من «كوم الدكة» إلى القاهرة.. 6 سنوات شاهدًة على عبقرية سيد درويش
استلهم الشيخ سيد درويش، أغلب ألحانه التي اشتهر بها من ذكريات نشأته في حي “كوم الدكة” بالإسكندرية، واستحق عنها لقب "فنان الشعب".
ثورة فنية
ورغم قصر عمره الفني الذي لم يتعد الست سنوات، إلا أن “درويش” استطاع تحقيق ثورة فنية موسيقية حقيقية، ويعد عام 1917 نقطة تحول في حياة الشاب سيد درويش، فبعدما كانت المقاهي والملاهي الليلية، سبيله للغناء والتلحين، راح يستكشف سماء القاهرة، وهناك فُتحت له أبواب المجد.
شهرته غمرت ربوع الإسكندرية، إلا أن القاهرة كانت علامة فارقة في حياته، ومنها انطلقت أشهر أغانيه، بعدما تعاون مع شخصيات هامة مثل "نجيب الريحاني"، الذي ألف ألحان الكثير من مسرحياته الغنائية، كما عمل مع فرقة جورج أبيض المسرحية، وفرقة "علي الكسار" المنافسة للريحاني.
قوم يا مصري
ولمع نجم سيد درويش، في ثورة 1919، مع الروح الثورية التي سيطرت على قلوب المصريين في ذلك الوقت، فعقب غناء وتلحين "قوم يا مصري" والتي كتب كلماتها "بديع خيري"، والتي أصبحت بين ليلة وضحاها الأغنية الرسمية للثورة، فكانت على لسان جميع المصريين الذي أرادوا أن يعود وطنهم إليهم.
كلمات الأغنية
قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك
خد بنصرى نصرى دين واجب عليك
يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك
عد لى مجدى اللى ضيعته بأيديك
«يا عزيز عيني»
الأغنية من كلمات يونس القاضي، ولحنها سيد درويش، ربما كانت كلمة أم مكلومة على ابنها الذي اختطفه الاحتلال البريطاني من حضنها، للاستعانة به في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث عمل الإنجليز على جلب آلاف من الفلاحين والعمال المصريين، ليعملوا بالسخرة في ميادين قتال عديدة، والمشاركة في الحرب العالمية في صف القوات الإنجليزية.
وتأتي هذه الأغنية لتعبر عن آلام ومشاعر المصريين، الذين تم أخذ أبنائهم عنون إلى "الجهادية".
كلمات الأغنية:
يا عزيز عينى وأنا بدّى أروّح بلدى
ليلة نمت فيها وصحيت ما لقيتشى بلدى
بلدى يا بلدى ويا عينى على بلدى
بين أهلى وناسى وبقيت غريب يا بلدى
عم ياللى ماشى ظلمى ما ترضاشى
سافر قلبى وما جاشى يدوّر على بلدى
يا عزيز عينى وأنا بدّى أروّح بلدى
ليلة نمت فيها وصحيت ما لقيتشى بلدى
ده مش لون عينيكى ولا ديّة إيديكى
بدال ماخاف عليكى بأخاف منك يا بلدى
يا عزيز عينى وأنا بدّى أروّح بلدى
ليلة نمت فيها وصحيت ما لقيتشى بلدى
ألحانه المسرحية
أدخل سيد درويش الغناء البوليفوني في الموسيقى المصرية للمرة الأولى، ومن أشهر مسرحياته الغنائية، أوبريت "العشرة الطيبة" مع فرقة نجيب الريحاني، وأيضًا قدم سيد درويش أوبريت "شهرزاد والبروكة"، وأوبريت "قولو له" الذي لحن فيه أغنية "شد الحزام على وسطك" و"قوم يا مصري" و"سالمة يا سلامة" وغيرها.
ومن الألحان التي ألفها “درويش” أيضًا، لفرقتي الريحاني أو الكسار، والتي أصبحت جزء من الفولكلور المصري، أغنية "أهو ده اللي صار" والتي غناها فيما بعد أشهر مطربي الوطن العربي مثل فيروز وصباح، و"زوروني كل سنة مرة" و"الحلوة دي"، وغيرها من الأغاني التي لا تُنسى.
وفي عمر الشباب، وهو لم يتجاوز 31 عامًا، رحل عن عالمنا سيد درويش، في 10 سبتمبر 1923، ولم يكشف حينها عن سبب وفاته الحقيقي، فتعددت الروايات أنه قد مات مسمومًا، أو تعرض لمؤامرة من الإنجليز أدوت بحياته، ورواية أخرى تقول إنه توفي بالسكتة القلبية.
ورغم أنها 6 سنوات فقط، منذ أن ذاع صيت الشيخ سيد درويش في القاهرة بألحانه وأغانيه التي لا مثيل لها، إلا أنه ترك بصمةً كبيرة في عالم الموسيقى، واستطاع أن يغير موازين اللحن لصالح الشعب المصري، الذي عبر عن حاله وبؤسه وأحلام بني وطنه.
كما قال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب: "يخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن.. إن سيد درويش فكر.. تطور.. ثورة.. فـ درويش هو الذي جعلني استمع للغناء بحسي وعقلي.. بعد أن كنت أستمع بحسي فقط.. إنه فكرة العصر التي لولاها لما لحن الملحنون بالأسلوب الذي يلحنون به الآن".