مدير قسم الجراحة بمجمع ناصر فى غزة: مُقبلون على كارثة إنسانية بسبب نقص الوقود والأدوية والطعام
مجمع ناصر الطبى مجمع كبير يخدم الآلاف من المواطنين الفلسطينيين فى خان يونس جنوب قطاع غزة، يضم أكثر من ١٥ قسمًا، منها أقسام الجراحة العامة، وجراحة الأوعية الدموية، وجراحة الصدر، وجراحة المسالك البولية، والعظام والكسور المعقدة، وقسم للولادة والأطفال والخدج، وقسم للباطنة، والأمراض الصدرية، والجهاز الهضمى، والكلى، والعناية المركزة، والعمليات، والطوارئ.
تعرض المجمع منذ بداية العدوان للقصف المستمر والمتواصل فى محيطه، ما أسفر عن خسائر كبيرة فى الأرواح.
«الدستور» تواصلت مع الدكتور سليم صقر، رئيس قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبى، ليطلعنا على آخر تطورات الأوضاع داخل المجمع مع استمرار القصف الإسرائيلى فى عموم القطاع وعمليات النزوح من الشمال إلى الجنوب.
قال «صقر» إن الأوضاع مأساوية، خاصة أن الآلاف من سكان مدينة غزة، ومدن الشمال، اضطروا إلى النزوح لمناطق جنوب القطاع، لافتًا إلى أن هذا الأمر شكل عبئًا كبيرًا على مستشفيات جنوب غزة، إذ زادت الاحتياجات الطبية للأهالى بسبب اكتظاظ السكان المهجرين فى الجنوب.
وأضاف: «فى ظل نقص الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، نواصل العمل بالطاقة المولدة من الخلايا الشمسية المتبقية، إضافة إلى مولد صغير، وهناك أقسام فى المستشفى جرى إغلاقها لتوفير الطاقة لغرف العمليات، وقسم الطوارئ، وقسم الكلى، والعناية المركزة.
وأشار إلى أن أعداد الجرحى الذين يصلون إلى المستشفى تباعًا يفوق القوة الاستيعابية للمجمع، متابعًا: نضطر إلى انتقاء الحالات التى يتم العمل معها بسبب كثرتها ونقص الإمكانات.
وأكد «صقر» أن هناك دورًا وضغطًا كبيرًا على غرف العمليات، والأدوية والمستلزمات، وجميعها بدأت فى النفاد، وهناك ضغط نفسى هائل على الأطقم الطبية لأنها لا تستطيع تقديم الخدمة الكاملة للمرضى.
وتابع: «الاحتلال استهدف الأطقم الطبية وأبناءهم وأسرهم، وكثير منهم خرجوا لوداع أطفالهم ودفنهم بعد قصف منازلهم وعاد إلى العمل عقب الدفن مباشرة، وهذا شكل عبئًا نفسيًا كبيرًا على الطواقم الطبية فى المجمع، على مدار الساعة، ناهيك عن حجم المعاناة التى يعانيها المصابون وعدم تقديم الخدمة الكاملة لهم وللحالات الخطرة».
وقال رئيس قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبى: «الأطقم الطبية تعمل منذ ٣٧ يومًا بشكل متواصل دون إجازات أو راحات وهذا إرهاق نفسى وجسدى فظيع نتعرض له، ناهيك عن نقص البنج ومواد التخدير وانتظار عدد كبير من الحالات فى غرف العمليات».
وأضاف: «بسبب كثرة الجرحى والمصابين نلجأ إلى تغيير الجروح وإجراء العمليات دون بنج أو ببنج موضعى وهذا لا يكفى، ووضع غير إنسانى، فى الظروف العادية يجرى إدخال المريض إلى غرف العمليات وتخديره، لكن حاليًا الوضع كارثى بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ».
وأكد أن نفاد الوقود والمستلزمات الطبية أثّر كثيرًا على الخدمة التى يقدمها المجمع، مع خروج مستشفيات أخرى من الخدمة مثل مستشفى الشفاء ومستشفى الإندونيسى، وهو المصير الذى يقترب منه مستشفى القدس.
