رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إصلاح ماسبيرو

لأن ماسبيرو قد أتم هذه الأيام ٦٣ عاما منذ تأسيسه وانطلاق البث التليفزيونى فى ٢١يوليو ١٩٦٠-  فإننى أرى أنه من الضرورى أن نعرف مستقبل «ماسبيرو» ومصير الإعلاميين والفنيين والعاملين به.. وخاصة أن هناك تساؤلات كثيرة وعلامات الاستفهام لا تجد إجابة حول هذا الصرح الإعلامى الكبير، الذى كان له عصره الذهبى ثم يتذبذب دوره الآن مع منافسة العديد الفضائيات.. ومن الضرورى فى رأيى أن تكون هناك إجابة شافية حول التساؤلات العديدة عن مصيره من الهيئة الوطنية للإعلام التابعة للدولة.
فالأمر يتعلق بمصير آلاف من العاملين به من الإعلاميين والفنيين والفنانين والعاملين والإداريين المتعلقة مصائرهم به.. ومن شك أن ماسبيرو يئن ويعانى الإعلاميون والعاملون به من عدم معرفة مصيرهم أو اتجاه الدولة بالنسبة لهذا الصرح الإعلامى الذى يعملون به وبعضهم خدم بداخل هذا الصرح الإعلامى طوال حياته، ومن ناحيه أخرى فإننا نحن الذين عاصرنا أهمية ماسبيرو كصرح إعلامى.. لا ننسى إن ماسبيرو كان له السبق فى توثيق تاريخ مصر وتغطية أهم الأحداث السياسية والوطنية والقومية والفنية والرياضية والدراما المصرية والمشروعات الكبيرة والأخبار العالمية والدراما الأجنبية ومجريات الحياة فى جميع المجالات فى مصر.
كما أنه كان دائما صوت الدولة المصرية حول كل الأخبار والأحداث المصرية والعربية والعالمية وقام أبناؤه بتغطية مواقع الصراعات والحروب فى كل بقاع العالم، ونجح فى تقديم مختلف الأنواع والأشكال الإعلامية والبث التليفزيونى والإذاعى وكان يعمل فيه ومن أجل إنجاح دوره قمم الإعلام فى مصر وخرج منه إعلاميون وعاملون وفنيون قاموا بتأسيس قنوات خاصة وفضائيات مصرية وعربية قامت على أكتاف خبرات أهل ماسبيرو ونجحوا فيها.
وصار البعض منهم يتقاضى أضعاف وأضعاف ما يتقاضاه أهل ماسبيرو، وأيضا لابد أن نذكر أن هناك تساؤلات لكثيرين من المشاهدين الذين يقدرون دور ماسبيرو الريادى أو الذين تعاملوا أو ارتبطت أعمالهم أو شاركوا فى إنتاج أعمال ناجحة بماسبيرو، يريدون معرفة الحقائق حول مصيره، ولأننى أكن التقدير لدور ماسبيرو ولكثير من الخبرات فيه، وما زلت حتى الآن ألبى بعض دعوات برامج بقنواته باستضافتى للحديث حول قضايا مهمة فى ستوديوهات متهالكة ومهملة للأسف فى هذا المبنى العريق المتهالك.
كما حرصت على إبداء رأيى عدة مرات حول ضرورة الاهتمام بالمبنى المتدهور حيث رأيت ذلك التدهور لدى استضافتى فى السنوات الأخيرة فى العديد من البرامج فى قنواته، كما لبيت عدة مرات الدعوة حينما يتم استضافتى فى السنوات الأخيرة حيث يشاهد أهل المحافظات قنوات ماسبيرو حتى الآن وهذا فى تقديرى أمر مهم ودور هام للكاتب لدعم مسيرة التنوير فى بلدنا، كما تحدثت عن رأيى ككاتبه وإعلامية فى أحداث كبرى مرت ببلدنا خلال السنوات الأخيرة ولم أتأخر عن الحضور فى كثير من برامجه الناجحة.
كما كان لى شرف تقديم حلقه أسبوعية من برنامج «طعم البيوت» على الهواء كل يوم إثنين بعنوان «مع منى رجب» لتلقى مشاكل المواطنين والمشاهدين على الهواء وقمنا بحل العديد من المشاكل مع المسئولين على الهواء.. وبعضها مشاكل يومية فى خدمات مهمة وبعضها أيضا كان مشاكل عاطفية.. فكنت أقوم بالحوار مع أصحاب المشكلة على الهواء مباشرة وكانت حلقات ناجحة عليها نسبة عالية من المشاهدة وذلك أثناء تولى الإعلامية نادية حليم رئاسة التليفزيون المصرى واستمر لمدة عامين متتاليين.. حتى قيام احداث ٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها من فوضى سادت التليفزيون والإذاعة فى ماسبيرو.. وتخريب متعمد تم فى داخل المبنى العريق كما تكرر الهجوم والسب لمعظم المديرين ورؤساء القنوات والمسئولين وبأبشع الالفاظ الجارحة.
