عاجل| يوم التضامن مع فلسطين.. شهادات الطلاب الفلسطينيين بمصر عن الحرب والحياة (ملف)
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، يعيش الطلاب الفلسطينيون المقيمون في مصر حالة من القلق والخوف على أهلهم وأوطانهم، ويواجهون صعوبات في مواصلة دراستهم وتوفير مستلزماتهم الحياتية، في ظل الحصار الشامل الذي فرضته إسرائيل على القطاع، وذلك بسبب انقطاع الحوالة والأموال التي كانت تصلهم من أهلهم، بالإضافة إلى حالة القلق والخوف على أهلهم التي منعتهم من التركيز في دراستهم في ظل انقطاع الكهرباء والماء والغذاء والدواء والوقود عن قطاع غزة.
وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يرصد “الدستور” حياة الفلسطينيون في مصر من خلال مجموعة من الملفات التي بدأها منذ اندلاع طوفان الأقصى وحرب غزة 2023، وفي ذلك التحقيق نسلط الضوء على حياة الطلاب الفلسطينيون في مصر وكيفية التواصل مع أهلهم في غزة.
يبلغ عدد الطلاب الفلسطينيين في مصر نحو 6 آلاف طالب، من أصل نحو 26 ألف طالب غير مصري يدرسون في جامعات مصر، وفقا لوزارة التعليم العالي، ويدرس هؤلاء الطلاب في مختلف التخصصات والمراحل الدراسية، وينتمون إلى مختلف الفصائل الفلسطينية، ويتوزعون على عدة محافظات مصرية.
حِصار عابر للحدود
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، يعاني الطلاب الفلسطينيون من انقطاع التواصل مع أهاليهم في القطاع، بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت والهاتف، ويشعرون بالقلق الدائم على سلامتهم ومصيرهم، خاصة مع تزايد حصيلة القتلى والجرحى والمدمرات، واحد من هؤلاء الطلاب هو مصطفى مسلم، طالب بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، الذي يروي لنا معاناته ومعاناة أهله في غزة.
يقول مصطفى: "الصورة داخل غزة صعبة لا يمكن أن يتخيلها أحد، ما ينقل عبر الانترنت وشاشات التلفزيون لا يمثل 10% من الحقيقة التي تحدث داخل القطاع أثناء فترة الحرب، لا أحد عنده كهرباء ولا أحد عنده مياه صالحة للشرب، أهالي غزة يخلطون مياه الشرب بالمياه المالحة لكي تكفي عدد أفراد الحي حتى الأكل أصبح شحيح، والاحتلال يجبر الأهالي على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، وعلى رغم من النزوح إلاأن الاحتلال يقصفهم أيضًا، حتى صار كل بيت في غزة به نحو 100 أو 200 شهيد".
ويضيف: "رغم دخول المساعدات من مصر إلا أن تلك المساعدات لا تكفي احتياجات أهالي القطاع، وفي الطبيعي يدخل غزة نحو 500 شاحنة يوميًا، البنية التحتية في أحياء غزة تدمرت بشكل كامل، الوضع كارثي داخل القطاع لايوجد خدمات في الشمال بشكل كامل، وفي الجنوب يتضامن الأهالي في محاولة منهم للتشبث بالحياة."
ويصف "مصطفى" حالته النفسية وحالة زملائه الطلاب في مصر، قائلا: "نحن كطلاب فلسطينيين ندرس في مصر، حالتنا النفسية سيئة ونعيش أجواء أهلنا في غزة، لا عارفين ندرس ولا عارفين نركز ونطمأن على أهلنا في غزة، نطالع هواتفنا كل فترة لنتابع الأخبار".
"بعد تلك الحرب، نحتاج إلى أطباء نفسيين لكي نعود إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى، أكثر من شهرين لم تصلنا أي حوالة مادية من أهلنا في غزة".
يواجه الطلاب الفلسطينيون في مصر أيضا صعوبات مادية في توفير نفقات الحياة والدراسة، بعد أن توقفت المساعدات المالية التي كانت ترسلها إليهم عائلاتهم من غزة، بسبب تضرر المصارف والمؤسسات المالية من القصف الإسرائيلي.
