رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خريطة نتنياهو

منذ شهر بالضبط، أى قبل نحو أسبوعين من عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية، التى قابلتها عملية «السيوف الحديدية» الإسرائيلية، ألقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، كلمة أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ركّز فيها على آفاق التطبيع والسلام مع الدول العربية، مستعينًا بخريطة اكتست فيها ست دول عربية، من بينها السعودية، باللون الأخضر، بينما طغى اللون الأزرق، الذى يحمل كلمة إسرائيل، على الأرض المحتلة كلها، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة!

هذا، باختصار هو التفسير المنطقى لما تقوم به سلطات الاحتلال على الأرض: ضم الضفة الغربية، وقطاع غزة، وإهدار ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطينى، واقتلاعه من أرضه، وقطع أى طريق أمام إقامة دولته. ويعزز هذا التفسير تعهّد نتنياهو، منذ أيام، بـ«تغيير خريطة الشرق الأوسط»، وما كتبه فى حسابه على موقع تويتر، «إكس» حاليًا، مساء الجمعة ٢٢ سبتمبر الماضى، أى فور إلقاء خطابه فى الأمم المتحدة: «إن أعظم إنجاز فى حياتى هو أن أقاتل من أجلكم ومن أجل بلدنا. سبت مبارك».

الرئيس عبدالفتاح السيسى، إذن، لم يكن مبالغًا حين قال خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، إن «فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، تعنى حدوث أمر مماثل وهو تهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن». والأكثر من ذلك، هو أن المملكة الأردنية نفسها ظهرت داخل حدود ذلك الكيان على منصة تحدث خلفها بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلى، زعيم حزب «الصهيونية الدينية» اليمينى المتطرف، «تكوما»، فى مارس الماضى، خلال حفل تأبين الناشط الليكودى جاك كوبفر، أقيم بالعاصمة الفرنسية باريس.

خلف هذه المنصة، التى كان عليها أيضًا شعار «عصابة الإرجون» التى ارتكبت مئات المجازر، قال وزير مالية نتنياهو: «لا يوجد شىء اسمه الشعب الفلسطينى، هذا شعب تم اختراعه فقط لمحاربة الحركة الصهيونية»، زاعمًا أن «هذه هى الحقيقة التاريخية، هذه هى الحقيقة التوراتية.. التى يجب أن يسمعها العرب فى إسرائيل، وكذلك بعض اليهود المربكين فى إسرائيل، هذه الحقيقة يجب أن تُسمع هنا فى قصر الإليزيه، وفى البيت الأبيض فى واشنطن، والجميع بحاجة لسماع هذه الحقيقة، لأنها الحقيقة»!

هذه الخيالات، الهلاوس أو الصفاقات، وصفتها الخارجية الأردنية، وقتها، بأنها «تصرّف تحريضى أرعن وخرق للأعراف الدولية ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية». وعلى إثرها، استدعت السفير الإسرائيلى فى عمّان لإبلاغه رسالة احتجاج شديدة اللهجة لنقلها إلى حكومته، تضمنت إدانة الحكومة الأردنية، «التصريحات العنصرية التحريضية المتطرفة إزاء الشعب الفلسطينى الشقيق وحقه فى الوجود، وحقوقه التاريخية فى دولته المستقلة ذات السيادة على التراب الوطنى الفلسطينى». كما تم إبلاغ السفير الإسرائيلى بـ«ضرورة قيام حكومته باتخاذ موقف صريح وواضح إزاء هذه التصرفات المتطرفة، والتصريحات التحريضية الحاقدة المرفوضة من وزير عامل فى الحكومة الإسرائيلية».

طبعًا، لم تتخذ حكومة الاحتلال أى إجراء ضد الوزير المتطرف، القريب جدًا من نتنياهو، الذى كان قد هدّد فى أبريل ٢٠٢١، بإحداث اضطرابات إذا قام المدعى العام بمنع الأخير من تشكيل الحكومة بسبب اتهامه بالفساد، والذى قال، أيضًا، فى أكتوبر التالى، مخاطبًا أعضاء الكنيست العرب: «أنتم هنا عن طريق الخطأ، إنه خطأ بن جوريون الذى لم يكمل المهمة، ولم يطرد كل العرب سنة ١٩٤٨».

أخيرًا، وبينما يواصل جيش الاحتلال غاراته الجوية على قطاع غزة، تشن قواته، أيضًا، هجمات فى الضفة الغربية، بمساعدة المستوطنين و«فرق الخطف الإسرائيلية»، أسفرت، حتى الآن، عن استشهاد أكثر من مائة فلسطينى وإصابة حولى ألف آخرين. وستجد فى جريدة «الإندبندنت» مقالًا كتبه كيم سينجوبتا، Kim Sengupta، يتوقع فيه أن تصبح الضفة الغربية جبهة أخرى فى الحرب الإسرائيلية الراهنة، لافتًا إلى أن الائتلاف الحاكم بين الليكود والحزب الصهيونى المتشدد، يتبنى سياسة تهدف إلى فرض السيادة على «يهودا والسامرة»، الأسماء التوراتية لإسرائيل الكبرى، التى تشمل الضفة الغربية.