خطيئة المرشح المحتمل
تكمن قدسية أي عملية ديمقراطية في الالتزام الدقيق بسيادة القانون، وفي الاحترام المتبادل بين المرشحين والمؤسسات والناخبين. ومع ذلك، يبدو أن المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي يرسم مسارًا متباينًا. فالدعوة الغريبة التي وجهها مؤخرًا تحت اسم "التوكيلات الشعبية"، تخلو من احترام مؤسسات الدولة والجهات الرسمية المشرفة على إجراءات الترشح، وليست مجرد انحراف بل مدعاة للقلق.
الآثار القانونية
من الناحية القانونية، فإن أساس إجراءات الترشيح في مصر مبني على احترام والاعتراف بالهيئات والبروتوكولات الرسمية التي تحكم العملية، والتي من بينها أن يزكى المترشح 20 نائبًا برلمانيًا، أو أن يؤيده 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى 15 محافظة. هذه الاشتراطات ليست مجرد شكليات؛ فهي أدوات حيوية لضمان عدالة وشفافية ومصداقية العملية الانتخابية. والاستهزاء بها، كما يبدو أن الطنطاوي قد فعل، لا يؤدي إلى تقويض مصداقيته فحسب، بل يلقي بظلاله على مستقبله السياسي برمته. لا يتعلق الأمر فقط بتجاوز الحدود؛ بل باحتمال تخريب قدسية العملية الانتخابية.
تم تصميم الإطار القانوني المصري حول الانتخابات لمعاقبة أولئك الذين يحاولون عمدًا تخريب العملية، سواء من خلال تجاهل القنوات الرسمية أو من خلال وسائل أكثر خبثًا، وهو الأمر الذي شددت عليه الهيئة الوطنية للانتخابات في مؤتمرها الذي عقدته خصيصًا للإعلان عن ضوابط الانتخابات، ودعوة الطنطاوي، رغم أن البعض قد ينظر إليها على أنها حميدة، أو مقياس للشعبية، أو حتى مضحكة، إلا أنها تحمل في طياتها ثقل العواقب القانونية المحتملة. ومن أجل مصداقية مصر الديمقراطية، لا يمكن تجاهل هذه الأمور.
مخاوف أخلاقية
وبعيدًا عن العواقب القانونية يكمن قلق أخلاقي أعمق، ما هي الرسالة التي ترسلها دعوة الطنطاوي للشعب المصري؟ أنه يجوز عدم احترام المؤسسات طالما أن المرء لديه الجرأة الكافية؟ أم أن العملية الانتخابية، التي ينبغي أن تكون مقدسة، يمكن أن تستخدم كمنصة للدعايات والمسرح السياسي؟
إن مثل هذه التصرفات تقلل من شأن جهود عدد لا يحصى من المصريين الذين ناضلوا من أجل إنشاء واستمرار المجتمع الديمقراطي، وتستحق هذه المساعي ما هو أفضل من الاستهانة بها من قبل الانتهازية السياسية.
فضيحة التزوير
ويصبح الوضع أكثر قتامة عندما ينظر إليه في سياق الفضيحة الأخيرة حيث تم القبض على ثمانية أفراد في مختلف المحافظات المصرية بتهمة تزوير "توكيلات شعبية" تأييد للطنطاوي. التزوير في المحررات الرسمية؛ وخاصة في عملية على قدر كبير من الأهمية مثل الانتخابات الرئاسية، لا يشكل جريمة فحسب، بل إنه خيانة عميقة لثقة الجمهور، فهو يؤدي إلى تآكل الثقة في الآليات الديمقراطية ويثير تساؤلات حول شرعية المشاركين فيها، وحقيقة تزوير هذه التأييدات لصالح الطنطاوي تستدعي التدقيق الدقيق في حملته وأساليبها.
ختامًا؛ بينما تزدهر الديمقراطية في ظل الآراء المتنوعة، والمناقشات النابضة بالحياة، والنهج غير التقليدي في بعض الأحيان، هناك خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها، حيث إن احترام مؤسسات الدولة، والالتزام بالبروتوكولات المعمول بها، والسلوك الأخلاقي للحملات هي أمور غير قابلة للتفاوض.
إن الدعوة الغريبة التي وجهها أحمد الطنطاوي وفضيحة التزوير المرتبطة بتأييده هي بمثابة تذكير صارخ بالتحديات التي لا تزال الديمقراطية المصرية تواجهها، ومن الأهمية بمكان أن يتم التعامل مع هذه الأحداث بالجدية التي تستحقها، ليس فقط من أجل هذه الانتخابات، ولكن من أجل مستقبل العمليات الديمقراطية في مصر.