رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على قدر التضحيات.. تتحقق الإنجازات

أدرك الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ اللحظات الأولى لتوليه قيادة هذه البلاد، أنه لا يمكن أن ننهض قبل أن نركز على بناء الإنسان من جديد، وأنه لا فائدة من امتلاك الأسلحة وبناء الجامعات والتنقيب عن النفط والغاز وبناء ناطحات السحاب واستقطاب الاستثمارات وبناء الجسور والشوارع والمصانع، قبل أن نبني الفرد المنتمي الذي يعتز بلغته وتاريخه ودينه وجنسه.. فعند إذن، سنتمكن من بناء وطن قوي منيع ومتطور، يكون ضمن منظومة الحداثة العالمية.. وقد فاز رهان الرئيس، الذي أمسك بالهدفين معًا، بناء الإنسان مع تعلية البنيان، لأننا لا نمتلك رفاهية الوقت الذي استغرقه غيرنا، حتى يستقيم على طريق الحضارة والمدنية.. صحيح كان الطريق المصري شاقًا وطويلًا وما زال أمامنا فيه خطوات، حتى نصل إلى المُبتغى، لكننا لم نكن وحدنا.. فالذين يحرصون على إعادة بناء الأوطان، لا بد أن يتحملوا الصعاب.
علينا هنا أن نتذكر تلك الأمم التي عانت أكثر من معاناتنا الحالية، وتلك الأمم التي مرت بظروف جعلتها أكثر ألمًا من حالنا اليوم.. كيف نهضت من جديد وتصدرت أمم الحداثة رغم ذلك؟.
خسرت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية أمام قوات التحالف، بعد أن تسببت في مقتل خمسين مليون إنسان جُلهم من أوروبا، بعد أن أحرقتها ودمرتها قوات التحالف وفرضت عليها شروط استسلام قاسية جدًا، حتى تم تقسيمها إلى قسمين، ألمانيا الشرقية التي كانت تتبع المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي وقتها، وألمانيا الغربية التي تتبع المنظومة الغربية الرأسمالية.. كان الهدف من هذا التقسيم هو كسر شوكة الشعب الألماني الذي عانت منه أوروبا لقرون والعالم بأسره، لكن أوروبا نسيت أن الألمان عملوا كثيرًا على الفرد الألماني حتى أصبح اعتداده بنفسه وقوميته جينًا من جيناته الوراثية، إلى أن جاء اليوم الذي هدم به الشعب جدار برلين، الذي كان يقسم ألمانيا حجرًا حجرًا، حتى إن القادة الألمان الاشتراكيين في ألمانيا الشرقية ما زالوا يتساءلون عن كيف حدث ذلك؟، ومتى بدأ؟
فكيف إذًا نهضت ألمانيا من جديد، وهي دولة فقيرة لا يوجد بها نفط أو غاز أو أي موارد طبيعية أخرى، هي فقط غنية بالفحم الحجري؟
نهضت ألمانيا خلال أقل من ثلاثين عامًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي دمرتها عن بكرة أبيها، فقط من خلال استثمارها في الفرد الألماني الذي عملت عليه وعلى تنشئته منذ الصغر، ضمن برامج حكومية مدروسة، لقد أصبح الشعب الألماني المورد الأساسي والأول للاقتصاد الألماني، فالشعب هناك يعتز بلغته وتاريخه وجنسه، لا يمكن أن تتحدث في ألمانيا مع أي ألماني غير اللغة الألمانية حتى لو كان يتحدث لغات أخرى.. في ألمانيا لا يهم أن تكون مهندسًا أو طبيبًا أو محاميًا، على الرغم من أن التعليم مجاني منذ الصف الأول حتى الجامعة، المهم أن تتقن ما تقوم به، سواء كنت طبيبًا أو كنت صانع أحذية، ومن هنا يأتي احترام المجتمع لك، لا توجد هناك كذبة اسمها (كليات القمة)، القمة فقط حين تتقن عملك وتتميز به، وحين تثبت أنك تحب عملك هذا، لذلك فإن أفضل السيارات ألمانية وأفضل المسامير أيضًا ألمانية.. في ألمانيا، وعكس بلدان العالم، هناك ستة عشرة حكومة، ولكل حكومة قوانينها الخاصة، لكنها تتبع حكومة مركزية واحدة، لا يمكن أن ينجح نظام سياسي كهذا النظام إن لم يكن هناك شعب منتم ومحب لوطنه ومدينته وبيئته وعمله ووظيفته.. ولا أنسى هنا أن أذكر بأن نصيب الفرد الألماني من الطعام يوميًا، في مرحلة إعادة بناء الدولة، كان بيضة واحدة.. نعم.. بيضة واحدة، قبل أن نرى ألمانيا اليوم.
