رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وثيقة بريطانية سرية عمرها 52 عامًا تفضح مخطط إسرائيل لتوطين سكان غزة فى العريش

التهجير القسري للفلسطينيين
التهجير القسري للفلسطينيين

كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن وثيقة بريطانية سرية تعود لعام 1971 تتحدث عن خطة وُضعت، تتضمن التهجير القسري لآلاف الفلسطينيين من غزة إلى العريش في سيناء.

وتابعت أن هذه الوثائق تبرر المخاوف المصرية الحالية من عمليات التهجير القسري التي تسعى إسرائيل منذ عقود لتنفيذها لتفريغ قطاع غزة من سكانه والاستيلاء عليه وضمه لإسرائيل، وبالتالي تفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها.

خطة إسرائيلية سرية لتهجير الفلسطينيين

وأفادت الوثيقة السرية بأنه بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، في حرب الستة أيام التي وقعت في يونيو عام 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل.

وتابعت أن مخيمات اللاجئين بعد حرب الأيام الستة باتت مكتظة بالسكان وأصبحت بؤرة لتكوين المقاومة الفلسطينية للاحتلال، وانطلقت بالفعل منها عدة عمليات للمقاومة، حيث ضم القطاع في هذا الوقت 200 ألف لاجئ فلسطيني ممن تم تهجيرهم من شمال فلسطين خلال تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، يخضعون لرعاية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليون.

وحذرت تقارير الأونروا، وفقًا للوثيقة، بأن غزة لم تكن "قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التي تسببت في أعداد متزايدة من الضحايا".

وحسب الوثيقة، فقد رصدت السفارة البريطانية في تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش، التي تقع شمالي شبه جزيرة سيناء المصرية، والتي كانت محتلة في عام 1971، وتبعد قرابة 54 كيلومترا عن حدود غزة مع مصر.

وأضافت أن تقرير السفارة أفاد بأن الخطة الإسرائيلية شملت النقل القسري للفلسطينيين إلى سيناء، في محاولة لتخفيف العمليات الفدائية للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتخلص من المشكلات الأمنية التي تواجه الاحتلال في القطاع.

وأكدت الوثيقة أنه في مطلع شهر سبتمبر من عام 1971، كشفت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين عن وجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.

وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك، شيمون بيريز، (زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة في إسرائيل لاحقا)، المستشار السياسي للسفارة البريطانية في تل أبيب بأنه "حان الوقت لإسرائيل كي يكون لها دور أكبر في غزة وأقل في الضفة الغربية".

وأضاف التقرير أن بيريز "كان يعتقد بأن هذه التدابير سوف تؤدي إلى تحول في الوضع في غزة خلال عام أو نحو ذلك".

وأشار تقرير السفارة البريطانية، آنذاك، إلى أنه ردًا على سؤال عما إذا كان سيتم نقل الكثير من المواطنين من القطاع لاستعادة السلم وقابلية الحياة إلى قطاع غزة، قال بيريز إنه سيتم إعادة توطين حوالى ثلث سكان المخيمات في أماكن أخرى في القطاع أو خارجه، وأضاف: "إسرائيل تعتقد بأن هناك حاجة ربما إلى خفض إجمالي عدد السكان بحوالى 100 ألف شخص".

وعبر بيريز عن "الأمل في نقل حوالى 10 آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى إسرائيل"، غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وأراضي إسرائيل "ينطوي على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية".

ووفقًا للوثيقة، سأل الدبلوماسي البريطاني بيريز: هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟، فرد بأن "استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملي تماما".

وأوضحت الوثيقة أنه في تقييم منفصل أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني في إسرائيل آنذاك، إلى أن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات قطاع غزة يجب أن يتضمن إعادة توطين جزء من السكان خارج حدوده الحالية، وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال سيناء المصرية، غير أنه قال إن الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم، بالنسبة لإسرائيل.

وتابعت الوثيقة أنه في تقرير عن الأمر، قال إم إي بايك، رئيس إدارة الشرق الأدني في الخارجية البريطانية آنذاك، إنه "يجري الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها"، وقُصد بهذا النقل القسري للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، وإجلاؤهم إلى العريش في الجانب المصري، وأضاف: "يجري الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحا لإعادة التوطين".

وأضافت أن بعد شهر أبلغ الجيش الإسرائيلي، في لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.

وحسب تقرير لملحق السلاح الجوي البريطاني عن اللقاء، سئل العميد شلومو جازيت عن سبب اختيار شمال سيناء، فقال: "السكن في العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذي تتوافر فيه منازل خالية وفي حالة جيدة بعد إصلاحها"، مضيفًا: "لن يكون هناك بناء جديد في العريش، فالمنازل المتاحة كانت تخص ضباطا مصريين في السابق".

بدا هذا الوضع مغايرا، من وجهة نظر البريطانيين، لثلاثة مبادئ كان قد أعلنها الجنرال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، تضمن السيطرة على الأراضي المحتلة بعد حرب 67. وهذه المبادىء هي: حد أدنى من الوجود العسكري، وحد أدنى من التدخل في الحياة المدنية الطبيعية، وأقصى اتصال أو جسور مفتوحة مع إسرائيل وبقية العالم العربي.

وفي تقرير عن وضع غزة، قالت إدارة الشرق الأدنى في الخارجية البريطانية: "السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمستقبل هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة الآن، في حالة غزة، لتعديل في المبادئ الثلاثة".

أسباب توقف مخططات الترحيل القسرى للفلسطينيين قبل 52 عامًا

وحسب الوثيقة، فقد نبه السفير البريطاني في إسرائيل، آنذاك، في تقرير شامل إلى وزير الخارجية البريطاني، إلى أن الأونروا تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل، وقال إن الوكالة "تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية، لكنها لا يمكن أن توافق على النقل القسري للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش في مصر"، غير أن السفير عبر عن اعتقاده بأن توطين اللاجئين الغزاويين في الأراضي المصرية في العريش هو نموذج لعدم الحساسية الإسرائيلية تجاه الرأي العام الدولي.

وتابعت أنه في تقييمها للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى في الخارجية البريطانية من أنه مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة الإسرائيلية القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة، ويجب البحث عن حلول أخرى لمشكلة غزة.

وقالت السفارة البريطانية في تقرير إلى الخارجية في أواخر أغسطس من عام 1971 إن "عمليات التطهير في المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل في العريش وأماكن أخرى في الأراضي المحتلة ليس متاحا"، وأكدت أن عددا من اللاجئين الفلسطينيين نقلوا بالفعل من مخيم النصيرات إلى العريش.

تهجير العائلات الفلسطينية إلى العريش

وأفادت بأنه بحلول شهر ديسمبر من عام 1971 نقلت لندن معلومات من إسرائيل عن "المطرودين" الفلسطينيين إلى خارج غزة، وبحسب المعلومات التي نقلت خلال زيارة لدبلوماسي إسرائيلي إلى إدارة الشرق الأدنى، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رحلت 332 أسرة عدد أفرادها 2522 شخصا، من بين 1638 أسرة إلى العريش.

وفي برقية بعنوان "طرد الإسرائيليين للاجئين من غزة"، قالت الإدارة إنه "تم بالفعل طرد 1638 أسرة (11512 شخصا) من منازلهم في قطاع غزة، إما إلى مناطق أخرى في القطاع أو إلى مواقع أخرى خارجه".