"العبادات ليست وظيفة للتربح".. هكذا رد الأزهر والإفتاء على جدل عمرة البدل
تسبب صانع المحتوى الديني أمير منير في حالة كبيرة من الجدل بمصر والوطن العربي، عبر منصات التواصل الاجتماعي المُختلفة، وذلك عقب ترويجه لبعض التطبيقات الإلكترونية التي تُساعد الراغبين في إنابة الأشخاص لأداء العمرة أو الحج عن ذويهم مقابل الأموال.
وتعود القصة إلى يومين ماضيين، عندما نشر "أمير منير" فيديو عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مروّجًا فيه لأحد التطبيقات الإلكترونية التي تُساعد الأشخاص على أداء عمرة أو الحج عن ذويهم عن طريق ما يُعرف بالإنابة أو كما أطلق عليها بعض مستخدمي السوشيال ميديا بعمرة البدل.
منشور أمير منير أثار جدلاً كبيرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولقى تفاعلات واسعة من قبل المتابعين، الذين وجّهوا له انتقادات لاذعة واتهامات كبيرة، بأنه يسعى وراء جمع المال من الناس والنصب عليهم.
هذا الأمر دفع أمير منير للرد مرة ثانية على ما وجه له من قبل العديد، وذلك من خلال فيديو آخر أوضح فيه أن التطبيق الإلكتروني الذي يروّج له، لا يخصّه بشيء، وأنَّه لم يأخذ أموالاً مقابل الإعلان عنه، مشيرًا إلى أنه لو كان قد أخذ أمولا مقابل الترويج للتطبيق عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي فهذا لا يضر أحدا في شيء، ولا يعني أحد الحديث عن هذا الأمر.
رد حاسم من الأزهر الشريف
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن تعظيم شعائر الله واجب على كل مسلم، ويتعين أن يؤديها بنفسه، متى كان قادرًا على أداء مناسكها، لما يحققه قصد بيت الله الحرام وزيارة سيدنا رسول الله ﷺ من تعزيز التواصل الروحي، والإيمان بالله، والتعلق به سبحانه.
وأوضح أن الأصل في العمرة أنها عبادة بدنية لا تجوز الإنابة فيها إلا عن كبير السن وأصحاب الأمراض المزمنة التي تعجزهم عن الأداء بأنفسهم، ومن استطاع العمرة وتوفي قبل أن يؤديها، فالأولى أن تؤدى عنه من تركته خروجًا من خلاف من أوجب العمرة على المستطيع كالحج.
وشدد على أنه لا مانع شرعًا أن يعطى المعتمر عن غيره من أصحاب الأعذار نفقات سفره وإقامته في الأراضي المقدسة، على ألا تكون مهنة بغرض التربح؛ يترتب عليها تهوين الشعيرة في نفوس الناس، وتنافي المقصود منها.
وأشار إلى أن الأعذار المبيحة للإنابة يقدرها أهل الاختصاص بقدرها المشروط في الشريعة الإسلامية، وتكون الفتوى بإجازة الوكالة فردية، وليست حكمًا عامًّا لجميع الناس، فضلًا عن امتهان الوكالة فيها، فإنه خروج على الأصل الذي ذكرنا، ومناقض لمقاصد الشريعة الإسلامية، وذريعة للتهوين من الشعائر ومحاولة طمسها، وباب للممارسات غير المشروعة.
رد الإفتاء على الإنابة بالعمرة
قالت دار الإفتاء المصرية: "من المقرر أن الله عز وجل قد شرع العبادات من فرائض ونوافل لمقاصد كبرى، منها تقريب العباد إليه سبحانه وتعالى، وتهذيب النفس البشرية، ولا بد للإنسان أن يستحضر تلك المقاصد والمعاني أثناء عبادته وتوجهه إلى ربه- جل وعلا -، ومن باب التيسير على الأفراد، وبخاصة المرضى وأصحاب الأعذار، نجد أن الشريعة قد أجازت الإنابة في أداء بعض العبادات بشروط معينة.
وأضافت في منشور عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل "فيسبوك": "إذا كنا نجد في بعض المذاهب الفقهية جواز الاستئجار على أداء بعض العبادات كالحج والعمرة، فإن الفقهاء كانوا يتكلمون عن حالات فردية لم تتحول إلى ظاهرة، وكذلك لم تتحول إلى وظيفة أو تجارة للبعض يتربحون منها، ولم نجد على طول السنين الماضية من تفرغ لأداء هذه العبادات مقابل أجر، فضلًا عن أن يصبح وسيطًا (سمسارًا) بين الراغب في العمرة- مثلًا- ومن سيؤديها عنه، فإن من الأمور اللازمة في الإنابة أن يختار الشخص الصالح الموثوق بأمانته، ولا يتساهل فيجعل عبادته بِيَد من لا يعرف حاله، وهذا لا يحصل بالطبع إذا كان التعامل عبر تطبيقات أو وسطاء كل شغلهم واهتمامهم تحقيق الربح، فهذا مما لا يليق مع شعائر الدين التي قال الله تعالى عنها في كتابه الكريم: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
واختتمت، ما حدث من استهجان واستنكار من عموم الناس لمثل هذه الأفكار المستحدثة لهو دليل على وعي الجمهور ورفضهم لتحويل الشعائر والعبادات إلى وظيفة أو مهنة تؤدى بلا روح أو استحضار خشوع، هذا الوعي الجماهيري هو جدار الوقاية الأول للمجتمعات في مواجهة كل ما هو مستنكر وخارج عن المألوف.