رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تحوّل «حقل الألغام» إلى «دُرّة الساحل الشمالى»؟

كنت منذ سنوات طويلة أطالب بإقامة العديد من المهرجانات الفنية والثقافية والترفيهية للصغار والكبار على مدار العام فى مصر، حيث إن لدينا مواقع كثيرة بين الآثار العريقة ومدن ساحلية ومواقع رائعة وفريدة تتيح لنا أن نقيم بها أو على خلفيتها أجمل المهرجانات والحفلات والاحتفالات التى يمكن أن تنافس على المستوى العالمى، ويمكن لها أن تستقطب ويستمتع بها أى زائرين من أى مكان فى الدنيا، خاصة أشقاءنا العرب والمحبين مصر والمتطلعين إلى زيارتها أو من الذين يحلمون بزيارتها من كل أنحاء العالم.. فهناك تيار فى العالم اسمه «الولع بمصر الفرعونية».. ارتفعت مؤشراته ووصلت أعداده إلى ملايين العشاق لمصر الفرعونية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى فى العالم.. وكان قد بزغ مع بدء التسعينيات بعنوان «إيجيبتومانيا» بمعنى الولع أو الانبهار أو الهوس بمصر الفرعونية وكل ما يتصل بها من معلومات وأسرار وآثار تشبه المعجزات البشرية، التى تأتى فى مقدمتها الأهرامات الثلاثة أولى عجائب الدنيا السبع فى العالم بأسره.

وحتى يومنا هذا لا تزال الأهرامات لغزًا يحير العلماء فى كل مكان وما زالت علامات استفهام كثيرة تُطرح حول كيفية بنائها وصمودها على مدى كل هذه القرون الطويلة، رغم تغيرات الزمن وتغيرات المناخ.. كما تجذب أنظار العالم بأسره أسرار وحكايات ملوك وملكات الفراعنة وفنونهم وعلومهم التى سجلوا الريادة فيها وسبقوا العالم كله فى معرفتها.. ونُشرت عن مصر الفرعونية وآثارها وملوكها فى أوروبا عشرات الكتب باللغات الأجنبية حققت مبيعات كبيرة فى فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية الأخرى.

كما طالبت أيضًا بأن تكون مصر قِبلة عالمية للزائرين تستقبلهم بأشكال جديدة من الترفيه الحديث، بالإضافة إلى الآثار المصرية الفريدة، من خلال إقامة أنواع حديثة وجديدة من الفعاليات والأنشطة التى يمكنها أن تستقطب الزائرين من مختلف أنحاء العالم، ومن خلال القوة الناعمة لمصر مثل إقامة المهرجانات أو المؤتمرات؛ فهناك أنواع كثيرة من المهرجانات تلفت الأنظار إلى الدول من خلال إقامتها مثل المهرجانات الفنية ومهرجانات التسوق، وهناك مهرجان مثل مهرجان دبى للسينما، حيث تجد كل الغرف الخمس نجوم فى الفنادق ممتلئة عن آخرها لحضور هذا المهرجان، والذى أسعدنى حضوره منذ سنوات فى ٢٠١٠، وأيضًا مهرجان التسوق الذى لفت الأنظار إليه.. وهناك مهرجانات تقيمها تونس مثل مهرجان قرطاج.. وفى المغرب الشقيق يقام سنويًا «ملتقى أصيلة الثقافى»، الذى أسعدتنى المشاركة فيه فى ٢٠٠٦.

