رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة "الغريب" من غزة.. مصر غالية علينا ونقدّر موقفكم

تتصاعد وتيرة الأحداث في قطاع غزة وأنظار العالم تتابع عن كثب مجريات الأمور، الصورة دامية مؤلمة بعد أن أدارت الآلة العسكرية الإسرائيلية ضرباتها التي لا تنقطع ليل نهار في اتجاه قطاع يسكنه مليونان ونصف مليون نسمة هم سكان "غزة "، لا حول ولا قوة لهم إلا التضرع إلى الله وإرسال رسائل استغاثة لمن حولهم لعل العالم يستفيق من غفوته، لعل من يتشدقون بحقوق الإنسان يدركون ما تفعله إسرائيل والصهاينة في شعب أراد الحياة على أرض وطنه المغتصبة. لا ننكر الدور العربي وفي مقدمته القيادة المصرية في دعم القضية الفلسطينية، لا سيما أن اتصالات رؤساء الدول في تواصل مع القيادة المصرية التي تتابع بحكمة وروية سبل الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني، والإصرار على حل الدولتين والعودة لحدود 67، لعل العالم يستجيب لهذا الحل السلمي بما يضمن حق الشعب الفلسطيني.
على المستوى الشعبى لا صوت يعلو الآن في الشارع المصري على صوت الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة منذ عام 1948، الكل في مجلسه وموقعه منشغل بما يحدث لسكان غزة، المواطن المصري لم يعد يبالي باهتماماته الداخلية من عودة مدارس وجامعات، ارتفاع أسعار وغيره من الانشغالات اليومية.. المواطن المصري مهموم بقضية الأشقاء في قطاع غزة، يتألم لأحبائه يتوجع من صرخاتهم، ونداءاتهم عبر وسائل الإعلام، يتألم لسماع طلقات الرصاص والمدفعية الثقيلة التي يطلقها العدو الغاشم من الجانب الإسرائيلي.. فالمواطن المصري لا ينكر على شقيقه الغزاوي الدفاع عن وطنه وأرضه وعرضه.
المواطن المصري يتوحد مع مطالب الشعب الفلسطيني.. نتألم جميعًا لاستغاثة  المواطن الغزاوي حين يطلق صرخته: "لا مياه شرب ولا طعام ولا دواء ولا كهرباء ولا..ولا..."، يا غزاوية نشعر بكم ونتألم ونصيح معكم للعالم أجمع ونقول ياأصحاب العقول الرشيدة أين حق هؤلاء في الحياة؟. أيها المجتمع الدولي يا من وضعتم قوانين حقوق الإنسان، أين أنتم من صغار يبكون، يتألمون، يتضورون جوعًا، أين هي حقوق الإنسانية؟ أين العدل والمساوة؟..أيها المجتمع الدولي أنت تكيل بمكيالين تدافع عن إسرائيل الصهيونية ولا تعترف بحق أصحاب الأرض.. لا تعترف بحق شعب فلسطين.. سيأتي يوم ويعود الحق لأصحابه مهما طال ظلمكم لشعب سجين في قطاع لأكثر من 20 عامًا.
في عام 2008 تعرض قطاع غزة لأحداث ليست ببعيدة عما يدور الآن، واشتد الحصار على القطاع وسمحت السلطات المصرية بفتح معبر رفح لأيام تعبيرًا عن الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان القطاع، كانت الفرصة سانحة لمن يرغب من الجانب المصري الدخول والخروج للقطاع عبر معبر رفح الذي يخضع للسيادة المصرية كاملة وفقًا لاتفاقية المعابر 2005، ومصر هي صاحبة القرار متى تسمح بفتح المعبر ومتى تغلقه وفقًا لرؤيتها السيادية على المعبر... آنذاك قررت الدخول لـ"غزة" أتعرف إلى هذا العالم عن كثب، وأتزود ببعض القصص الصحفية التي أنقلها من هناك، أمضيت ما يقرب من أربعة أيام في "غزة"، تجولت بين أحيائها، شهدت إحدى الغارات في "خان يونس"، كنت أركض في الشوارع كما يركض الجميع هربًا من وابل الرصاص، عشت معهم أوقاتًا عصيبة، فترات انقطاع الكهرباء والإنترنت، وكيف يتم عزلهم عن العالم بفعل المحتل الإسرائيلي، اختبأت معهم في خنادقهم تحت الأرض، عرفت كيف يتحملون الجوع والعطش، لقد اعتادوا على هذه الأوضاع، يتحملون بؤس الحياة من أجل البقاء في وطنهم، لا يمر يوم دون تشييع  شهيد أو أكثر، يزفونهم إلى شباب الجنة.. كل فرد من أفراد "غزة" هو مشروع شهيد من أجل الوطن..أثناء التجوال بين الأسر الغزاوية سألت سيدة من "بيت حنون": لماذا لم تذهبي إلى القاهرة أو العريش فهي فرصة للخروج؟، أجابتني: "عمري 35 عامًا، ولدت هنا في غزة ومنذ نعومة أظافري أعلم أن المحتل يريد أن يخرجني من أرضي، لهذا لن أبرح مكاني حتى الموت، واستطردت قائلة، لقد أرسلت بابني مع أصدقائه إلى العريش، وطلبت منه أن يحمل لي بعض من تراب أرض مصر أشتم فيه رائحة هذا الوطن الذي حلمت بزيارته يومًا وعلى يقين أن حلمي سيتحقق بعد أن يستقل وطني ويخرج منه العدو المغتصب،  في إحدى الأمسيات مع شباب "غزة"، تحدثوا عن الحرية وعن استقلال وطنهم، وأقسموا ألا يغادروا هذه الأرض إلا بعد عودتها.. الجميع في غزة يتحملون كل شيء من أجل الوطن، لا يهابون الموت، رابضون على أرضهم يقدمون الغالي والنفيس من أجل حماية وطنهم، لم يتحدثوا يومًا عن الرحيل، ليست لديهم مطامع في أماكن أخرى غير بلادهم.. أهل غزة يعرفون معنى الوطن، يعرفون معنى النضال، الشعوب لا تموت بل تبني الأوطان وتتوارثها الأجيال.
عدت من غزة محملة بالأوجاع والآلام لشعب في قلبه جرح غائر هو الوطن، عدت وأنا محملة بالوثائق والمستندات التي تؤكد  قرارات إسرائيل- دولة الاحتلال- عن عمد عدم مد مستشفيات غزة بالكهرباء لأيام، ويموت الأطفال النساء والشيوخ بسبب قرارات إسرائيل الغاشمة، كل هذه المستندات يراها العالم ويغض الطرف عنها وينحاز لدولة الظلم، دولة الصهاينة.
أشقاؤنا في غزة، من مصر نتابع أخباركم، نرفع أيدينا بالدعاء إلى الله أن يرفع البلاء ويكشف الغمة عنكم.. صديقي وزميلي "محمد الغريب" أرسلت له للاطمئنان عنه وعن أهله، كانت رسالته التي طلب مني أن أبلغها لكل المصريين: "مصر غالية علينا وعمقنا اللي نستمد منه القوة..بنحبكم كلنا.. ربنا يخرجنا من هذه الحرب سالمين.. ولو ضالينا عايشين نطمنكم علينا.. سامحونا لو تأخرت في الرد قصف بيوتنا مستمر كل لحظة".