يوم التضامن مع الشعب الفلسطينى.. ماذا نتج عن طوفان الأقصى وحرب غزة؟
كل عام، في الـ29 من نوفمبر، يحتفل العالم باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو يوم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1977، للتذكير بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة والسيادية، ويهدف هذا اليوم أيضا إلى تعزيز التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني ودعمه في مواجهة الاحتلال والظلم والانتهاكات التي يتعرض لها منذ عقود.
ولكن ما هو الوضع الحالي للشعب الفلسطيني؟ وما هي الصعوبات والتحديات التي يواجهونها في سعيهم لتحقيق حقوقهم الإنسانية والوطنية؟ وما هي الحلول الممكنة لإنهاء الصراع وتحقيق السلام والعدالة في المنطقة؟
وتشهد الأراضي الفلسطينية تطورات سياسية واقتصادية مهمة في ظل الأحداث الإقليمية والدولية، يهدف هذا التقرير إلى توفير رؤية تحليلية شاملة لهذه التحولات، مع التركيز على تأثيراتها المحتملة على الشعب الفلسطيني ومستقبله.
سياسيًا.. طوفان الأقصى غير خارطة العمل السياسي في فلسطين
تباينت التطورات السياسية في المنطقة بشكل كبير، ويجسد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءًا كبيرًا من هذا السياق، ويظل البحث عن حلول سياسية لهذه القضية تحديًا مستمرًا.
ظل الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة يواجهون ما يمارسه الاحتلال إسرائيلي من قمع وهيمنة وشرذمة وعزل وتفرقة في ظل احتلالها الوحشي وفصلها العنصري والفصل بين منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة أثر على عمل المؤسسات التشريعية الفلسطينية، وساهم في تعمبق حالة الاتنقسام السياسي في الداخل الفلسطيني خلال الفترة التي سبقت عملية طوفان الأقصى، وذلك بحسب ما نشرته "منظمة العفو الدولية" في تقريرها الصادر عن عامي 2022-2023.
التحديات التي تواجه حل الدولتين في الداخل الفلسطيني
تعيش القضية الفلسطينية فترة حساسة، تتطلب تضافر الجهود الدولية لتحقيق استقرار المنطقة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، يبرز الحاجة الملحة إلى دعم دولي أكبر لتحقيق حل الدولتين، وهو الحل المتفق عليه دوليا والذي يتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية على حدود عام 1967، مع الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة لها.
- الحاجة إلى دعم دولى التي تظهر أهميته من خلال دعم المجتمع الدولي في تحقيق هذا الحل، سواء من خلال الضغط الدبلوماسي أو تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية، يعزز هذا الدعم فرص للسلام والتعايش في المنطقة، ويسهم في تحقيق حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية للشعب الفلسطيني.
- يجب أن يكون تعزيز الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية كأولوية لتحقيق المصالحة وتعزيز الديمقراطية يمكن أن يساهمان في تعزيز تمثيل مصالح الشعب الفلسطيني وتحقيق حكم فعّال.
- يجسد الحوار المفتوح بين الفصائل الفلسطينية خطوة أساسية نحو تحقيق الوحدة الوطنية وتمثيل فعّال للشعب، يتطلب ذلك تفهمًا للتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني والتفاوض للتوصل إلى توافقات تعزز مستقبلهم.
- تحقيق حل الدولتين وتعزيز الوحدة الوطنية يشكلان ركيزتين أساسيتين لتحسين وضع الشعب الفلسطيني، وإن الدور الفعّال للمجتمع الدولي والالتزام بالحوار الداخلي يمكن أن يساهمان في خلق بيئة تسهم في تحقيق التطلعات والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
"إن طريق المُضي قُدما واضح، وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وأن تحترم جميع الأطراف جميع التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وهذا يعني الإفراج غير المشروط عن الرهائن في غزة، وحماية المدنيين والمستشفيات ومرافق الأمم المتحدة والملاجئ والمدارس، وإمكانية الوصول دون عوائق لتقديم الإمدادات إلى جميع المحتاجين في غزة، وإنهاء استخدام المدنيين دروعا بشرية، ولا ينبغي أن يكون أي من هذه النداءات مشروطا بالنداءات الأخرى".. الأمين العام للأمم الأمتحدة، أنطونيو غوتيريش
اقتصاديًا..السلطة الفلسطينية تواجه تحديات جسيمة في أوضاعها المالية
تأثرت الأسواق والاستثمارات في المنطقة بتقلبات عديدة، يعزي ذلك جزئيًا إلى التحديات الاقتصادية الناجمة عن الصراعات، وفي الوقت نفسه، يظهر بعض التفاؤل بفعل جهود التنمية المستمرة.
