رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من تاريخ جماعة الإخوان الأسود (5)

تزخر العلاقات بين بريطانيا وجماعة الإخوان بتاريخ حافل من الدعم البريطاني للجماعات الأصولية بشكل عام، وجماعة الإخوان بشكل خاص، ويمكن أن ترتكز محددات هذه العلاقات على محددين مهمين؛ الأول، المنفعة المتبادلة، حيث تؤدي كل من بريطانيا وجماعة الإخوان الخدمات المتبادلة لدى الآخر، ففي حين توفر الأولى الغطاء الشرعي والسياسي للثانية، لكي تلعب أدوارًا سياسية واستراتيجية في مصر والعالم، كما توفر لها البيئة التشريعية الملائمة، والتي تجعل من بريطانيا ملاذًا آمنًا للهاربين منهم، فإنَّ جماعة الإخوان توفر لبريطانيا استثمارات بمليارات الدولارات، كما أنَّ حركة أموال التبرعات العالمية للإخوان تمر عبر الأراضي البريطانية، التي تحتضن التنظيم الدولي للإخوان.. وتسعى جماعة الإخوان، عبر أذرعها المتعددة في أوروبا، إلى تقديم نفسها كبديل إسلامي، في محاولة منها لحشد التأييد الدولي لحكم الجماعة، وأن بديل عدم دعم المشروع الإسلامي الحضاري ـ على حد وصف الإخوان ـ سيمهد لدعم التنظيمات الأكثر تطرفًا، مثل تنظيمي القاعدة وداعش.
والثاني، التهديد المتبادل؛ فالعلاقات بين بريطانيا والإخوان لم تشهد استقرارًا بشكل مستمر، وإنما خضعت لكثير من المد والجزر، وذلك لأن طبيعة العلاقة بينهما تتأثر بالبيئة الدولية وشبكة التحالفات والمصالح المختلفة لكل منهما، فعلى سبيل المثال، تُعلن جماعة الإخوان تأييدها لحركة حماس، التي تُصنَّف في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا بأنها منظمة إرهابية، في حين تخضع العلاقات البريطانية للعديد من المُحددات مع الدول التي تضم أذرع الإخوان، وخصوصًا مصر والإمارات والسعودية والكويت وغيرهم، كما هناك العديد من المُحددات الداخلية البريطانية، كصعود تيار اليمين القومي المُناهض للتيارات الإسلامية بشكل عام.. لذا تسود العلاقات بين بريطانيا وجماعة الإخوان ما يُعرف بـ «ميثاق الأمن»، وهو يسمح لجماعة الإخوان بالتحرك، على ألا تكون بريطانيا هدفًا للإرهاب، إلا أنَّ هذه المعادلة أحيانًا ما تتغير وفق المتغيرات الخارجية والداخلية، من بينها تعدد التنظيمات الإرهابية والذئاب المنفردة، والتي يمكن أن ترتكب بعض العلميات الإرهابية بعيدًا عن الإخوان أو بعلمهم، مثل تفجيرات لندن 2005.
في الأول من إبريل 2014، أمر ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، بإجراء تحقيق بشأن الإخوان في بريطانيا.. فقد ذكر متحدث باسم الحكومة البريطانية، قائلًا «أمر رئيس الوزراء الحكومة بإجراء تقييم داخلي لفلسفة الإخوان وأنشطتهم، ولسياسة الحكومة إزاء هذه المنظمة، وأنه بالنظر إلى ما أُعلِن من مخاوف بشأن الجماعة وعلاقاتها المُفترَضة بالتطرف والعنف، رأينا أنَّه من المشروع والحكمة، محاولة أنَّ نفهم بشكل أفضل ما يُمثله الإخوان، وكيف ينوون تحقيق أهدافهم وانعكاسات ذلك على بريطانيا، وأنه سيتولى هذا التحقيق السفير البريطاني لدى السعودية، جون جنكينز».
وبقراءة التقرير البريطاني الصادر عن الحكومة، بناءً على اللجنة المُشكلة بشأن جماعة الإخوان، بتاريخ 17 ديسمبر 2015، ورد بهذا التقرير أنَّه أعده السير جون جنكينز، وتشارلز فار، وأنهما مُخولان بدراسة كل ما يتعلق بجماعة الإخوان، من تاريخ نشأتها وأيديولوجيتها ومجال حركتها وأنشطتها، وتأثير شبكة الإخوان والشركات التابعة لها في المملكة المتحدة.. وفي سبيل إعدادهما لهذا التقرير؛ زار السير جون جينكنز، اثنتي عشرة دولة والتقى ممثلي الحكومات والحركات السياسية والزعماء الدينيين والأكاديميين، وغيرهم من الباحثين المستقلين، كما تم توفير المعلومات من قِبَل العديد من الهيئات، كوزارة الخارجية والكومنولث والوكالات الأمنية والاستخباراتية، وكذلك استشار المُقرِران، ممثلين عن جماعة الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى في المملكة المتحدة وخارجها، ودعوا الأطراف المهتمة إلى تقديم مساهمات مكتوبة، واستعانا بمجموعة واسعة من المصادر الأكاديمية والإليكترونية، باللغات الإنجليزية والعربية واللغات الأخرى.. وكان أهم ما ورد بهذا التقرير..