ونحن لدينا عدة مهرجانات فنية تُقام فى مصر، إلا أن عددها قليل لا يتناسب مع الإمكانات التى لدى مصر، ولا يتناسب مع ريادتها الفنية والثقافية العريقة ولا مع قوتها الناعمة الحالية.. ولدينا العديد الذى لا يُعد ولا يُحصى من المواقع التاريخية والحديثة الفاخرة والمبهرة، فدولة مثل البرازيل مثلًا تقام فيها مهرجانات على مدار العام، فتمتلئ الشوارع بالغناء وبالبهجة وبالفرحة. ويأتى إلى أنحاء البرازيل لحضور المهرجانات ملايين من الزوار من كل أنحاء العالم، وإسبانيا أيضًا تقام فيها حفلات موسيقية ومنوعات فنية وحفلات راقصة للفلامنكو تستهوى الزائرين من كل مكان.. وفرنسا يقام فيها مهرجان «كان» الذى وما زال المهرجان الذى يجعل مدينة «كان» محط أنظار العالم كله ومحبى الفن السينمائى ومحبى نجوم التمثيل والغناء.

وأيضًا هناك مهرجان برلين الدولى السينمائى الشهير بألمانيا الذى يحرص على المشاركة فيه كبار صنّاع السينما، والنجوم العالميون.. وكنت قد طالبت الدولة والقطاع الخاص بإقامة عشرات من المهرجانات الفنية والثقافية والرياضية على مدار العام، حيث إن لدينا كل الإمكانات البشرية ولدينا المواقع الأثرية والمواقع الحديثة ولدينا المدن الساحلية ولدينا المدن الشاطئية المطلة على البحر الأبيض المتوسط وأيضًا المطلة على البحر الأحمر.. ولدينا أماكن جميلة كثيرة يمكن أن تجعل مصر محطًا لأنظار العالم.. واتساقًا مع رؤيتى لأهميتها حرصت على الذهاب لمشاهدة أول مهرجان ثقافى وفنى ورياضى يقام فى مدينة العلمين الجديدة، ومن هنا جاء تفاؤلى بأن مصر بدأت تلتفت إلى أهمية إقامة مهرجانات ترفيهية متنوعة ومتميزة للحفاظ على ريادتها العريقة وأيضًا لجذب الزائرين من كل مكان وزيادة الدخل القومى وزيادة عدد السائحين.

إن ما يجرى الآن فى مهرجان «العالم علمين» هو انطلاقة كبيرة للترويج لها.. فمدينة العلمين الجديدة هى مدينة وليدة لكنها متميزة، لأن بها كل متطلبات المدن الحديثة العصرية، ففيها شقق سكنية وفندقية وفنادق فاخرة، وبها فيلات وبها مطاعم من كل نوع، وبها جامعات وكليات ومدارس ومكان لمجلس الوزراء وللبرلمان، وبها أسواق ومحلات على مستوى كبير.. وبهذا المهرجان فى دورته الأولى تتألق هذا الصيف مدينة العلمين الجديدة، التى ستصبح فى تقديرى، بعد انتهاء المهرجان ونجاحه الحالى، «جوهرة الساحل الشمالى»، والتى أتوقع أن يقطن فيها آلاف من الأشقاء العرب، حيث يمكنهم أن يستمتعوا بالفسحة والمهرجان الصيفى والاستمتاع بالمناخ المعتدل والهواء العليل والشواطئ الخلابة بها.

وحينما ذهبت كانت المدينة تعج بالزائرين من الأشقاء العرب الذين جاءوا لحضور المهرجان وحفلاته الفنية، والتى أحياها أشهر نجوم الغناء المحبوبين فى مصر والدول العربية وكانت كلها كاملة العدد، وأيضًا حضور الأنشطة المتنوعة به، ويقام المهرجان وفعالياته وأنشطته العديدة والمتنوعة فى الهواء الطلق وبدأ فى ١٣ يوليو حتى ٢٦ من أغسطس.. ويمكن أن تصبح العلمين أيضًا مدينة سكنية بها كليات ومدارس حديثة يمكن أن يلتحق بها عشرات الآلاف من الطلبة والتلاميذ، حيث امتلأت مدينة الإسكندرية وضجت من الزحام، وأصبح من الضرورى بناء مدينة حديثة قريبة منها تستطيع أن تقيم فيها أسر مصرية، وإن كنت أطالب بإنشاء مساكن فى الجهة اليمنى للأسر من الطبقة المتوسطة، ومن الضرورى أن تكون المعيشة فى المدينة متاحة وممكنة طوال العام ولا تقتصر على أشهر الصيف فقط.