وأشار «صقر» إلى أن انقطاع الاتصالات وخدمة الإنترنت عن مجمع ناصر الطبى، أعاده إلى العصور الوسطى، حيث تحول التواصل بين الطواقم الطبية إلى أشكال بدائية، ما شكل عبئًا كبيرًا على عملها وتسبب فى عدم دقة التشخيص وبطء التدخل الجراحى وتحضير غرف العمليات ونقل الدم، إضافة إلى تأخر استجابة سيارات الإسعاف لاستغاثات الجرحى، ما تسبب فى استشهاد الكثير من الحالات.
وأوضح أنه جرى إخطار الإدارة بقطع خدمة الإنترنت والاتصال عن مجمع ناصر الطبى، غدًا، مستغيثًا بدول العالم التدخل لوقف الحرب والإبادة ومنع قطع الاتصالات عن المستشفيات والمجمعات الطبية؛ حتى يتمكنوا من التواصل مع الطواقم الطبية والإسعاف وإنقاذ حياة الآلاف.
وعن وضع أقسام الولادة فى المجمع، قال: «ما زال القسم يعمل لكن بالحد الأدنى بسبب انقطاع الكهرباء، وبالنسبة للحضّانات تعمل على المولد الاحتياطى والطاقة الشمسية لكن فى خلال الأيام المقبلة سنلجأ إلى وقف العمل بالعديد من الأقسام، ومنها الحضانات، بسبب نقص الوقود».
وحذر من كارثة إنسانية كبرى ستحل بقطاع غزة بسبب نقص الوقود وخروج المستشفيات عن الخدمة، مؤكدًا أنه رغم ادعاء الاحتلال أن جنوب القطاع منطقة آمنة، لكنه استهدف بالقصف مجموعات كبيرة من النازحين المدنيين إلى جانب استهداف مناطق كثيرة فى الجنوب مثل خان يونس، ونتج عن ذلك آلاف الشهداء والجرحى.
وشدد «صقر» على أن مرضى الكلى يعانون بشكل كبير، وأنه جرى تقليص عدد مرات الغسيل للفرد الواحد والساعات التى يحتاجها المريض على الجهاز بسبب نقص الإمكانات.
وأوضح أن المواد الغذائية والطبية قاربت على النفاد تمامًا من القطاع، وأن الجمعيات الخيرية حاولت فى الأيام الماضية تخفيف آثار الكارثة بشراء ما لدى بعض الشركات من أغذية وأدوية، لكن كل المواد نفدت من القطاع. وفى حال لم تصلنا أدوية ومستلزمات طبية جديدة سنضطر لإغلاق مستشفياتنا.
وأوضح «صقر» أن المساعدات التى تصل إلى غزة قطرة فى بحر، مشيرًا إلى أنه فى الأيام الطبيعية كان يدخل القطاع من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ شاحنة لسد الاحتياجات اليومية للسكان، والآن لا شىء يقارن بما كان يدخل من قبل، «كل شىء انتهى فى غزة، لا أكل ولا شرب ولا وقود ولا ماء ولا خبز».
وعن أوضاع الأطباء تحت القصف، قال: «حالنا مثل حال المواطن العادى، لا توجد لدينا ملاجئ أو مناطق آمنة إلا رحمة الله وننتظر الرحمة منه، والوضع كارثى فى غزة حتى المستشفيات لم تسلم من القصف، وجرى استهداف سيارة إسعاف تابعة لمجمع ناصر أمام قسم الطوارئ ونتج عن الاستهداف إصابة الكوادر الطبية والمارة والمرضى وذويهم، رغم أن القانون الدولى الإنسانى ينص على أن المستشفيات محمية من القصف وتعد مناطق آمنة حتى لو وصلها مصاب من العدو عليها تقديم الخدمة الطبية كاملة له، ولكن فى غزة لا يوجد أى محرمات للأسف». وأضاف «صقر» أنه بسبب كثرة أعداد الشهداء، أصبح الدفن فى مقابر جماعية كل ساعة، وكان من قبل وعند خروج شهيد يخرج معه آلاف المشيعين، أما حاليًا فلا توجد إمكانية للصلاة على الميت ولا تشييعه، لأن الكل خائفون من القصف والاستهداف.