وفي تقرير أصدره البنك الدولي قبل عامين تحديدًا في نوفمبر 2021، قال فيه إن الاقتصاد الفلسطيني بدأ يُظهر بعضَ علامات على التعافي وأرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى التحسُّن في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية. لكن قطاع غزة مازال يعاني أوضاعًا اقتصادية بالغة الشدة، مع الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية. وفي السياق الاقتصادي الراهن، تشوب حالة من عدم اليقين آفاق المستقبل في ضوء محدودية مصادر النمو المستدامة، وذلك حسب تقرير المراقبة الاقتصادية الفلسطينية المقدم إلى لجنة الارتباط الخاصة.
ولكن خلال عام 2023 وتحديدًا بعد عملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس في 7 أكتوبر الماضي، تواجه السلطة الفلسطينية تحدياتٍ جسيمة في أوضاعها المالية، وعلى الرغم من زيادة عائدات المالية العامة، فإن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدنٍ، وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تحصلها لحساب السلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة).
ولا تزال فجوة التمويل المتوقعة كبيرة جدًا، وفي الوقت الراهن، يدعو التقرير المانحين إلى المساعدة في خفض عجز الموازنة، والحكومة الإسرائيلية إلى معالجة بعض تسرُّبات الموارد من المالية العامة التي لا تزال قائمة.
فعلى سبيل المثال، تقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية بتحصيل الإيرادات الضريبية من الشركات العاملة في المنطقة (ج)، وتُحصِّل الحكومة الإسرائيلية رسوم المغادرة في معبر جسر اللنبي، ولكن لم يحدث تحويل منتظم لهذه الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية كما تقضي الاتفاقيات المُوقَّعة، وإذا تم صرف بعض هذه الأموال، فسوف يتيح تمويلًا سريعًا تشتد الحاجة إليه في هذه الأوقات الصعبة، وفضلًا عن الأولويات العاجلة.
وتناول التقرير الصادر عن البنك الدولي أيضًا الآثار التراكمية لسنواتٍ من الحصار على اقتصاد غزة الذي انكمش في الوقت الحالي إلى نسبة ضئيلة من إمكاناته التقديرية، وتقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18% فقط، وشهد قطاع غزة تراجع أنشطة التصنيع وأصبح اقتصاد القطاع يعتمد بنسبة كبيرةً على التحويلات الخارجية.
علاوةً على ذلك، أثَّر التدهور الاقتصادي في قطاع غزة تأثيرًا شديدًا على مستويات المعيشة، إذ بلغ معدل البطالة 45%، ووصل معدل الفقر إلى 59% من جراء جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يومًا وتدهور الأوضاع من جراء تفشي جائحة كوروناـ ويعاني المواطنون في غزة من نقص إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، والصدمات النفسية الناجمة عن الصراع، والقيود على الحركة والانتقال.
"تبعث الظروف المعيشية المروعة والاعتماد الشديد على المساعدات الاجتماعية لسكان غزة على القلق البالغ، ومن الضروري أن تبذل كل الأطراف جهودًا مُنسَّقة لتلبية الاحتياجات التي تم تحديدها في التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في قطاع غزة الذي قاده البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمساندة جهود الإعمار وعكس مسار الانحدار في مؤشرات التنمية ومستويات المعيشة في القطاع"، هذا ما صرح به كانثان شانكار المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في تقرير نشره البمك الدولي في 2023 جمعت بياناته قبل اندلاع حرب غزة تطرق هذا التقرير للاحتياجات الأساسية المهمة التي يجب العمل على توفيرها في قطاع غزة.
وبالنسبة للإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها فتشمل زيادة إمدادات الكهرباء وتطوير البنية التحتية والشبكات لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة، ويتضمَّن هذا توصيل الغاز الطبيعي إلى قطاع غزة من أجل إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة، وتحصل نسبة لا تتجاوز 1% من السكان على إمدادات مياه الشرب المُحسَّنة وعلى قدرٍ محدودٍ من خدمات معالجة مياه الصرف، ولذلك فثمة ضرورة ملحة لتعميم إمكانية الحصول على إمدادات مياه شرب مُحسَّنة، ومعالجة 95% من مياه الصرف التي تُنتج في غزة، ومن الأمور بالغة الأهمية بذل جهود لإعادة ربط قطاع غزة باقتصاد الضفة الغربية والأسواق الخارجية، ومن ذلك إصدار تراخيص الأعمال لتجار غزة، وتخفيف القيود على مستلزمات الإنتاج ذات الاستخدام المزدوج.
ومن الضروري أيضًا العمل على تعميم إمكانية الوصول إلى الربط الرقمي الذي سيساعد على ربط الناس والاقتصاد بالأسواق الإقليمية والعالمية، ويجب بعد ذلك توفير خدمات النطاق العريض لاتصالات الهاتف المحمول من الجيل الثالث على الأقل في إطار زمني واضح، وتخفيف القيود على دخول معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الأمم المتحدة تدشن نداء إنسانيًا لجمع 1.2 مليار دولار لقطاع غزة
ولكن كل هذه الاحتياجات السابق ذكرها في التنقرير قد تضاعفت ولم يتم عمل إحصاء دقيق حتى الآن بخصوصها في ظل الدمار الذي لحق بنحو 50% من قطاع غزة والمباني وكافة المرافق الأخرى، نظرا لحالة الدمار الواسع الذي شهدها القطاع خلال الحرب.