والآن يواصل أهل ماسبيرو عملهم وسط ظروف صعبة ونقص شديد وملحوظ فى الإمكانيات والمعدات الحديثة وضرب الإهمال فى المبنى إلى حد أن تآكلت السلالم والأبواب ويسود التوتر وتستند المعاناة بين العاملين الإعلاميين.. أنا هنا أتحدث وأقصد الكفاءات الإعلامية وليس عن الذين لا يقومون بواجبهم الوظيفى والمهنى بشكل جيد.
وما زال فيه بعض القيادات وبعض الوجوه الإعلامية التى لم تتركه وما تزال لديها أمل فى استمراره أو إصلاح أحواله، والغريب فى الأمر وهو أمر يدعونى للتوقف عنده أنه تم وقف إنتاج أى أعمال درامية فى قطاع الإنتاج وشركة القاهرة للصوتيات والمرئيات وهما قطاعان قدما إنتاجا دراميا وسينمائيا راقيا وناجحا، وكان يتواكب مع هدف مهم وهو نشر الوعى بقضايا كثيرة تهم المواطنين وترفع درجة الوعى لدى الشعب المصرى وكان يشاهد إنتاجهما الملايين فى كل محافظات مصر حيث كانت تتجمع حوله الأسر المصرية بشغف.
وكان إنتاج التليفزيون المصرى يحرص على المحافظة على القيم الرفيعة والإخلاق لدى الكبار والصغار، ثم تعددت وزاد عدد القنوات الفضائية التابعة للاتحاد فيما بعد فى كل المجالات التى تم اختيارها.. مثل نايل سينما ونايل لايف ونايل دراما ونايل للأطفال ونايل للمنوعات ورأسها إعلاميون وإعلاميات متميزون قدموا فيها جهدا ونجاحا نشهد لهم به.. كما تم بث الفضائية المصرية الأولى ثم الثانية وتم إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامى الرائدة فى المنطقة والتى بها ستوديوهات ومواقع للتصوير تبث منها قنوات خاصة مصرية وعربية.
أما الغريب فى الأمر، فهو أن ماسبيرو الذى يتم عامه الـ٦٣ هذا العام فكان له دور رائد فى التنوير فى المنطقة العربية وجعل لمصر مكانة كبيرة بهذا الصرح الإعلامى الذى بدأ معه التليفزيون المصرى إرساله وتعاقب عليه أجيال من الإعلاميين الذين عرفهم الجمهور وتابع برامجهم.
والغريب فى الأمر أيضًا أن الإعلاميين الذين أخذتهم القنوات الخاصة يتقاضون مبالغ كبيرة بينما هم فى الأصل كانوا يقدمون برامجهم فى ماسبيرو، وتلقوا خبراتهم المختلفة فى ماسبيرو ثم أسسوا بخبراتهم القنوات الخاصة، بينما غالبية قنوات ماسبيرو تحتضر وأنا من الذين حتى الآن أقول إن هناك إمكانية لاستعادة العصر الذهبى لماسبيرو إذا ما تم إصلاح الإمر فيه والاستعانة بخبرات لديها ابتكار.. وإبداع وضخ إمكانات وأجهزة ومعدات أكثر تطورًا لتثمر برامج ناجحة ودراما قادرة على المنافسة واستقطاب المشاهدين كما حدث من قبل، والدليل على ذلك نجاح قناة «ماسبيرو زمان» التى لديها نسبة عالية من المشاهدة بسبب الحنين لدى الكثير من المشاهدين إلى برامج قديمة ناجحة، ومسلسلات ناجحة لكبار النجوم المحبوبين.
وكان اتحاد الإذاعة والتليفزيون قد بدأ فى بث برامجه فى ٢١ يوليو عام ١٩٦٠ باعتباره المؤسسة الإذاعية التلفزيونية الرسمية لمصر، وكانت تحت إدارة ٣ مؤسسات وهى مؤسسة للتلفزيون ومؤسسة للإذاعة ومؤسسة للهندسة الإذاعية قبل دمجهما فيما بعد، ويقع مقره فى القاهرة فى مبناه الشهير باسم ماسبيرو.. ثم ألغى الاتحاد بالقانون رقم ٩٢ لعام ٢٠١٦فى شأن التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام واستبدل طبقًا للقانون الجديد بالهيئة الوطنية للإعلام.