في الفقرة التاسعة من التقرير، ورد أنَّ جماعة الإخوان، التي تأسست 1928، كجماعة «سِرية»، وأن هيكلها سِري حتى يومنا هذا.. وأكدت الفقرة الحادية عشر، التي تناولت تجربة حكم الإخوان في مصر 2012 ـ 2013 أنهم فشلوا في إقناع المصريين وإظهار الاعتدال السياسي أو الالتزام بقيم الديمقراطية.. وفي الفقرة السادسة عشر، والتي تناولت العنف والإرهاب عند جماعة الإخوان، أشار التقرير إلى أنَّ الجماعة استخدمت العُنف بشكل انتقائي وسياسي بما يخدم أهدافها، وأنه في عهد حسن البنا، شنت الجماعة عدة هجمات وسلسلة من الاغتيالات، ضد الدولة المصرية، وأن الجماعة تستمد أيديولوجيتها من أفكار مؤسِسَها وأفكار سيد قطب، مُنَظِّرّ الجماعة الأول، «العقيدة التكفيرية»، والتي تسمح بوصم المسلمين الآخرين بأنهم كافرون ومرتدون، وأن استخدام العنف للوصول للمجتمع الإسلامي الكامل أمر مشروع، والمواجهة مع الحكام «الظالمين في وجهة نظر الإخوان» أمر شرعي وحتمي.. كما أنَّ الجماعة تحاول إعادة تفسير آراء سيد قطب، ولكنها لم تتخل عنها، وأن قادة جماعة الإخوان، وخصوصًا التنظيم في مصر، ما زالوا يعتنقون هذه الأفكار، وهي تعاليم محورية في المناهج الدراسية للإخوان، وأن أفكاره ألهَمت العديد من المنظمات الإرهابية، بما في ذلك قتلة السادات وتنظيم القاعدة وفروعه الكثيرة.
وأشارت الفقرة السابعة عشر من التقرير، إلى أنَّه استُخدمت كتابات الإيديولوجيين البارزين للإخوان، لإضفاء الشرعية على الإرهاب القائم، وقد أيَّد كبار أعضاء جماعة الإخوان وأنصاره الهجمات على القوات العسكرية.. كما ورد في الفقرة العشرين، أنَّ المنظمات المرتبطة بالإخوان، والتي تأسَّست في المملكة المتحدة، وفي أماكن أخرى من أوروبا، منذ أكثر من خمسين عامًا، وُجِدَ أنها عملت بشكل وثيق جدًا مع نظرائهم من بلدان جنوب شرق آسيا، التي تم تأسيسها لتشجيع أفكار أبو الأعلى المودودي، مؤسس «الجماعة الإسلامية»، واعتبروا أنفسهم حركة إسلامية واحدة.. كما أشارت الفقرة السابعة والثلاثين من التقرير، إلى أنَّ منظمات الإخوان في بريطانيا لم تدحض أو تُنكر أفكار سيد قطب، التي ألهمت العديد من المنظمات الإرهابية.. واستنتج التقرير في فقرته التاسعة والثلاثين، أنَّ جماعة الإخوان ركزت تاريخيًا على إعادة تشكيل الأفراد والمجتمعات من خلال النشاط الشعبي، وأنهم انخرطوا سياسيًا حيثما أمكنهم ذلك، ولكنهم استخدموا العُنف بشكل انتقائي وأحيانًا الإرهاب، سعيًا لتحقيق أهدافهم المؤسسية والسياسية، وأن روايتهم العامة، لاسيما في الغرب، أكدت المشاركة وليس العُنف، كما أنَّه كانت هناك اختلافات كبيرة بين خطاب الإخوان باللغتين الإنجليزية والعربية.
وفيما يخص تجربة الحكم في مصر، فليس هناك من الأدلة على أنها أدت إلى إعادة تفكير جماعة الإخوان في أيديولوجيتها أو سلوكها، ولم تؤد المشاركة الرسمية للمملكة المتحدة مع جماعة الإخوان إلى تغيير ملموس في تفكيرهم، وحتى منتصف عام 2014، فيبدو أنَّ التصريحات الصادرة من منصات إعلامية ترتبط بالإخوان كانت تُحرِض عمدًا على العنف.. بالإضافة إلى أنَّ نشاط الإخوان في بريطانيا لا يزال سِريًا من حيث العضوية وجمع الأموال والبرامج التعليمية.
في ضوء ما سبق، وفي ضوء القراءة والتحليل للتقرير البريطاني عن أنشطة جماعة الإخوان، الصادر في 17 ديسمبر 2015، الذي وصف الجماعة بالعُنف، وإنَّ لم يوصِ بحظر أنشطتها؛ يبرز لنا سؤال مهم: هل كانت بريطانيا تسعى، من خلال هذا التقرير، إلى التخلي عن جماعة الإخوان أو حظر أنشطتها، بصفتها جماعة إرهابية أو متطرفة؟.
بالتحليل العميق للسياسة البريطانية، فإنها لن تتخلى عن جماعة الإخوان، بصفتها إحدى الركائز الأساسية التاريخية في علاقتها بالعالم الإسلامي بشكل عام، وبمنطقة الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص، وأداتها التي تضرب بها، متى شاءت.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.