إن مدينة العلمين، كما رأيتها منذ أيام، تتحول من أرض صحراء جرداء وألغام خطيرة إلى أرض الأحلام والفسحة والبهجة والترفيه وممارسة الرياضات الحديثة والمشاركة فى الأنشطة المتعددة، والاستمتاع بالجو الجميل وبالشواطئ الخلابة.

فى تقديرى أن مدينة العلمين يمكن أن تتحول إلى «درة الساحل الشمالى»، وتصبح من أهم المدن الساحلية المصرية إذا ما تم اختيار إدارتها بكفاءات إدارية ذات عقول وخبرات مبدعة ومبتكرة، ويمكن من خلال إقامة المهرجانات الفنية والثقافية والمؤتمرات والمنتديات الثقافية والفنية أو الرياضية على مدار العام أن تستعيد بها مصر دورها الرائد والعريق الفنى والثقافى والرياضى.

وفى تقديرى فإنها فى وقت قريب ستصبح درة التاج للأشقاء من الدول العربية بإذن الله، ولن يتراجع دور مصر الرائد ما دامت الدولة تولى اهتمامًا بالقوة الناعمة لمصر. وأطالب بالمزيد من الاهتمام بالكتّاب والمبدعين والمفكرين، لأنهم أساس مهم فى قوتها الناعمة، ويمكن إقامة منتديات أدبية وأنشطة لكبار الكتاب والمثقفين والشعراء ومعارض فنية تتواصل فيها الأجيال لرفع درجة الوعى لدى الشباب ودعم الهوية المصرية والانتماء للوطن الغالى لديهم.

ولا بد أن تدرك الدولة وأجهزتها المعنية أن قوة مصر الناعمة هى ثروة الوطن للمستقبل والحاضر، ولن يضعف دور مصر إذا ما اهتمت الدولة وأجهزتها المعنية بالقوة الناعمة لها وما دامت تحرص على النهوض بالفن والثقافة الراقية.

وفى تقديرى أن مهرجان العلمين أتاح للساحل الشمالى أن يتألق وأن يبرز دور مصر التنويرى، خاصة لدى الأشقاء العرب، وأن إقامة المهرجان ونجاحه سيحوّل مدينة العلمين إلى مركز إشعاع تنويرى وفنى وثقافى ورياضى عالمى يمكن بالتسويق المناسب أن ينافس مهرجانات دولية شهيرة مثل مهرجان «كان» والأوسكار وبرلين، وهو ما سيؤكد دور مصر التنويرى والحضارى والتقدمى ويبرز أهمية القوة الناعمة المصرية ويضعها على خريطة الدول المتقدمة، وقد استطاعت الشركة المتحدة أن تستقطب كبريات شركات التنظيم فى مجالات الترفيه والرياضة والسياحة لإنجاح المهرجان وفقًا للمعايير العالمية.

وأعتقد أننا من الممكن أن نضعه بشكل ثابت فى كل عام بتوقيت معين على خريطة السياحة الدولية وعلى خريطة السياحة العربية.. ولقد سعدت برؤية آلاف من الأشقاء العرب يفدون لحضور المهرجان مع أسرهم إلى مصر بأعداد كبيرة، فأهلًا بالأشقاء العرب فى وطنهم الثانى مصر ونرحب بهم حيث تتاح لهم أوقات مبهجة فى مدينة العلمين.

والمهرجان فى تقديرى من الممكن أن يتحول إلى مهرجان عالمى كبير يحضره آلاف الزائرين من كل أنحاء العالم، فقط نحن فى حاجة إلى نشر الوعى بحسن معاملة الزائرين لمصر منذ أن تطأ أقدامهم أرض مصر الغالية فى مطاراتها.. كما أنه من الضرورى أن تقام فى مدينة العلمين فنادق ٤ نجوم و٣ نجوم حتى يتضاعف عدد الزائرين فى العام المقبل إن شاء الله.