رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكباب

على عكس ما يظن الكثيرون، أنا كنت طفل مهذب مطيع، آند جيس وات؟العيبة ما تطلعش من بقي، العيبة مش بس الألفاظ الكي كي، لأ، من أكبر العيب كانإني أطلب من بابا وماما حاجةخصوصا الأكل(أيوه كنت بـ أقول بابا وماما في الصعيد عادي)
كنت أقول لـ نفسي، ليه تحرجهم بـ طلب أكلة معينة؟ما هم لو يقدروا يعملوها مش مستنيين طلبك، من هناعمري ما قلت لهم رغبتي في أكل الكباب، كان نفسي آكل كباب، عمرنا ما عملناه في بيتنا، كنت دايما أقول لـ نفسي: إحنا صحيح فقرا، بس هل لـ درجة إننا ولا مرة ولا مرةجربنا ناكل كباب من نفسنا؟
ربك والحق، أنا أساسا ما أعرفوش، عمري ما دقته ولا شفته حتى، بس بـ أسمعهم في التلفزيون يقولوا كباب، شكلها كمان أكلة ملوكي، دايما بـ يستخدموها لـ التعبير عن إن حالة الشخص دا بقت مرتاحة، وبـ ياكل كباب.
18 سنة يا مؤمنعايش فـ أحلامي مع ابن الذين دا، طب شكله إيه؟طب هو خضار زي البامية والفاصوليا، ولا زي اللحمة، ولا طيور، ولا أسماك، ولا حلويات، طب حادق ولا حلو؟ بس شكله حادق (مين دش)، مقلب لـ يكون فيه جبنة، ما أحبش أنا الجبنة نوهائي.
ما عندناش في أسيوط مطاعم بـ تعمل كباب، المطاعم يا إما فول وطعمية يا كشري، يا إما لحمة وفراخ وكدا، زي اللي فـ بيتنا يعني، طب يمكن بـ يعملوه في فندق بدر اللي بـ يبيت فيه المحافظ، ولا في الفندق الجديد هابي لاند؟
فـ يوم من الأيام هـ أروح مصر (القاهرة) وأقابل الخطيب وسعاد حسني وخالد عبد الناصر، وآكل كباب، أكيد.
جيت القاهرة مع الجامعة، بس الحالة كانت صعبة جدا، لما ألاقي مكان أبات فيهأبقى أفكر في الكباب، الحلم اتأجل تلات سنين مرة واحدة، تلات سنين توارى الحلم وراء المرمطة والبهدلة والبحث عن مصدر رزق.
أخيرا اشتغلت، ولما اشتغلت اشتغلت بـ فلوس كتير، ألفين وخمسمية جنيه سنة 96، لـ شاب عنده 21 سنة، كان مرتب مهول، قلت لـ نفسي ما بدهاشي: أحقق أحلامي بقى.
كان شغلي في الزمالك، طلعت من الشغل ادور في الشوارع، لقيت مطعم في شارع 26 يوليواسمه مطعم غانم السياحي (ما عادش موجود)كاتب يافطة كبيرة: كباب وكفتة، مش مهم الكفتة، ما أنا عارفها، دخلت المحل، جالي الراجل (الويتر يعني):أؤمر سعادتك!
ما قلتش غير كلمة واحدة: كباب، كان نفسي الكلمة ما تبقاش أربع حروف، كان نفسي تبقى زي سألتمونيها، اللي تقعد تنطق فيها شوية كتير، مشاعر مختلطةما بين الفخر والشوق والانتصار والفرحة، انبساط لا نهائي، لـ درجة إنه لما سألني ربع ولا نص؟ قلت له: نص.
أنا أصلا ما أعرفش ربع إيه ولا نص إيه، بس النص أكتر من الربع.
راح، وأنا عمال أغمض عيني وأفتحهم، ثم لقيت الراجل جي، حط أطباق السلطة والطحينة وبابا غنوج، والحاجات اللي مش بحبها دي، فكرت لحظة إن دا ممكن يكون الكباب، دا يبقى كابوس، فـ سألت بـ حذر: هو حضرتك فين الكباب؟
قال لي: ثواني حضرتك، ونزل تاني ورجع شايل الطبق العظيم، حطه على السفرة، فـ قلت بـ منتهى الانفعال: إيه دا؟دي لحمة، أنا ما طلبتش لحمة، أنا عايز كباب.
هو الراجل ما فهمش حاجة، بس أنا قدرت أستشف بـ ذكائي الحاد، إن الكباب هو هو اللحمة، حسيت بـ غصة، وبـ إني ظلمت أبويا وأمي، اللي كل السنين دي كانوا بـ يجيبوا لنا الكباب، وأنا اللي فاكرهم حارميني.
الله يرحمك يا بابا، الله يرحمك يا ماما، الفاتحة