رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. ويعاقبون الأمم المتحدة!

بإلغاء الزيارة، التى كان يعتزم القيام بها إلى تل أبيب، عاقبت إسرائيل أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة. كما اتخذت الدولة العبرية إجراءات عقابية ضد المنظمة الدولية نفسها، من بينها سحب تأشيرات الدخول، وعدم إصدار تأشيرات جديدة، لجميع موظفيها، الذين يعملون فى إسرائيل، أو يسافرون عبر المطار الإسرائيلى إلى مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة. وذكرت مصادر عديدة أن الحكومة الإسرائيلية قررت شن حملة فى «وسائل الإعلام الدولية» ضد جوتيريش حتى يتراجع أو يستقيل!

نحن، إذن، أمام محاولة واضحة، مكشوفة ومفضوحة، لإرهاب الرجل وابتزازه، أخلاقيًا وسياسيًا، لمجرد أنه اتخذ موقفًا، يرى أنه يتفق مع واجبات منصبه. مع تسليمنا بأن هذا الموقف لن يقدم، أو يؤخر، شأنه شأن كل قرارات الأمم المتحدة، التى سبق أن خصص مجلس أمنها، وجمعيتها العامة، عددًا لا يُحصى من الساعات، لمناقشة وتمرير أكثر من ٨٠٠ قرار لمعالجة الصراع العربى الإسرائيلى، أو الفلسطينى الإسرائيلى، أو قضية السلام فى الشرق الأوسط، تم انتهاكها كلها، إسرائيليًا وأمريكيًا، أو إسرائيليًا برعاية أمريكية. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن مجلس حقوق الإنسان التابع، أيضًا، للأمم المتحدة، أدان إسرائيل أكثر من ٥٠ مرة، ولم يترتب على تلك الإدانات أى شىء. حرفيًا، لم يترتب عليها أى شىء.

المهم، هو أن الأمين العام للأمم المتحدة كان قد انتقد إسرائيل، بسبب استمرار غاراتها الجوية على قطاع غزة، مؤكدًا أن «حماية المدنيين لا تعنى إصدار الأوامر لأكثر من مليون شخص بإخلاء منازلهم والاتجاه جنوبًا؛ حيث لا يوجد مأوى ولا غذاء ولا مياه ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار فى قصف الجنوب نفسه». ورأى جوتيريش أن الهجوم الذى شنته حركة «حماس» فى ٧ أكتوبر الجارى «لم يحدث من فراغ»، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين تعرضوا «لاحتلال خانق على مدار ٥٦ عامًا»، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات، وعانوا العنف، ونزحوا عن أراضيهم، وتلاشت آمالهم فى التوصل إلى حل سياسى لمحنتهم.

فى الجلسة الوزارية التى عقدها مجلس الأمن، الثلاثاء الماضى، بدعوة من البرازيل، رئيسة المجلس هذا الشهر، أدان جوتيريش، أيضًا وبشدة، هجمات «حماس»، التى وصفها بـ«المروعة»، وندّد بـ«استخدام المدنيين دروعًا بشرية»، واصفًا ذلك بأنه «يُعد جريمة حرب». وأعرب عن شعوره بالقلق البالغ «جراء الانتهاك الواضح للقانون الإنسانى الدولى الذى نشهده فى غزة»، وأكد أنه «ليس هناك طرف فى صراع مسلح فوق القانون الإنسانى الدولى»، ثم حذر من انتشار أو توسيع نطاق الحرب فى المنطقة. 

الأمين العام للأمم المتحدة لخّص موقفه، الذى أراد أن يجعله متوازنًا، فى أن «المظالم المشروعة للشعب الفلسطينى» لا يمكن أن تبرر «الهجمات المروعة» التى قامت بها حماس، والتى لا يمكن تبرر، هى الأخرى، «العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى». ومع ذلك، هاجمه إيلى كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلى، ثم طالبه جلعاد إردان، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، فى حسابه على «إكس»، بالاستقالة فورًا، بزعم أنه «ليس مؤهلًا لقيادة الأمم المتحدة»، وليس هناك أى مبرر أو فائدة من التحدث معه، واتهمه بأنه متعاطف مع «أفظع الفظائع» التى تم ارتكابها ضد مواطنى إسرائيل والشعب اليهودى.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «مجلس الأمن»، الذى فشل ٤ مرات إلى الآن فى تبنى قرار بشأن الأزمة الراهنة، هو الجهة المنوط بها تحقيق التوازن والحفاظ على استقرار العالم، نظريًا، أو على الورق، أو وفقًا لميثاق الأمم المتحدة. فى حين يقول الواقع إن ذلك المجلس هو الأكثر تجسيدًا لعدم التوازن فى العلاقات الدولية، بمنحه الدول الخمس دائمة العضوية حق نقض أو نسف أى قرار. إضافة إلى أن تلك الدول اعتادت على عدم الالتزام بأى قرارات تعارضت مع مصالحها، ولم يحدث أن قوبل ذلك، أو قوبلت انتهاكاتها المتكررة للشرعية الدولية، بأى رد فعل. وسبق أن أوضحنا كيف تمكنت الولايات المتحدة، ودول حليفة أو تابعة، من اختطاف كل مؤسسات صنع القرار الدولى، وحوّلتها إلى شركات خاصة لا تخدم غير مصالحها.