فقد أعلن الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، تدشين الأمم المتحدة وشركاؤها نداء إنسانيا بقيمة 1.2 مليار دولار لمساعدة 2.7 مليون شخص يشملون جميع سكان قطاع غزة و500 ألف شخص في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وأشار الأمين العام إلى دخول بعض المساعدات المنقذة للحياة إلى غزة من مصر عبر معبر رفح، ولكنه شدد على أن معبر رفح وحده ليس مزودا بالقدرات اللازمة لمرور شاحنات الإغاثة على النطاق المطلوب.
وقال إن ما يزيد قليلا علي 400 شاحنة عبرت إلى غزة خلال الأسبوعين الماضيين، بالمقارنة بخمسمائة شاحنة كانت تدخل القطاع يوميا قبل الصراع الحالي، وأشار إلى أن تلك الشاحنات التي عبرت إلى القطاع مؤخرا لم تقل القدر الكافي من الوقود الذي تمس الحاجة إليه.
.
الحرب على غزة تحرم سكانها من أبسط حقوق الحياة
تأثر الشعب الفلسطيني خلال تلك الفترة والذي أصبح يعيش تحديات متزايدة في ظل هذه التحولات، سواء من ناحية الحياة اليومية أو فرص العمل، يتطلب الوضع الراهن اهتمامًا خاصًا بتحسين ظروف المعيشة وتوفير فرص اقتصادية، فعقب عملية طوفان الأقصى أصبح قطاع غزة مكانا غير آدمي للعيش فيه لا تتوافر فيه المساكن ولا المرافق وأبسطها مياه الشرب النظيفة وتوف النشاط الاقتصادي بشكل شبه كامل، وتزايدت نسب البطالة إلى نسبة كبيرة بين سكان القطاع، بالإضافة إلى حالة التجويع.
وحسب ما أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا"، قال فيه إن إجمالي عدد الشهداء في قطاع غزة بلغ أكثر من 14800 شخص بالإضافة إلى 128 في الضفة الغربية، بينما بلغ عدد الجرحى 36 ألف شخص، بينما تضررت أكثر من 46 ألف منشأة ووحدة سكنية في قطاع غزة، وتهجر نحو 1.7 مليون شخص من منازلهم.
صحيًا.. الصليب الأحمر: المساعدات الإنسانية يجب ألا تتحول إلى ورقة توت تغطي الإخفاق في حماية المدنيين
وعلى صعيد القطاع الصحي أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقريرًا جراء عملية طوفان الأقصى وحرب غزة 2023، والتي قالت فيه إن المعاناة التي نشهد فصولها في غزة وفي إسرائيل لا يمكن تحملها: "الفقد المأساوي لأرواح الكثير من الناس وأرواح العدد الهائل من الأطفال، تدمير منازل الناس، الصدمات البالغة والمتكررة، بقاء الرهائن محتجزين ولوعة العائلات".
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الأولوية الفورية الآن لا بد أن تكون لإنقاذ الأرواح والحفاظ على الإنسانية، وتمسّ الحاجة إلى تأمين إمكانية وصول سريع ومستدام إلى المحتاجين للمساعدات وإيصال الإمدادات.
ويجب تأمين إعادة تشغيل الخدمات الحيوية في غزة مثل الرعاية الصحية والمياه والكهرباء والاتصالات بشكل فوري، إذ إن هذه الخدمات أولوية لإنقاذ الأرواح.
"المساعدات الإنسانية يجب ألا تتحول إلى ورقة توت تغطي الإخفاق في حماية المدنيين، والمسؤولية الأولى عن حماية المدنيين تقع على عاتق أطراف النزاع.
ويجب أن تشمل هذه الحماية جميع المدنيين، بمن فيهم من يبقون في غزة، ومن غير المحتمل أن يُفرغ شمال غزة من سكانه بشكل كامل ولا يجوز اعتبار جميع مبانيه أهدافًا عسكرية، ومن الملّح البدء بالاستعداد لعودة مئات الآلاف من العائلات النازحة إلى الشمال، وسيكون لاحترام القانون الدولي الإنساني الآن أثر كبير وإيجابي في هذا الصدد.
ويواصل العنف إزاء المدنيين الذي يسبب خسائر في الأرواح تصاعده في الضفة الغربية، ولا يمكن أن نغفل هؤلاء الناس وعلينا تلبية احتياجاتهم وضمان الحماية لهم". ميريانا سبولياريتش رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
إن فهم التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة يعتبر أمرًا حيويًا لتشكيل استراتيجيات فعّالة لتحسين حياة الشعب الفلسطيني وتعزيز استقرار المنطقة. يستدعي هذا التحليل تعاونًا دوليًا قائمًا على الحوار المفتوح والحلول المستدامة.