ويتحدث الطالب عن تأثير الحرب على دراسته ومستقبله: "حياة الطلاب الفلسطينيين هنا في مصر لا تختلف عن الأجواء في غزة، فمنذ بداية الحرب لا أستطيع التركيز في الامتحانات، ما سيؤثر على تخرجي من الجامعة، لا أحد يستطيع أن يواصل حياته بشكل طبيعي وهو يفقد كل يوم فردا من عائلته".
ويعبر عن رأيه في الحملات الشعبية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والمظاهرات التضامنية مع غزة: "المقاطعة شئ ممتاز ويضغط على الغرب، وشئ مشرف للغاية أن نرى جميع المصريين يقاطعون ويهاجمون".
تضامن واسع
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة التعليم العالي المصرية في 15 نوفمبر 2023، عن تأجيل سداد الرسوم الدراسية للطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية حتى نهاية العام الدراسي الحالي، وذلك تضامنا مع معاناتهم الناجمة عن الحرب على غزة، كما أعلنت الوزارة عن تقديم بعض المساعدات الإنسانية والنفسية للطلاب الفلسطينيين، وتسهيل إجراءات تجديد إقاماتهم في مصر.
ومن جانبها، أبدت السفارة الفلسطينية في القاهرة اهتمامها بوضع الطلاب الفلسطينيين في مصر، وأعلنت عن تشكيل لجنة لمتابعة أحوالهم ومشاكلهم ومطالبهم، والتنسيق مع الجهات المعنية في مصر وفلسطين لتقديم الدعم اللازم لهم.
وقال السفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح، في تصريح صحفي: "نحن نتابع باهتمام بالغ ما يتعرض له أبناؤنا الطلاب الفلسطينيين في مصر من آثار سلبية للحرب الإسرائيلية على غزة، ونحن نعمل على تذليل العقبات التي تواجههم في مجالات الدراسة والإقامة والمعيشة، ونحن نشكر الحكومة المصرية والشعب المصري على تضامنهم ومساندتهم لشعبنا الفلسطيني".
وعلى الصعيد الشعبي، فقد أظهرت الجماهير المصرية تعاطفا كبيرا مع الطلاب الفلسطينيين في مصر، وقامت بعض المنظمات والحركات والأحزاب السياسية والنقابية والطلابية بتنظيم حملات تضامنية وتبرعات ومظاهرات ووقفات احتجاجية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، والمطالبة بفك الحصار عن القطاع، والدعوة إلى حماية الطلاب الفلسطينيين في مصر.
اتصال مفقود
في غرفة صغيرة مظلمة، يجلس الطالب الفلسطيني محمد موسى، الذي يدرس الهندسة في إحدى الجامعات الخاصة في مصر، في شقة مشتركة مع زملائه الفلسطينيين في الإسكندرية، وهو يحدق في شاشة هاتفه المحمول، على أمل أن يسمع صوت أحدًا من أهله داخل قطاع غزة الذي لم يتحدث معهم منذ فترة طويلة، يتساءل عن مصير بيته وحيه ومدينته، هل بقي شيء منها أم تحولت إلى ركام ودماء؟ يتساءل عن مصير شعبه وقضيته، هل سينالون الحرية والعدالة أم سيبقون تحت الاحتلال والحصار؟
يروي محمد معاناته في التواصل مع أهله في قطاع غزة، الذين يعيشون في ظروف صعبة بسبب القصف والهدم وانقطاع الكهرباء والماء والاتصالات، ويقول إنه يحاول الاتصال بهم مرة في الأسبوع لمدة دقيقتين، ولكنه لا يستطيع الحصول على أخبارهم بانتظام.
ويحكي عن خالته التي تعيش في خان يونس، والتي تضطر للنزوح من منزلها كلما تلقت إنذارا من الاحتلال بالقصف، وعن جدته وابنة اخته اللتين استشهدتا في غارة إسرائيلية على منزل جده.
