، وقال لزوجته الصالحة حِنّة: "ألم عدم الإنجاب ثقيل. علينا أن نثابر على الصلاة والصوم لئلا يسمع الله لنا. ستبقي هنا في المنزل وتخوضي معركتكٍ. وأنا سوف أصعد إلى الجبل وأقاتل هناك. وإذا أعطانا الرب طفلاً، فإنه سيكون له وسنقدمه له مرة أخرى". هام على وجهه إلى البريّة مغتمًا جدًا، وانصرف إلى رعاية قطيع غنمه وهو يبكي العقم والعار.
هناك بكى الشيخ البار وصام وصلى أربعين يومًا ناقعًا اكتئابه بدموع الاستعطاف والدعاء إلى الله ليرفع عنه العار والتبّكيت، ويمنحه ولدًا في شيخوخته وطالبًا منه الرحمة الإلهيّة والعزاء الذي ناله صفيه إبراهيم وقال: «لستُ أذوق طعامًا ولا أعود إلى بيتي، فدموعي هي طعامي والبريّة هي بيتي حتى يستمع لي الرّب».
أما حِنّة فمضت إلى البستان إخفاءً لحزنها عن أهل البيت. وبينما كانت جالسة تبكي تحت شجرة الغار وتصلّي بإيمان لا يتزعزع ليجعل الرّب القادر على كلّ شيء غير الممكن ممكنًا، وإذ رفعت عينيها في ذلك الحين إلى السماء، وشاهدت من بين أغصان الغار عشًا لأفراخ العصافير عارية، فزادت دموعها غزارة وعظمت صلاة التشكّي في قلبها فهتفت قائلة: «ويلي أنا العاقر الوحيدة الذليلة بين جميع النساء، فبماذا يمكن أن أشبّه ذاتي؟ إني لا استطيع أن أشبّه نفسي لا بطيور السماء ولا بوحوش الأرض لأنّها تقدّم لك أيها الرّب ثمرتها، وتتعزّى بأولادها، أمّا أنا فمحرومة من هذا السرور، بل ولا اقدر أن أشبّه نفسي بالأرض لأنّها بنباتها وأثمارها تباركك، أمّا أنا فإنّي الوحيدة غير المثمرة على الأرض وكصحراء بلا ماء، بلا حياة ، وبلا نبات، فويلي أيّها الرّب، انظر إليَّ واستمع صلاتي يا مَنْ وهبتَ سارة ابنًا في شيخوختها المتناهية، وفتحت رحم حنة أم صموئيل، افتح رحمي واجعلني أنا العاقر مثمرة حتى نقدّم مَنْ ألده نذيرًا لك ممجدّين رحمتك».
قضى الزوجان أربعون يوماً من الصوم والصلاة الشديدة، والسجدات الكثيرة، والجهاد الشديد. وعندما رأى الإله الصالح من السماء أنهما يمتلكان صلاح طفل صغير، وإيمان لا يتزعزع، وصلاة بجهد وألم. فسمع طلبهما الباهظ، وهما في هذا العمر. فأرسل ملائكة ليبشرهما بالحدث السعيد.
ظهر فجأة ملاك الرّب أمام حِنّة وقال لها: «يا حنّة، إن صلاتك قد سُمعت، وتنهداتك قد اخترقت السحاب، ودموعك قد بلغت عرش الرّب، فأنتِ ستحملين وتلدين بنتًا فائقة البركات، لأجلها تتبارك قبائل الأرض كلّها، وبها يُمنح الخلاص للعالم أجمع، وتُسمّى مريم».
فسجدت حِنّة للرّب، وهتفت وهي ممتلئة فرحًا تقويًّا: «لَعَمْرُ الرّب الإله، إنّني إذا رزقتُ ابنة نذرتها لخدمة الرّب، فلتخدمنّه ليلاً ونهارًا مادحةً اسمه القدّوس».
وأمر الملاك حنّة بأن تذهب إلى أورشليم بعد أن تنبأ لها بأنّها ستلتقي بزوجها عند الباب الذهبي. فأسرعت إلى أورشليم لتحمد العليّ وتشكره في الهيكل على رحمته الإلهيّة.
وفي الوقت ذاته ظهر ملاك آخر ليواكيم الصدّيق وهو واقف في البريّة يصلّي وقال له: «يا يواكيم، إن الله قد سمع صلاتك، فستحمل امرأتك حنّة وتلد لك ابنةً يحبو ميلادها العالم كلّه بالسرور، وهاك آية فاذهب إلى الهيكل في أورشليم فتلاقي عند الباب الذهبي زوجتك حنّة التي بشرّتها أنا بهذا».
وصل يواكيم إلى الباب الذهبي وكانت حِنّة تنتظره بفرحة كبيرة وعاطفة عند الباب، سقطت بين ذراعيه وقالت له: «لقد باركنا الله». وقدّما معًا قربان حمد في الهيكل، وعادا إلى بيتهما وإيمانهما وطيد بأنّهما سينالان ما وعدهما به الرّب.
حملت حنّة بمريم العذراء في اليوم التاسع من ديسمبر، بحسب ناموس الطبيعة مثل أي زوجين عاديين. ذلك بعد أربعين عامًا من عدم الإنجاب، أي فرح وأي ابتهاج غمر ليواكيم وحِنة بمريم المباركة.
هكذا جاءت إلى العالم مريم العذراء، التي نحتفل بمولدها في 8 سبتمبر، أي بعد تسعة أشهر من الحبَل بها.