رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاجآت الغزو البرى لقطاع غزة

مع بدء الحرب البرية الإسرائيلية المحدودة على قطاع غزة.. هل تحارب الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب إسرائيل؟.
الإجابة، وبشكل قاطع: نعم.
إذ أنه، في أعقاب العملية الخاصة لحماس في الأراضي الإسرائيلية، سارعت واشنطن إلى الصياح في العالم بأن إسرائيل تعرضت لهجوم إرهابي، ذبح فيه- كذبًا- الإرهابيون الأطفال بلا رحمة، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، بلا سقف.. ثم سارعت بإرسال حاملتي الطائرات، جيرالد فورد وأيزنهاور إلى قبالة سواحل غزة، مصحوبتين بأربعة آلاف من جنود المارينز، الفرقة الخاصة، للتدخل العملياتي مع الجنود الإسرائيليين.. هذا بالإضافة إلى الدعم المالي غير المحدود، والجسر الجوي من الأسلحة المتنوعة، ناهيك عن المساعدات الاستخباراتية والمشاركة في وضع الخطط، كأن واشنطن هي من تخوض العرب في الشرق الأوسط، أو هي على وشك ذلك، مع أن مسئولين كبارًا في الإدارة الأمريكية قالوا إن إدارة جو بايدن قلقة من أن إسرائيل تفتقر إلى أهداف عسكرية قابلة للتحقيق في غزة، وأن الجيش الإسرائيلي ليس مستعدًا بعد لشن غزو بري بخطة يمكن أن تنجح.
في محادثات هاتفية مع نظيره الإسرائيلي، يوآف جالانت، شدَّد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، على الحاجة إلى دراسة متأنية لكيفية قيام القوات الإسرائيلية بغزو بري لغزة، حيث تحتفظ حماس بشبكات أنفاق معقدة تحت مناطق مكتظة بالسكان، ومع أن الولايات المتحدة لم تخبر إسرائيل بما يجب عليها فعله، وما زالت تدعم الغزو البري، إلا أن البنتاجون أرسل قائدًا من مشاة البحرية من فئة ثلاث نجوم، هو اللفتنانت جنرال جيمس جلين، إلى جانب ضباط آخرين، لمساعدة الإسرائيليين في مواجهة تحديات خوض الحرب البرية، الذي قاد الحملة الصعبة لتطهير مدينة الموصل العراقية من مقاتلي داعش في عامي 2016 و2017.. يقول أوستن، الذي كان رئيسًا للقيادة المركزية للولايات المتحدة: "أول شيء يجب أن يعرفه الجميع، وأعتقد أن الجميع يعرفه، هو أن القتال في المناطق الحضرية صعب للغاية"، وقال إنه "شجع جالانت على القيام بعملياتهم وفقًا لقانون الحرب، لأن الغزو البري في غزة يمكن أن يؤدي إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين".
رغم المشاركة الأمريكية للإسرائيليين على الأرض، إلا أن إدارة بايدن قلقة من أن الجيش الإسرائيلي ليس لديه حتى الآن مسار عسكري واضح لتحقيق هدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتمثل في القضاء على حماس، وفي محادثات مع مسئولين إسرائيليين منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر، قال مسئولون أمريكيون إنهم لم يروا بعد خطة عمل قابلة للتحقيق.. وقد ألمح الرئيس بايدن إلى ذلك علنًا، خلال خطابه في تل أبيب الأسبوع الماضي، حذر من أن إسرائيل ستحتاج إلى "وضوح حول الأهداف وتقييم صادق حول ما إذا كان المسار الذي تسلكونه سيحقق تلك الأهداف".