وعندنا هنا.. وكما قال الرئيس السيسي، كانت التحديات التي واجهت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية، كافية لجعلها غير قادرة على النهوض مرة أخرى، (لا توجد دولة تُبني إلا على الصلاح، وليس بالإهانة والخراب ولا الهدم والتشكيك والظلم، زي لما أقول على عمل أجراه مسئول إن العمل ده منقوص أو فاسد أو غير مدروس، أنا بظلمه وبظلم جهده وعمله وبحط عليهم التراب).. مشكلة الدولة خلال السنين إللى فاتت إنها هزت الثقة في نفسها، الناس مكنتش مصدقة إننا نقدر نعمل طريق أو كوبري واستكتروهم على نفسهم.. عندنا كتير أوي من العمل والجهد والمثابرة، و(لو كان البناء والتنمية والتقدم ثمنه الجوع والحرمان فمناكلش ولا نشرب).
لقد عملت الدولة المصرية على إحداث التنمية بالتوازي مع محاربة الإرهاب والشائعات والأكاذيب.. وقد كانت الثقة المفقودة والأمل الضائع يشكل جزءًا من وجدان المصريين، وقد عملت الدولة على إزالته بجمع الناس في مشروع واحد، هو حفر قناة السويس الجديدة.. يقول الرئيس: (هقولكم على حاجة أول مرة أقولها في العلن، وإحنا بنعمل قناة السويس، أشرف سالمان وزير الاستثمار الأسبق، قال إننا عاوزين نخلي المصفوفة المالية تتواكب مع الاقتصاديات.. وقتها سعر الفائدة كان 10.5%، فقولت هنعلن فتح باب المساهمة في إنشاء قناة السويس بفائدة 12%، عشان الناس تتحرك وتحط فلوسهم، واللي أدت إلى إنجاز المشروع، الذي لا يكفيه من خمس إلى عشر سنوات، في سنة واحدة).. كان من المتوقع أن يحقق دخل قناة السويس خلال 2024/ 2025 نحو 12 مليار جنيه، واليوم أصبحت تحقق دخل 10 مليارات جنيه، ومتوقع وصولها إلى 10.5 مليار بنهاية عام 2023.. وهنا، الدولة لم تنظر إلى العائد المادي من مشروع قناة السويس الجديدة، بقدر ما تم الاهتمام بالعائد المعنوي الذي سيعود على المصريين في تلك الفترة.. لم يكن الهدف من القناة الجديدة خدمة المسار الاقتصادي، لكن كان جزء منها ومن أي مشروع هو استعادة الناس ثقتهم بأنفسهم.
لقد جاء مؤتمر (حكاية وطن)، الذي انعقد الأسبوع الماضي، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليكشف حجم الإنجازات التي تمت في الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية، بالإحصائيات والأرقام.. جاء كاشفًا لحجم الإنجازات والمشروعات التنموية التي شهدتها الدولة المصرية في جميع المجالات بمختلف محافظات الجمهورية، فكان ـ أي المؤتمر ـ رؤية ثاقبة وخارطة طريق نحو استكمال بناء الجمهورية الجديدة، خصوصًا أن الدولة المصرية تشهد طفرة غير مسبوقة في كافة القطاعات خلال السنوات الماضية، منذ تولي الرئيس السيسي قيادة البلاد إلى بر الأمان.
تنوعت إنجازات الدولة خلال فترة حكم الرئيس، بين كل القطاعات، سواء قطاع التعليم أو قطاع الصحة، بالإضافة لقطاع التشييد والبناء وغيرها، وبالرغم من الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم، إلا أن مصر استطاعت بفضل توجيهات القيادة السياسية أن تتصدى للأزمة وتتعامل معها، بما يخفف من وطأتها على المواطن المصري البسيط.. وكان الرئيس السيسي حريصًا على استعراض حجم التحديات التي واجهت الدولة، لا سيما فيما يتعلق بحملات التشكيك التي تستهدف زعزعة الثقة بين الشعب وقيادته السياسية، لكنه نجح في لم الشمل خلال السنوات الأخيرة، وأرسى قواعد الاستقرار في البلاد.. مع أن الكل مُتربص، والجمع لا يريد لنا الاستقرار والتقدم.. وهذا حديث الإسبوع القادم.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

[email protected]