سميح القاسم يكشف فى رسائله إلى محمود درويش عن قراءاته وأشياء أخرى
سميح القاسم، الشاعر الفلسطيني، والذي غادر دنيانا في مثل هذا اليوم من العام 2014، هو واحد من الشعراء القلائل الذين عبروا عن القضية الفلسطينية أدبيا وشعريا.
وقد جمعت علاقة صداقة عميقة بين الشاعرين الفلسطينيين الراحلين سميح القاسم ومحمود درويش، كان من آثارها مجموعة كبيرة من الرسائل المتبادلة بين الشاعرين، بتواريخ مختلفة ومن أماكن حول جهات الأرض الأربع متعددة .
وفي هذا التقرير نستعرض لكم عددا من هذه الرسائل المتبادلة بين الشاعرين.
يكتب سميح القاسم إلي محمود درويش من بلدة الرامة الفلسطينية بتاريخ 11 مايو 1989 مستهلا: نعم، بلادنا هي بلادنا وتنطلق صلبة من الرصاص الطازج علي أفواه كوكبة من الشهداء المناوبين.
ومن ثم يتابع في سرد أخباره وإبلاغ درويش بجديد حياته والسؤال بدوره عن أخبار رويش: "وكيف حالك يا ابن عمي وخالتي؟ ما أخبار الجراد في تونس؟ كيف الطقس في باريس؟ أذن فقد نجح فرانسوا ميتران. تستحق فرنسا هذا العقاب والأسوأ من ذلك أنهم لم يرشحوا تشيتشولينا لمنصب أمين عام الأمم المتحدة. هل تعتقد أنها كانت ستفوز؟ ستحتدم المنافسة بينها وبين مارادونا أما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فلا تليق إلا بالسوبرمان رامبو ستالوني. إنه رجل حقيقي هذا الولد الإيطالي الأحمق. هل تعتقد أنه سمع بـ دانتي أليجيري؟. ولماذا يسمع به؟ ذلك ليس شرطا لتنسم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ثم أن رونالد ريجان لم يكن ملزما بقراءة والت ويتمان. لكنه عرف بـ والت ديزني بالتأكيد.
ــ رحلة اتحاد الكتاب العرب إلي تشيكوسلوفاكيا
ويمضي الشاعر سميح القاسم في خطابه إلي درويش، راويا له عن مجريات الأحداث في حياته: لقد كانت رحلة وفد اتحاد الكتاب العرب إلي تشيكوسلوفاكيا موفقة للغاية وعاد اخوتنا أعضاء الوفد بصيد وفير من السعادة، كما أن وفدنا إلي بلجيكا عاد هو الآخر مثقلا بفرح الإنجاز ومتعة العطاء. بقي علينا أن نباشر إصدار مجلتنا العتيدة وسنفعل ذلك حين تتوفر لنا الشروط. وفيما بعد يكون هذا الاتحاد قد أرسي أسسه المتينة ويصبح من حقي أن أفئ إلي زيتونة همومي الشخصية لأقول ما لم أقله بعد، ويخيل لي أحيانا أنني لم أقل شيئا طيلة حياتي وأنني موشك علي انفجار لا يبقي ولا يذر.
ــ ماذا يقرأ سميح القاسم؟
ثم ينتقل الشاعر سميح القاسم في حديثه إلي محمود درويش عن قراءاته: إن كان لديك وقت للقراءة فماذا تقرأ هذه الأيام؟ لقد فرغت الآن من قراءة رواية "استورياس"، أنها أشبه بقطعة أنيقة من الماس. لقد نحتها الرجل نحتا، لذلك لم أستمرئها كثيرا. وبالمقابل فقد استمتعت قبلها برواية يشار كمال “ميميد الناحل” أنها عمل عظيم حقا. وفيها من الشعر بقدر ما فيها من الرواية وقد ذكرتني بأعمال كازانتزاكيس العظيم وماركيز ووايتمانوف.
ولا أخفي عنك عجزي في هذه الأيام عن قراءة الشعر. ببساطة لا أستطيع أن ألمس ديوانا من الشعر، وأرجو أن تكون هذه حالة عرضية عابرة.
كما تكشف رسالة سميح القاسم إلي محمود درويش، عن تعرض الأخير للمثول أمام القضاء الفرنسي، يقول سميح القاسم: وإذن، فأنهم يرفعون ضدك قضية لدي القضاء الفرنسي ويطالبون بتغريمك، لقد ضحكت حين قرأت النبأ، ولا تنكر أنك أنت أيضا ضحكت. أنها صورة سيريالية يعجز عنها سلفادور دالي نفسه، فأنت تسلم في نقاشك مع الخواجا “فيزل” بأن الضمير اليهودي معرض للاحتلال. ومن هذا المنطلق المثالي جدا تخاطب هذا الضمير وتدعوه للتحرك من أجل وضع حد للغبن اللاحق بشعبك، كنا أتوقع أن يقاضيك الفاشي “لوبان” لأنه لا يمكن أن يسلم بنقاء الضمير اليهودي، أما أن تقاضيك جماعة يهودية فأنها صورة سيريالية حقا.
ويختتم سميح القاسم رسالته إلي درويش مشددا علي: علي أية حال، فهذه هي طبيعة الأمور اليوم، ولن يكون بمقدورنا استبدال عصرنا بعص آخر .. لم نختر حياتنا الراهنة لكننا اخترنا نموذجا لحياتنا المؤملة، وما دمنا قررنا الاختيار فلا يجوز لنا التملص من دفع الثمن كاملا لهذا الخيار. وهانحن ندفع يا صديقي، ندفع دما ودموعا، وعيا وجنونا، ألما وثورة، ندفع دما وشعرا، دما وخطبا سياسية، دما ومؤتمرات، دما ونضالا، دما وفرحا، دما ودماء ندفع ليهود فرنسا وألمانيا والبرازيل، لهنود كوستاريكا وإنجليز الهند .. ندفع يا صديقي وندفع، لا ينبغي أن يوقفنا شئ، ولا شئ يوقفنا، لأن وقوفنا موتنا، ولا نريد أن نموت، فنحن نحبها، نحبها ابنة الكلب الحياة.