رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية التعبير.. هناك!

أبناء الناجين من العبودية والمحرقة والاستعمار والحرب والقمع، فى الولايات المتحدة، شعروا أنهم مضطرون إلى رفع أصواتهم، فى هذه اللحظة، فأدانوا، فى بيان، ما وصفوه بـ«جرائم الحرب المروعة التى ارتكبتها حماس»، لكنهم أبدوا حزنهم على المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون معاناة كارثية على أيدى الحكومة الإسرائيلية، محذرين من أن «عدوانية الإدارة الأمريكية ستؤدى إلى نتائج سياسية فظيعة، ومزيد من العنف طويل الأمد فى الشرق الأوسط». وسألوا: «هل يمكننا توجيه جهودنا لوضع حد للوضع الراهن للاحتلال والعنف، وإيجاد سبل لتحقيق سلام مستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟».

الكلام، كما ترى، متوازن، أو حاول أن يكون كذلك. ومع ذلك، لم يكشف الموقعون عليه عن هويتهم، مكتفين بالإشارة إلى أنهم أكثر من ٤٠٠ مسئول حكومى أمريكى من المسلمين واليهود، حرصًا على سلامتهم الشخصية، ومستقبلهم الوظيفى. ونرى أن لديهم كل الحق، بعد أن قام أكثر من ٤٤ ألف شخص بالتوقيع على عريضة تطالب بإقالة أستاذ بجامعة «ييل» بسبب تغريدة أدان فيها المجازر الإسرائيلية. وكذا، بعد أن قام مركز «إيمورى» بجامعة أتلانتا الأمريكية، بإيقاف أستاذة مساعدة، من أصل فلسطينى، عن العمل، وإحالتها للتحقيق، لأنها كتبت فى حسابها الشخصى على فيسبوك: «إذا كانت لديكم جدران فلدينا طوافات طائرة»، تعليقًا على ما قامت به المقاومة الفلسطينية فى ٧ أكتوبر الجارى.

أيضًا، «من أجل سلامة الطلاب»، لم تظهر أسماء مجموعات طلابية فى جامعة «هارفارد»، أصدرت بيانًا مشتركًا يحمّل «النظام الإسرائيلى كامل المسئولية عن العنف»، ويؤكّد أن عملية «حماس» لم تأتِ من العدم، وأن «العنف الإسرائيلى يهيمن على كل جوانب الوجود الفلسطينى منذ ٧٥ سنة». وهو البيان الذى أكّد رجل الأعمال الأمريكى بيل أكمان، فى حسابه على «تويتر»، «إكس» حاليًا، أن بعض رؤساء الشركات يطالبون بالكشف عن أسماء الموقعين عليه «حتى لا يتم توظيفهم فى المستقبل»!.

الوضع أكثر سوءًا، وسوادًا، فى الدول الأوروبية، إذ إن مجرد ذكر كلمة فلسطين فى ألمانيا سيؤدى إلى اتهامك بمعاداة السامية، بحسب الكاتبة البوسنية، لانا باستاشيتش، التى أكدت فى مقال نشرته جريدة «الجارديان» أن «دعم ألمانيا الرسمى لتصرفات الحكومة الإسرائيلية لا يترك مجالًا للإنسانية، ويأتى بنتائج عكسية، إذ يعمل على نشر كراهية الإسلام، ومعاداة السامية». كما أكدت «باستاشيتش» أن «خنق الأصوات المعارضة لقتل المدنيين فى غزة يمتد ليشمل حتى اليهود»، مستشهدة بأن الشرطة الألمانية ألقت القبض على امرأة يهودية إسرائيلية، رفعت لافتة فى إحدى ساحات برلين تدعو إلى إنهاء العنف!.

فى المقال، الذى ربما سمحت الجريدة البريطانية بنشره، على الأرجح، لأنه يتحدث عن ألمانيا، وليس عن بريطانيا، أكدت «باستاشيتش»، الحاصلة على جائزة الاتحاد الأوروبى فى الآداب سنة ٢٠٢٠، أن الأمر لم يقتصر فقط على «إيقاف أو تفريق الشرطة للمسيرات المؤيدة للفلسطينيين»، بل تم إرسال تحذيرات إلى المدارس من أى سلوك أو تعبير عن رأى يمكن أن يُفهم منه أنه يدين إسرائيل، مع حظر أى رموز مرتبطة بفلسطين، مثل العلم والكوفية وملصقات مثل «فلسطين حرة»، بزعم أن ذلك يمثل تهديدًا للسلام.

.. وتبقى الإشارة إلى أن جريدة «الجارديان» قامت بفصل رسام الكاريكاتير ستيف بيل، بعد ٤٠ سنة خدمة، لأنه رسم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهو يجرى عملية جراحية بقفازات ملاكمة لبطنه، التى جعلها على شكل خريطة لقطاع غزة، مع عبارة تقول: «سكان غزة.. غادروا حالًا». وقد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، أوقفت عن العمل، وأحالت إلى التحقيق، عددًا من العاملين فى خدمتها العربية، لمجرد أنهم كتبوا تدوينات أو تغريدات أو تعليقات فى حساباتهم الشخصية، على شبكات التواصل الاجتماعى، أو حتى أبدوا إعجابهم، أى عملوا «لايك»، على أى محتوى يتعلق بالحرب فى غزة، ترى الهيئة أنه لا يتوافق مع سياستها التحريرية!.