وقد أطلق مبنى ماسبيرو هذا الاسم تيمنًا بعالم الآثار الفرنسى جاستون ماسبيرو الذى شغل منصب رئيس هيئة الآثار المصرية وتم تشييد المبنى فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتم الانتهاء منه فى ٢١ يوليو ١٩٦٠، وذلك ليواكب الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو، وتم تخصيص ميزانية البناء بنحو ١٠٨ آلاف من الجنيهات على مساحة حوالى ١٢ ألف متر مربع وبالفعل كان تحديًا أن ينتهى البناء فى هذا الوقت، وتم بث الإرسال منه بالفعل فى الميعاد المحدد من مبنى الإذاعة والتلفزيون المصرى وهو مبنى ماسبيرو وهو أقدم التلفزيونات الحكومية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وماسبيرو أيضا هو اسم الشارع الذى يطل عليه هذا المبنى.
أما الهيئة الوطنية للإعلام أو اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقًا فهى هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومقرها الرئيسى محافظة القاهرة، وتتمتع بالاستقلال فى ممارسة مهامها واختصاصاتها، ولا يجوز التدخل فى شئونها، وهى تتولى إدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة لتقديم خدمات البث والانتاج التليفزيونى والإذاعى والرقمى، وتعاقب على رئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون عدة رؤساء ذوى خبرات عديدة، منهم فتحى البيومى وأمين بسيونى وحسن حامد وأسامة الشيخ وثروت مكى وصفاء حجازي.
ثم تولى رؤساء الهيئة الوطنية للإعلام الأمر ويوجد حاليًا خطة تدريجية يتم تنفيذها بالفعل تهدف إلى تقليل عدد العاملين بمبنى ماسبيرو إلى أقل عدد ممكن بحلول عام ٢٠٢٥ ليسهل نقلهم إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وأكد حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن المقر يعد إضافة فاعلة للهيئة بجانب مقرها الرئيسى بماسبيرو المستمر فى القيام بدوره الإعلامى الوطنى بتقديم خدماته الإعلامية المسموعة والمرئية للمواطن المصرى ولكل المؤسسات الدولة من خلال ستديوهاته المختلفة.
وانعقد بالفعل أول اجتماع لمجلس الهيئة الوطنية للإعلام بالعاصمة الإدارية الجديدة وبحث مجلس الهيئة خلال الاجتماع عدة ملفات متعلقة بالعمل، وهناك متابعة مستمرة من الوطنية للاعلام لأعمال تجهيزات المقر بالعاصمة الإدارية وتخصيص دورين جرى تجهيزهما بكل الادوات والأجهزة اللازمة للعمل حتى تتمكن الهيئة من أداء واجباتها ودورها، وبحيث تتواجد فى قلب الفعاليات والأحداث التى تتم بالعاصمة الإدارية الجديدة والمتابعة المستمرة لها ونقلها أولًا بأول وتقديم خدماتها الإعلامية المختلفة من تغطيات حية، ويجرى العمل حاليا فى مبنى ماسبيرو إلى أن يتم نقل الإعلاميين والعاملين والفنيين إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
وإلى أن يتم هذا، فإنه فى تقديرى من الضرورى الإبقاء على الكفاءات الإعلامية والفنيين الذين يمكن أن يقدموا أداء وبرامج تليق بمكانة مصر الراهنة، وتوفير التجهيزات والمعدات وضخ الإمكانيات الضرورية، بحيث يمكن أن ينافس ماسبيرو مختلف الفضائيات الناجحة، وهذا ممكن فى رأيى فقط أن تم اختيار الكفاءات ذات الخبرة المتميزة لاستعادة دور ماسبيرو الرائد وبرامج جديدة تليق بمكانه مصر الراهنة وتليق بطموحاتنا وآمالنا للجمهورية الجديدة، وتليق بدور مصر الريادى والسباق فى مجال الإعلام وتطوير آليات العمل وتدريب الكفاءات، بحيث يمكن انطلاق برامج على مستوى متميز قادر على جذب المشاهدين من كل مكان، ويكون هدفها المساهمة فى رفع درجة الوعى لدى المشاهدين والمشاهدات.
وأن تبث الدراما التليفزيونية والإذاعية قيمًا نبيلة وبرامج راقية وممتعة تسهم فى رفع درجة الوعى، وتسهم فى نشر قيم الاستنارة، وتناهض وتتصدى لأفكار التطرف والتشدد الفكرى التى تحاول التأثير على الشباب والكبار والأطفال، وضرورة أن تحقق البرامج والدراما الجديدة فى نفس الوقت أرباحًا وليس خسائر، بالإضافة إلى اختصار هذا العدد الكبير من القنوات التى تتكبد الخسائر.
من ناحية أخرى، أرى ضرورة الاستعانة بعقليات متطورة وقادرة على الابتكار والمنافسة فى عالم الفضائيات، لبث الروح فى جسد ماسبيرو واستعادة دوره الريادى فى المنطقة.