إن على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستحاول، على سبيل المثال، القضاء على حماس باستخدام الضربات الجوية الجراحية، جنبًا إلى جنب مع الغارات المستهدفة من قِبَل قوات العمليات الخاصة- كما فعلت الطائرات الحربية الأمريكية في الموصل- أو أن تدخل غزة بالدبابات والمشاة، مثل مشاة البحرية الأمريكية والجنود، جنبًا إلى جنب مع القوات العراقية والبريطانية، في الفلوجة عام 2004.. مع العلم أن كلا التكتيكين سيسفر عن خسائر فادحة، لكن العملية البرية قد تكون أكثر دموية بالنسبة للقوات والمدنيين.. وفي البنتاجون، يعتقد العديد من المسئولين أن عمليات تطهير الموصل والرقة في العراق، بعد أكثر من عقد من الفلوجة، هي نموذج أفضل لحرب المدن، "أحد الأشياء التي تعلمناها هو كيفية حساب المدنيين في ساحة المعركة، وهم جزء من ساحة المعركة، ونحن، وفقًا لقانون الحرب، علينا أن نفعل ما هو ضروري لحماية هؤلاء المدنيين"، قالها أوستن وهو كذوب، ونحن نرى الشهداء بالآلاف تحت أنقاض المباني السكنية، التي دكتها طائرات ومدفعية الصهاينة على رءوس المدنيين المسالمين.. لأن معركتا الموصل والرقة، كلتيهما، أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وفي حين أن هذه الأرقام يمكن أن تختلف على نطاق واسع، فقد قدرت وكالة أسوشيتد برس عدد المدنيين الذين قتلوا خلال تخليص الموصل من مقاتلي الدولة الإسلامية بما يتراوح بين تسعة آلاف وإحدى عشر ألفًا. 
كتب مايكل نايتس، وهو زميل في معهد واشنطن، في تحليل في وقت سابق من هذا الشهر: "كانت لدى حماس خمسة عشر عامًا لإعداد دفاع كثيف في العمق، يدمج التحصينات الجوفية والأرضية وفوق الأرض، وأنفاق الاتصالات والمواقع والمواقع القتالية، فضلًا عن حقول الألغام المحتملة، والعبوات الناسفة، والألغام المضادة للدروع المخترقة والمباني المفخخة كشراك متفجرة".. ودعا السيناتور جاك ريد- وهو ديمقراطي من رود آيلاند يرأس لجنة القوات المسلحة- إسرائيل إلى تأجيل غزو غزة بريًا، لكسب الوقت لمفاوضات الرهائن، والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين، ومنح القادة الإسرائيليين فرصة أكبر لضبط تخطيطهم للقتال في المدن، "فكلما جمعت المزيد من المعلومات الاستخباراتية، وتمكنت قواتك من أخذها إلى القتال في المناطق الحضرية، كان ذلك أفضل.. قد يكون القليل من الوقت الإضافي مفيدًا.. ربما لا يكون التسرع في هذا هو النهج الأفضل، لأن قتالًا حضريًا في غزة سيكون جهدًا طويل الأجل"، وقد استغرق الجيش العراقي، بمساعدة الولايات المتحدة، تسعة أشهر لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل.
** وبعد..
أما وإن العمليات البرية الإسرائيلية على قطاع غزة قد بدأت، فإن هذا الهجوم البري على القطاع لن يكون غزوًا واسع النطاق، ولكنه سيجري على مراحل، لأن مصدر القلق الرئيسي الذي ستواجهه إسرائيل خلال الهجوم هو الكمائن والمقاتلون الخارجون من الأنفاق في غزة.. "الجيش الإسرائيلي يستعد لتنفيذ مجموعة واسعة من الخطط العملياتية الهجومية، التي ستشمل هجومًا متكاملًا ومنسقًا من الجو والبحر والبر ضد غزة، ويمكن أن يحدث أيضًا على مراحل، مع توغلات إضافية من قِبَل مجموعات صغيرة من الجنود الإسرائيليين، بدلًا من غزو كامل"، كما قال دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل، والذي يشغل الآن منصب أستاذ دراسات سياسة الشرق الأوسط في جامعة برينستون، الذي أوضح أن هناك أسبابًا عملياتية لعدم دخول إسرائيل على الفور، لأن مصدر القلق الكبير هو أن تواجه إسرائيل كمائن ومقاتلين يخرجون من الأنفاق في غزة خلال الهجوم البري، وأنه، على الرغم من الهجمات الجوية الإسرائيلية المستمرة على غزة، واصلت حماس إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، بفضل متاهة من الأنفاق والمخابئ المُعقدة تحت قطاع غزة، هذه الصواريخ المخبأة في ممرات تحت الأرض، بحيث يمكن نقلها داخل شبكة الأنفاق، مما يُحبط سلاح الجو الإسرائيلي، ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن النظام المتطور تحت الأرض، يحمل مولدات كهربائية وغرف استخبارات وإمدادات لجيش حماس.. وعلينا أن نضيف إلى ذلك، بقاء حماس على أهبة الاستعداد، ومن المنتظر اصطدام إسرائيل على الكثير من المفاجآت العملياتية على الأرض.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.