ويفتخر الطالب الفلسطيني بأن له شهداء في عائلته وأصدقائه، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الحرية والكرامة، مؤكدا أنه يؤمن بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وداعيا السلطة الفلسطينية إلى العمل على وقف إطلاق النار.
محمد يقول في حديثه لـ "الدستور"، إنه يشعر بالامتنان للدعم المادي الذي يقدمه رجال الأعمال والفنانين المصريين، الذين يساهمون في تخفيف عبء المصروفات الدراسية عن زملائه، ويضيف أن هذه المبادرة ليست جديدة على مصر، التي كانت دائما في مقدمة الدول العربية في دعم القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
ويعبر عن إعجابه بالوعي والتضامن الذي يظهره الشعب المصري مع القضية الفلسطينية، سواء من خلال المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي، أو من خلال مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان المحتل.
"أشعر بالفخر حين أرى صديقي المصري يتحرى عن مصدر أي منتج قبل شرائه، ويفضل المنتجات المصرية على الأجنبية، وأتوقع أن تؤتي هذه المقاطعة ثمارها في إضعاف الاقتصاد الإسرائيلي وتعزيز الصناعة المصرية"، يختتم الطالب الفلسطيني حديثه.
دعم الأشقاء
مهند النجار أيضًا، هو طالب فلسطيني مقيم في مصر، يعبر في حديثه لـ "الدستور"، عن شعوره بالامتنان لمصر وشعبها وحكومتها على ما يقدمونه من دعم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
يقول: "تلقى الطلاب الفلسطينيون مساعدات مالية من جماعات الخير المصرية التي طلبت أسمائهم في الجامعات والمحتاجين منهم، هذه المساعدات ساعدتهم في تغطية مصاريف الدراسة والمعيشة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا، كما أن مصر كانت أول دولة تقاطع المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني وأثبتت تأثيرها على هذه الشركات ومنتجاتها".
يوجه مهند التحية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعطى الشعب المصري حرية التعبير عن رأيه في الشارع لينصر القضية ويعبر عن غضبه ضد جرائم الاحتلال، كما يشكر الصحافة والإعلام المصري الذي يكشف الحقائق عن جرائم الاحتلال الصهيوني ويناصر القضية الفلسطينية ويوثق الحدث.
"مصر هي السبب في إنقاذ الشعب الفلسطيني من يد الاحتلال بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة"، يواصل "مهند".
ويختتم: "أدعو إلى حل الأزمة بيننا بأن نكون يد واحدة ونقضي على الانقسام الذي بيننا، فنحن نطلب من الدول العربية أن تكون يد واحدة وكيف ونحن داخل فلسطين منقسمين؟ يجب أن نتوحد تحت راية وسلطة واحدة لمواجهة الاحتلال".
استنكار جامعي
ومن جهته، أدان مجلس جامعة الإسكندرية برئاسة الدكتور عبد العزيز قنصوه، رئيس الجامعة، الانتهاكات المستمرة التى ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلى بحق الفلسطينيين والمدنيين العزل منذ 7 أكتوبر الجاري، واستمرار القصف العشوائى على قطاع غزة والذى أسفر عن سقوط مئات الضحايا الأبرياء والجرحى والمصابين.
كما ثمن المجلس على الإدارة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسى والدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية والذي يعبر عن إيمان واع بقضية الأمة العربية، وسعيه لحث المجتمع الدولي على القيام بمهامه لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد المواطنين الفلسطينيين، واستعادة حريتهم وأمنهم وكرامتهم، وأكد رئيس الجامعة على استعداد جامعة الإسكندرية لمشاركة الأطقم الطبية فى علاج المصابين والجرحى وإجراء العمليات من خلال الآلية التي سوف تقرها وزارة التعليم العالي.
وفي الختام، يجب الإشارة إلى أن الطلاب الفلسطينيين في مصر يمثلون نموذجا للصمود والتحدي والإبداع، رغم كل الظروف الصعبة التي يواجهونها، وأنهم يحظون بتقدير واحترام وتعاطف من الحكومة والشعب المصري، الذي يعتبر فلسطين قضية مركزية وحيوية في سياسته وثقافته وتاريخه.